مجتمع
من كورونا إلى زلزال الحوز .. تضامن راسخ لدى المغاربة
11/09/2023 - 16:56
وئام فراجفي كل أزمة تمر منها المملكة، ورغم كل ما تخلفه من مآسي وضحايا، إلا أن المغاربة دولة وشعبا يظهرون دائما مدى تآزرهم وتلاحمهم لتجاوز الأوقات الصعبة بأقل الخسائر.
يتذكر الجميع كيف اتحد المغاربة ملكا وشعبا في جائحة كورونا التي ظهرت أولى حالات الإصابة بها في مارس 2020 بالمغرب، بحيث أعطى جلالة الملك محمد السادس تعليماته السامية إلى الحكومة من أجل الإسراع في إنشاء الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا بهدف تمويل إجراءات الوقاية ومكافحة الجائحة والحد من آثارها.
أزيد من 33 مليار درهم لمواجهة الجائحة
وتمكن هذا الصندوق بفضل تكاثف المساهمات من تعبئة مبلغ يفوق 33 مليار درهم خلال سنة 2020، منها 10 ملايير درهم من الميزانية العامة، بحيث ساهمت فيه الجهات والشركات والمؤسسات والقطاع الخاص فضلا عن المواطنين.
وخصصت نفقات هذا الصندوق أساسا لتأهيل المنظومة الصحية ودعم الأسر فضلا عن دعم الاقتصاد الوطني من أجل الحفاظ على مناصب الشغل، بحيث تمت تغطية التكاليف اللازمة لتعزيز المنظومة الصحية عبر اقتناء المعدات الطبية ومعدات المستشفيات وشراء الأدوية والمنتجات الصيدلانية وتحسين وسائل التدخل وتعزيز قدرات وزارة الصحة، بحيث تم تخصيص مبلغ إجمالي يقدر بـ3,14 مليار درهم.
كما تم في إطار هذا الصندوق إيلاء اهتمام خاص بالفئات في وضعية هشاشة والمعوزة، عبر إطلاق عملية "التضامن" التي تهدف إلى الحفاظ على القدرة الشرائية للأسر التي تمارس نشاطا في القطاع غير المهيكل والتي أصبحت لا تتوفر على دخل يومي نتيجة الحجر الصحي.
من جهة أخرى، لم تكف تحويلات مغاربة العالم عن الارتفاع منذ الجائحة، فبعدما كانت في حدود 26 مليار درهم، في متم ماي 2019، سجلت قفزات متتالية في الفترة نفسها من أعوام 2020 و2021 و2022، فاجأت الكثير من مؤسسات التوقع التي راهنت في بداية الجائحة على تراجعها.
وفسر سخاء مغاربة العالم في ظل الجائحة بالتضامن الذين يبدونه تجاه أسرهم في المملكة، بل إنهم عبر تلك التحويلات يساهمون في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، مادامت ودائعهم في البنوك تصل إلى حوالي 190 مليار درهم، وهو مبلغ يساهم في توفير قروض للمستثمرين والأفراد.
وقد سجلت تحويلات مغاربة العالم رقما قياسيا جديدا في العام الماضي؛ إذ قفزت إلى 109,15 مليار درهم، بزيادة بنسبة 16,5 في المائة، حيث تساهم في دعم رصيد المغرب من العملة الصعبة، ما يساعد على توفير وسائل مالية لمواجهة الحاجيات على مستوى الواردات.
تدبير الآثار المترتبة عن الزلزال
وبعد التمكن من تجاوز أزمة الجائحة وتداعياتها على الأسر والاقتصاد الوطني بفضل تضافر كافة الجهود، تواجه المملكة في الفترة الحالية أزمة جديدة إثر الهزة الأرضية التي سجلت يوم الجمعة 08 شتنبر 2023 وحدد مركزها بجماعة إيغيل بإقليم الحوز.
وفي إطار التدابير المتخذة لمساعدة المتضررين من الزلزال، أعطى جلالة الملك محمد السادس تعليماته السامية بفتح ﺣﺳﺎب ﺧﺎص ﻟدى اﻟﺧزﯾﻧﺔ وﺑﻧك اﻟﻣﻐرب ﺑﮭدف ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻣﺳﺎھﻣﺎت اﻟﺗطوﻋﯾﺔ اﻟﺗﺿﺎﻣﻧﯾﺔ ﻟﻠﻣواطﻧﯾن واﻟﮭﯾﺋﺎت اﻟﺧﺎﺻﺔ واﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ.
وصادق مجلس الحكومة، يوم الأحد 10 شتنبر 2023، على مشروع مرسوم بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم "الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة عن الزلزال الذي عرفته المملكة المغربية".
وسيخصص هذا الحساب، الذي سيمكن من تلقي المساهمات التطوعية التضامنية للهيآت الخاصة والعمومية والمواطنين، بشكل أساسي لتحمل النفقات المتعلقة بالبرنامج الاستعجالي لإعادة تأهيل وتقديم الدعم لإعادة بناء المنازل المدمرة على مستوى المناطق المتضررة.
