مجتمع
التبذير في رمضان.. ظاهرة سلبية تخالف أهداف الشهر الفضيل
28/03/2021 - 15:16
مراد كراخيكشفت أرقام الجامعة الوطنية لحماية المستهلك" أن ظاهرة هدر الطعام، خلال شهر رمضان، تسجّل تزايدا ملحوظا مع مرور السنوات، ورغم الأزمة الاقتصادية التي تضرب المملكة والعالم، بسبب جائحة "كورونا"، لم يتأثر نمط عيش المغاربة خلال شهر رمضان، وظهر ذلك جليا خلال السنة الماضية.
أرقام صادمة
أفادت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك أن المغاربة يرمون في شهر رمضان الثلث من المواد الغذائية الصالحة للاستهلاك، والتي تصل قيمتها إلى 500 درهم شهريا لـ41 في المائة من الأسر المغربية.
وأوضحت الجامعة بأن منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة أشارت، في بيان لها، إلى أن كل مغربي يرمي ما يناهز 91 كلغ من الأطعمة في القمامة، معتبرة أن هذا السلوك يتنافى مع حسن التدبير والمساهمة في الاقتصاد الوطني.
وفي هذا الإطار، أفاد محمد العربي، نائب رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن هدر الطعام خلال شهر رمضان، يعتبر مشكلا قديما بالمغرب، لكنه تفاقم بشكل كبير خلال السنوات الماضية، فمع اقتراب الشهر الفضيل تعرف الأسواق الوطنية تهافتا كبيرا للمواطنين على اقتناء المواد الغذائية، بشكل غير مبرر، موضحا أنه "رغم الأزمة الصحية، سُجّل ازدياد في أرقام الطعام المهدور خلال شهر رمضان الماضي".
وأوضح العربي، في تصريح لـ"SNRTnews"، أن تهافت المواطنين على اقتناء المواد الغذائية، خلال هذه الفترة، "يفتح المجال أمام المضاربين الذين يستغلون هذا المعطى، للرفع من أسعار بعض المواد الغذائية، والخطير أن البعض منهم يلجأ إلى تزويد السوق بمواد فاسدة، رغم حملات المراقبة الكبيرة التي تنظمها وزارة الداخلية، بتنسيق مع المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية".
ودعا المتحدث ذاته إلى "ضرورة وضع حد لهذه الظاهرة السلبية، التي لم تفلح لا الحملات التحسيسية، ولا تحذيرات الجمعيات المغربية والمنظمات الدولية في الحد منها، بل على العكس، فهي في ازدياد مع مرور السنوات"، مؤكدا أن "هدر الطعام يعتبر سلوكا مشينا وغير مقبول دينيا وأخلاقيا".
سلوك مذموم يواصل الانتشار
لم تتأثر الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بشهر رمضان في المغرب خلال الجائحة، بل، على العكس من ذلك، تم تسجيل زيادة في نسبة الإقبال على المواد الغذائية، خلال شهر رمضان الماضي، الذي تزامن مع ذروة الأزمة الوبائية.
وترجع أسباب هذه الظاهرة، وفق الخبير الاقتصادي، العربي الزكدوني، إلى فلسفة الاستهلاك عند المغاربة، التي عرفت تطورات كثيرة مع مرور الزمن، "فإذا قارنا بين مائدتي إفطار لأسرة مغربية في فترة الستينات، وأخرى خلال السنوات القليلة الماضية، سنلاحظ حجم الزيادة الكبيرة في الأطعمة التي يتم إعدادها خلال وجبة الإفطار، والتي وصلت إلى درجة التبذير".
قال الزكدوني، لـ"SNRTnews"، أن "شهر رمضان بالمغرب، خرج عن إطاره الأصلي، وأصبح مناسبة موسمية للاستهلاك المفرط والتبذير، الذي ينعكس سلبا على الاقتصاد وعلى المردودية، إضافة إلى التأثير على الحالة الصحية للمواطنين".
ومن جانبه، أشار علي بوطيبة، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، إلى كون شهر رمضان، "شأنه شأن عيد الأضحى، يكتسي طابعا خاصا عند المغاربة، موضحا أنه من الناحية الاقتصادية تقوم جل الأسر بتوفير الأموال لهذين المناسبتين، وهذا ما يفسر الإفراط الكبير في استهلاك المواد الغذائية خلال الشهر الكريم".
وتابع بوطيبة، في تصريح لـSNRTnews"، "أن السلطات المغربية، تقوم بخطوات استباقية، في هذا المجال، من خلال توفير المواد الغذائية، التي يكثر عليها الطلب، خلال هذه الفترة من السنة، مع تشديد المراقبة، لقطع الطريق على المضاربين، لمنع رفع الأسعار والغش".
وتقوم السلطات المغربية، خلال هذه الفترة، بالحرص على أن يكون العرض، من المواد والمنتجات الاستهلاكية وافرا ومتنوعا لتلبية حاجيات المواطنين بكافة عمالات وأقاليم المملكة.
مناسبة للتباهي
تلعب العوامل الاجتماعية والثقافية وحتى النفسية، دورا مهما في ظاهرة تبذير الغذاء خلال شهر رمضان عند المغاربة، وفق الدكتور عادل الغزالي، أستاذ علم النفس الاجتماعي، الذي أوضح أن "الطعام خلال هذه المناسبة الدينية، لا يخضع لمنطق الحاجة".
