سياسة
المخطط الحكومي لتفعيل رسمية الأمازيغية بين التثمين والانتقاد
27/04/2021 - 11:00
يونس أباعليبقدر ما يسجل متابعون لسيرورة ملف تفعيل رسمية الأمازيغية أن هناك تأخرا كبيرا في إخراج المشروع الأولي للمخطط الحكومي المندمج لتفعيل رسمية للأمازيغية، يؤكدون بالقدر ذاته أن التأخير لن يؤثر في مسألة التفعيل، لكن شريطة توفر رغبة في التنزيل الفعلي لهذا المخطط الحكومي، خصوصا مع هيكلة اللجان وضمها ممثلين على قطاعات حكومية لتسهر على التتبع وإعداد التقارير والمراسيم المنظمة.
وثمّن باحثون، في تصريحات متطابقة لـSNRTnews، هيكلة اللجان الدائمة لتُناط بها مهام دراسة وتتبع مخططات العمل والبرامج القطاعية المرتبطة بالتفعيل ودراسة التقرير التركيبي السنوي المتعلق بمستوى تنفيذ مخططات العمل والبرامج القطاعية ذات الصلة.
في المقابل، ترى فئة أخرى من الباحثين والنشطاء الأمازيغ أن القانون التنظيمي الذي تم إقراره منذ أكتوبر 2019 بُني عليه المشروع الأولى رغم التحفظات التي تم تسجليها على هذا القانون التنظيمي، وبالتالي لم يأت بجديد، في وجهة نظرهم. كما أنه جاء متأخرا على اعتبار أنه كان بالإمكان اعتماده رسميا منذ سنة 2012، يقول آخرون.
ما هي التدابير الجديدة؟
لأول مرة منذ إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ومنذ إدراج اللغة الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين (2003)، أصبح للغة الآن منهاج في المستوى الإعدادي من سنته الأولى إلى السادسة، في وثيقة واحدة، بعدما كان الاشتغال يسير وفق تصور غير مسترسل، وهذا ما جعل المؤيدين يعتبرونه "من مكاسب المشروع الأولي".
المشروع الجديد لهذا المنهاج تم إحالته على المفتشين وأساتذة مادة اللغة الأمازيغية قصد الاطلاع وإبداء الرأي فيه، في أفق إعطاء الانطلاقة لإعداد النسخ الجديدة، من الكتب المدرسية للغة الأمازيغية بسلك التعليم الابتدائي، استعدادا للدخول المدرسي المقبل 2021-2022.
ويقترح المشروع الأولي، أيضا، تدابير (12 و13 و14) تم القيام بها سابقا، كتشجيع الإبداعات والمهرجانات الأمازيغية (كمهرجان عين اللوح المشهور) وكذا تخصيص الجوائز وتسليط الضوء على الموروث الثقافي الأمازيغي والإقامات الفنية. كما يشير إلى توفير الكتب والدلائل الرقمية بدءا من شتنبر 2021، إضافة إلى التكوين والموارد البشرية والرفع من عدد المفتشين التربويين، وتخصيص 400 منصب سنويا لأساتذة اللغة الأمازيغية، عوض 200 التي يتم توظيفها حاليا، وذلك ابتداء من أكتوبر 2021.
وبالنسبة لجودة التعلمات، فهذا المشروع ينص على التقويم من خلال إعداد العُدد في بداية شتنبر القادم كباقي اللغات. ناهيك عن عدد من الوسائل والمعدات الديداكتيكية والبيداغوجية الرقمية، وفي هذا الإطار تمكن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية "ليركام" والوزارة من تكوين فريق من الأساتذة لإنتاج موارد رقمية سمعية بصرية تساعد مدرس اللغة الأمازيغية.
بوكوس: سيتم توظيف خريجي الدراسات الأمازيغية
شدد أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على ضرورة خلق مناصب مالية وتوظيف الشباب خريجي مسالك الدراسات الأمازيغية، لتنزيل مخططات المؤسسات المعنية بالمشروع الحكومي.
"ما يهمنا هو أن كل الوزارات طلبت من المعهد أن يكون شريكا لها وأن يتدخل في العمليات التي ستبرمج في مخططات عملها، خصوصا تكوين أطر في اللغة والثقافة، وترجمة نصوص هذه المؤسسات"، يقول بوكوس في تصريح سابق لـSNRTnews، مبرزا أنه "بفضل الخريجين يمكن أن نحل هذه الإشكالات أمام العدد القليل للباحثين في المعهد، إذ لا يمكننا تدريس اللغة في مستويات مختلفة ولن نلبي رغبات جميع المؤسسات على مستوى الترجمة والأدوات التواصلية الرقمية".
وأوضح بوكوس أنه طلب من رئاسة الحكومة توفير مناصب مالية، "لأن ذلك سيكون له وقع إيجابي جدا على خريجي معاهد الدراسات الأمازيغية في أكادير ومراكش ووجدة وغيرها من المدن، خصوصا أن كثيرا من حاملي الدكتوراه لم يجدوا عملا".
والمكسب الرئيسي للمعهد، في نظر عميده، هو فتح باب التوظيف كما وعدت بذلك رئاسة الحكومة.
عصيد: مشروع قائم على نقائص
في الطرف الآخر، يرى الناشط الأمازيغي أحمد عصيد، رئيس المرصد الأمازيغي للحقوق الحريات، في تصريح لـSNRTnews، أن هذا المشروع الأولي مطابق للقانون التنظيمي الذي تم إقراره منذ أكتوبر 2019، معتبرا أنه "تبنى نفس النقائص الموجودة في القانون المذكور، ومنها اعتماد عبارات فضفاضة لا تعني شيئا عند التطبيق الفعلي، بل قد تؤدي إلى استمرار الميز ضد الأمازيغية في غياب التدقيق المطلوب في التزامات قطاعات الدولة".
واعتبر أن "الحديث عن تعميم الأمازيغية في خمس سنوات أو عشر سنوات دون تحديد عدد المدرسين الذين ينبغي تكوينهم في السنة الواحدة هو كلام لن يؤدي إلى أية نتيجة، على اعتبار أن الانتقال من 200 مدرس إلى 400 مدرس (فيما تحدث رئيس الحكومة عن 500) هي "أعداد لا يمكن أن تؤدي إلى أي تعميم حسب ما تزعمه الحكومة في المخطط المعلن عنه، بل ستؤدي إلى تعميم الأمازيغية في ثلاثين سنة، بينما القانون التنظيمي يلزم الحكومة بالتعليم من خمس إلى عشر سنوات، وهذا مستحيل بعدد المدرسين الذين أعلن عنه".
وبالنسبة لتضمن المشروع الأولى الرفع من نسبة البرامج الأمازيغية في وسائل الإعلام، فهو "كلام لا معنى له بدون تحديد النسبة المائوية للبث التي تستحقها الأمازيغية"، في نظر عصيد، إذ يرى أن الأمر يقتضي اليوم تدقيقا في التزامات القنوات الإذاعية والتلفزية.
ونفس الشيء يقال عن الأمازيغية في الفضاء العمومي وعلامات التشوير (تدابير التفعيل في الفضاءات العمومية)، بحسب رئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، الذي قال إنه بمثابة "استمرار للميز ضد الأمازيغية من خلال كتابة العربية بحروف ضخمة والأمازيغية بحروف غير مرئية مما يعني استمرار التهميش لأن ذلك لا يطابق الطابع الرسمي للغة".
وشدد في تصريحه لـSNRTnews على أن المخطط "لن يضمن التفعيل الأمثل للأمازيغية بدون نقل العبارات الفضفاضة للقانون التنظيمي إلى محك العمل والتجربة بتدقيقها وتحديد التزامات المؤسسات، وإلا فسيقوم كل طرف بعمل ما يحلو له دون ضابط أو معيار محدد، ولهذا نرى بأن ثمة مبدآن ينبغي أخذهما يعين الاعتبار من أجل تفعيل أمثل هما مبدأ المساواة بين اللغتين الرسميتين ومبدأ تحصين المكتسبات السابقة وترصيدها".
وختم بالقول إن اللجنة الوزارية "لن تكون في مستوى المهام المنوطة بها بالنظر إلى أسلوب الحكومة في إعلان أرقام غير واقعية، ولهذا نتوقع أن تشرع اللجنة في نشر تقارير تقول بأن كل شيء على ما يرام بينما يحدث خلاف ذلك في الواقع، ولهذا دعونا قبل 2019 إلى إحداث هيئة مستقلة عن الحكومة لمواكبة مسلسل التفعيل بشكل موضوعي"، حسب تعبيره.
أرحموش: المشروع لم يتفاعل مع مقتضيات قانونية
يرى الناشط الأمازيغي أحمد أرحموش أن هذا "المشروع الأولي كان سيكون رسالة لبداية التفاهم لو تم اعتماده في زمنه التشريعي لسنة 2012 على الأقصى، لننهي على الأقل محطاته التأسيسية في أفق 2027، وليس كما أريد له أن يكون الآن مخططا لزمن قد يتجاوز 2050".
وشدد في تصريح لـSNRTnews، على أن المشروع "غير موفق في تفاعلاته مع العديد من مقتضيات القانون التنظيمي للأمازيغية"، و"غير واضح في التدابير والأهداف والاجراءات ".
وأضاف: "إنه مشروع معد خارج الزمن الدستوري، كما المؤسساتي، خصوصا بالنظر إلى اختصاصات وأدوار المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي لازال في غرفة الإنعاش"، قبل أن يضيف أنه "مشروع منجز دون أية دراسة الجدوى، ودون تقييم لما هو قائم على أرض الواقع".
باحث: فخورون بما قمنا به في ظرف وجيز
بنعيس ايشو، باحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وأحد المشاركين في إعداد المشروع الحالي في ما يخص المنهاج الدراسي للغة الأمازيغية، لفت إلى أنه تم إنجاز وإعداد المناهج التربوية في ظرف وجيز، على اعتبار أن العمل بدأ فقط منذ يناير الماضي فقط، وهو ما يجعل القائمين عليه يفتخرون بما قاموا به.
ما يهم الآن الاشتغال ومواكبة المشروع لأن فيه أمورا مهمة، يؤكد الباحث بمركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية بالمعهد ذاته، في تصريح لـSNRTnews، مبرزا أن الاشتغال على تجديد المنهاج الدراسي الأمازيغي جاء في إطار تنزيل تصور وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، سواء على المستوى الاستراتيجي (النظريات، المقاربات...).
وشدد على أن اللغة الأمازيغية يسري عليها ما يسري على باقي اللغات، وهناك خصوصيات للغة تم مراعاتها، "ونحن سعداء بالاشتغال على هذا"، يقول الباحث.
ويقول بنعيسى ايشو إن المناهج التي جددتها الوزارة أخذت 4 سنوات من الوقت، وبالتالي كان الاشتغال تحت الضغط للوصول إلى منهاج للغة الأمازيغية يشبه مناهج باقي اللغات، مضيفا: "كانت اختلافات حول مدى اعتماد غلاف زمني كبير للغة وتوفير أساتذة ومراكز متخصصة، كسائر اللغات، لكن هذه الإشكالات يعالجها المشروع الحالي بتدرج وسلاسة، لأن الحكومات السابقة لم تقم بواجبها وسجلت تأخرا، ولو كانت وتيرة الاشتغال حينها بهذه الوتيرة التي اقترحتها وزارة التربية الوطنية لكنا في وضعية أحسن".
مقالات ذات صلة
سياسة
سياسة
مجتمع