كما سيخصص لتحمل النفقات المتعلقة بالتكفل بالأشخاص في وضعية صعبة، خصوصا اليتامى والأشخاص في وضعية هشة، وغيرها من الإجراءات المستعجلة.
وفور الإعلان عن تفعيله، بادرت عدة مؤسسات عمومية وخصوصية للتبرع لفائدة الصندوق، وذلك في وقت تعمل فيه هيئات المجتمع المدني المخول لها جمع التبرعات وإيصال المساعدات، على تقديم يد العون لساكنة المناطق المتضررة بالزلزال.
استجابة فورية
وفي هذا الإطار، يرى مولود أمغار، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن الكوارث الطبيعية والإنسانية من التحديات الخطيرة التي تواجه المجتمعات في جميع أنحاء العالم، مشيرا إلى أن إدارة هذه الكوارث تتطلب استجابة فورية ومنظمة من قبل الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني.
وأبرز أمغار، في تصريح لـSNRTnews، أن توسيع نطاق التضامن والتعاون الاجتماعي بمختلف أشكاله من أبرز الاستجابات التي يعبر عنها المجتمع المغربي، خصوصا عبر تقديم الدعم المادي، والدعم العاطفي والنفسي، والعمل التطوعي، والمشاركة في عمليات الإنقاذ والإسعاف، والمساهمة بالخبرات والمعرفة، والتوعية والتثقيف، والإبلاغ والتوثيق، وأيضا الترافع وتتبع مجريات النهوض بأوضاع المتضررين من الكوارث الطبيعية ومجالاتهم.
وفي ما يتعلق بالحديث عن أشكال التضامن الحديثة، أكد أمغار أن "الذاكرة الجماعية والتاريخ الاجتماعي للمغاربة، يحتفظان بعدد من الذكريات الأليمة التي نتجت عن التقلبات الطبيعية مثل الجوائح، والجفاف، والفيضانات، والزلازل. وما تزال تحتفظ بأشكال التضامن والتعاون التقليدية التي كانت تستخدم كوسائل للتغلب على التحديات والأزمات التي تنشأ نتيجة الكوارث. وهذه الأشكال كانت وما تزال تعبر عن قوة الروابط الاجتماعية والعمل الجماعي لمساعدة المتضررين على استعادة استقرارهم".
وقال الأستاذ الجامعي: "في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد زلزال الحسيمة وجائحة كوفيد-19 وحرائق الغابات وغيرها من الكوارث الطبيعية، لاحظنا تغيرا واضحا في طبيعة التضامن في المجتمع، بحيث بدأ التضامن يأخذ مسارات جديدة، إذ أصبح يكتسي طابعا مدنيا، ويتم في فضاءات خارجة الأسرة والدولة، الشيء الذي يعزز حضور المجتمع المدني وإظهار أهميته للمجتمع والدولة على حد سواء".
تضامن قوي
وحول هذا التضامن الجماعي الذي يميز المغرب والمغاربة، يؤكد الباحث في علم الاجتماع، وعميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة حسن قرنفل، أن قوة المملكة تكمن في تلاحم أبنائها داخل وخارج الوطن والتي تظهر دائما عند الأزمات.
وأوضح قرنفل، في تصريح لـSNRTnews، أن هذا الأمر ظهر جليا في أزمة جائحة كورونا بحيث شهدت المملكة موجة قوية من التضامن والتي خففت بشكل كبير من هول الوضعية الوبائية.
وفي الوقت الحالي، يضيف الأستاذ الجامعي، كان رد فعل الدولة ومؤسساتها قويا وحاسما وفعالا، بحيث عبأت كل القوى من شرطة ورجال الوقاية المدنية ورجال الدرك والأطباء وجمعيات الدعم لتقديم المساعدة والدعم للضحايا والمنكوبين في عين المكان.
كما تمت معاينة صفوف طويلة للمواطنين الذين قصدوا مراكز تحاقن الدم للتبرع كشكل من أشكال التضامن، ما يظهر منحى تضامن المغاربة وتشبثهم ببلدهم، يقول قرنفل، مبرزا أنه "كلما مرت المملكة من أزمة يظهر المغاربة تمسكهم ببلدهم وتآزرهم مع باقي المواطنين آملين أن تكون هذه الكارثة الأخيرة من نوعها".
وأكد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة أن هذه المشاهد تبعث صورة إيجابية للمواطنين المغاربة أمام باقي الدول والشعوب، إذ تعبأ الجميع لتقديم يد المساعدة بكل عفوية وبدون أي إكراه، "ما يؤكد أننا مجتمع متماسك ومتضامن وقوي بأبنائه ومؤسساته حتى في لحظات الشدة".
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
مجتمع
مجتمع