وأضاف غزالي، لـ"SNRTnews"، أن شهر رمضان، بالنسبة لكثير من المغاربة، "خرج عن نطاقه الديني والمتمثل في طقوس العبادة، وأصبح السلوك المهيمن خاضعا للطقوس الاجتماعية والثقافية، شأنه في ذلك شأن المناسبات الأخرى مثل حفلات الزفاف وغيرها".
وأشار المتحدث ذاته إلى أن المغاربة انتقلوا خلال هذا الشهر الفضيل، من مستوى التدين، إلى مستوى المقارنات الاجتماعية، من خلال التباهي، وهذا ما يفسر هذا التهافت المفرط على الطعام، الذي يتجاوز حاجيات المستهلك، حيث يرمى أغلبه في صناديق القمامة".
وتابع المتحدث ذاته، أن "طريقة تسويق المنتجات الغذائية بالمحلات التجارية، تلعب كذالك دورا مهما في هذه الظاهرة، فالشخص الصائم تكون لديه الشهوة للطعام مرتفعة مقارنة بالأيام العادية، مما يجعله يسقط في فخ التسويق، إذ يشتري العديد من المواد التي تتعدى حاجته، فينتهي بها المطاف في القمامة".
رمضان شهر للعبادة والتقرب إلى الله
أفاد لحسن بن إبراهيم سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، أن "شهر رمضان شهر الصيام والقيام والتقرب إلى الله بقراءة القرآن والإقبال على فعل الخيرات، وترك كل ما يخل بالصيام".
وأوضح سكنفل، لـ"SNRTnews"، أنه "إذا كان لشهر رمضان طقوس اجتماعية تتمحور حول مائدة الإفطار حيث صنوف الطعام المختلفة التي تتعدد وتختلف باختلاف العادات والأعراف والتقاليد المتعلقة بالموروث الثقافي اللامادي المعبر عن ثقافة الشعوب والقبائل، فإن من أهم ما يجب أن يتحلى به المسلم هو أن يمارس هذه الطقوس بالتخلق بأخلاق الإسلام، ومن أهمها عدم التبذير والإسراف"، وقال تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا" سورة الفرقان الآية67.
وأضاف سكنفل أن "الصيام مناسبة لتربية النفس على التقليل من الأكل خصوصا بعد نهار كامل من الصيام، فالمؤمن الملتزم بآداب الصيام يربي نفسه في هذا الشهر على كبح جماحها فلا يأخذ إلا ما يحقق له الكفاية عند الإفطار وعند السحور، وهذا يعني من جملة ما يعنيه أن المصاريف تقل والتكاليف المادية المتعلقة بالتغذية تنقص، إلا أن ما نراه ونعيشه هو عكس ما هو مطلوب حيث يكثر التبذير في هذا الشهر و كأننا نصوم طول النهار عن الأكل، و نستعد ونحن صائمون للأكل طول الليل، فالمؤمن يكفيه ما يقويه ليجعل ليله مناسبة للقيام صلاة و ذكرا وتلاوة للقرآن الكريم رجاء عفو الله ورحمته ومغفرته وأن يكون من عتقاء الله من النار.
ووفق المتحدث ذاته، فإن الدين لا يمنع الطقوس الاجتماعية المرتبطة بالطعام الخاص بهذه المناسبة العظيمة، إلا أن الغاية من الصيام يجب أن تبقى حاضرة وهي تربية النفس على الإقلال من الطعام، والابتعاد عن التبذير والإسراف، وهو أمر مطلوب من المؤمن في كل وقت و حين، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: "وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا" سورة الإسراء الآية 27، كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :"ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" رواه الترمذي وحسنه.
المغرب ليس الوحيد
لا تقتصر ظاهرة إهدار الطعام خلال شهر رمضان، على المغرب فقط، بل باتت عادة تميز أغلب البلدان العربية على اختلافها، حيث أصبح الإسراف وإتلاف الطعام من مميزات هذا الشهر، الذي يفترض أن يكون شهر عبادة بامتياز.
وتظهر الإحصاءات الرسمية في الدول العربية، أن "حجم الإنفاق في شهر رمضان، لا سيما في دول الخليج، يرتفع بنسبة 50% مقارنة بباقي شهور السنة"، ووفق تقرير سابق لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو": يهدر الفرد بالمنطقة في صناديق القمامة كمية من الطعام تصل إلى 250 كيلوغرام سنويا، وتزيد هذه الكمية في رمضان لتبلغ 350 كيلوغراما".
وعلى الصعيد العالمي، حذرت منظمة الأمم المتحدة للبيئة من استمرار ظاهرة هدر الطعام، مبرزة أنه في كل عام يتم هدر ما يقارب 20 في المائة من الطعام من قبل سكان العالم.
وأبرزت المنظمة أن 900 مليون طن من الطعام تلقى سنويا في القمامة، مشيرة إلى أن 17 في المائة من الأغذية المعدة للاستهلاك داخل البيوت والمتاجر والمطاعم مآلها إلى حاويات النفايات.
ودقت المنظمة ناقوس الخطر حول ظاهرة هدر الطعام في وقت بلغ فيه عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع عبر العالم 690 مليون شخص، خلال سنة 2019، متوقعة أن يزيد العدد بسبب جائحة "كورونا".
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع