مجتمع
التقاضي عن بعد.. حصيلة إيجابية رغم الفراغ القانوني
08/12/2020 - 16:58
وئام فراجبدأ المغرب في اعتماد المحاكمات عن بعد، منذ شهر أبريل من العام الجاري، بعد فرض حالة الطوارئ الصحية بالمملكة وتوقف العديد من المصالح عن العمل. وتهم هذه المحاكمات القضايا المرتبطة بالمتهمين المعتقلين والقضايا المستعجلة؛ إذ اجتهدت المحاكم في تطبيق التقاضي عن بعد عن طريق تخيير المتهم، وأخذ موافقته على اعتماد هذا النوع من المحاكمة أو تأجيلها. ويأتي هذا الاجتهاد في ظل عدم وجود نص قانوني يقنن عملية التقاضي عن بعد.
ما المقصود بالمحاكمات عن بعد؟
تعرف المحاكمات عن بعد بكونها جلسات تعتمد على أساس تقني متطور للتقاضي، عبر تجهيز قاعات المحاكم بشاشات تلفزيون وكاميرات ذات جودة عالية، تربط الاتصال المباشر بقاعات المؤسسات السجنية من أجل انطلاق المحاكمة دون الحاجة لإحضار المتهم على ذمة التحقيق إلى عين المكان. وحسب عبد اللطيف الشنتوف، رئيس نادي قضاة المغرب، وأستاذ بكلية الحقوق الرباط أكدال، سبق للمغرب، في سنة 2016، اعتماد تجربة مشابهة تتعلق بالاستماع للشهود الذين يستعصي عليهم الحضور، إلا أنها لم تستمر. ويكمن الهدف الأساسي من عملية التقاضي عن بعد، وفق الشنتوف، في حماية المصلحة العليا والأسمى من الحقوق وهي الحق في المحاكمة العادلة، فضلا عن حماية الحق في الحياة والحق في الصحة للسجين وكافة المتدخلين في هذه العملية.
وأوضح رئيس نادي قضاة المغرب، في تصريح لـ"SNRTnews"، أن المحاكمات عن بعد كانت الخيار الأفضل في ظل استمرار جائحة "كورونا"، وظهور بؤر داخل المؤسسات السجنية، مشيرا إلى أنها لا تقتصر فقط على المحاكمات الجنائية بل تمتد أيضا للقضايا المدنية والتجارية وغيرها.
إشكال قانوني
رغم نجاح المحاكمات عن بعد في ضمان استمرار التقاضي والبت في القضايا المستعجلة، إلا أن الفراغ القانوني جعلها تتعرض لانتقادات ترتبط أساسا بالجانب الحقوقي واحترام المحاكمة العادلة.
ويؤكد رئيس نادي قضاة المغرب، في هذا الإطار، على ضرورة تقنين التقاضي عن بعد من أجل منحه صفة "المشروعية"، مبرزا، في المقابل، أن الظرفية فرضت الاجتهاد، لكن الاستمرار في هذه العملية يستدعي صياغة قانون خاص بها يضع حدا لكافة الانتقادات.
وسبق لوزارة العدل أن طرحت مسودة مشروع قانون تتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية، سواء المتعلقة بالشق المدني أو الجنائي، إلا أن المشروع لم يصل بعد لمرحلة التشريع نظرا لرفض بعض الجمعيات المهنية للقضاة مناقشته في الظروف الراهنة.
وأبرز الشنتوف أن نادي قضاة المغرب قدم مذكرة للوزارة الوصية، تضمنت عدة ملاحظات بهذا الشأن، وتأييدا لاعتماد إجراءات إلكترونية للتقاضي عن بعد، مشيرا إلى أن الجائحة تطرح تحديات في المستقبل، ما يرجح الاستمرار في التقاضي عن بعد عند الاقتضاء، وهو أمر من شأنه تسريع أداء الخدمة القضائية بالبلاد، والتقليل من التكلفة الزمنية والمادية لإجراءات التقاضي.
تحقيق المحاكمة العادلة
هل تراعي المحاكمات عن بعد شروط المحاكمة العادلة؟ سؤال يتم تداوله بشكل كبير فور سماع أن المحاكمة لن تتم بشكل حضوري، خاصة في القضايا الجنائية، ويختلف حوله العديد من المهتمين بالشأن القضائي. إذ يرى رئيس نادي قضاة المغرب أن المحاكمة عن بعد تتوفر على كافة معايير المحاكمة العادلة، التي تقتضي أولا احترام حق الدفاع، والعلنية، كما تقتضي أن تنظر في قضية المتهم هيئة مكونة طبقا للقانون. ويؤكد الشنتوف أن كافة المحاكمات المنعقدة لم تلغ هذه المبادئ، فيما تم المساس فقط بكيفية تطبيقها، بالانتقال من الحضوري إلى الافتراضي.
من جانبه، يرى سعيد الناوي، عضو هيأة المحاميين بالدار البيضاء، أن المحاكمة العادلة لا تتم فقط بحضور المتهم داخل قاعة المحكمة، بل لها معايير أخرى يمكن عدم تحقيقها رغم امتثال كافة الأطراف، مبرزا أن بعض المحاكمات لا تستدعي الحضور الجسدي، خاصة المتعلقة بالقضايا البسيطة من قبيل قضايا الضرب والجرح، وقضايا السرقة التي تكيف كجنحة وليست جناية، فيما تكمن أهمية الحضور أمام الهيئة القضائية في القضايا الجنائية التي تتعدى عقوبتها خمس سنوات، من أجل التمكن من رؤية تعابير وجه السجين بشكل أوضح، ومعرفة مدى صدق كلامه.
وأوضح الناوي، في تصريح لـ"SNRTnews"، أن الإشكال التكنولوجي كان عائقا في سيرورة بعض المحاكمات، بسبب انقطاع التواصل بين هيئة المحكمة والسجين نظرا لضعف صبيب الإنترنيت في بعض المحاكم، مشددا على ضرورة التغلب على هذه المعيقات التكنولوجية من أجل تحقيق محاكمة عادلة تضمن حقوق جميع الأطراف.
وأكد الناوي أن المحاكمة عن بعد جاءت في ظروف قاهرة جدا فرضت اعتماد هذه التقنية، وكانت موفقة من حيث بعض الأحكام الصادرة، في انتظار صدور قانون خاص يؤطرها ويطور العمل بها.
مقالات ذات صلة
عالم
اقتصاد