مجتمع
المسيرة الخضراء.. شهادات أبطال في الصحراء
06/11/2020 - 11:53
مريم الجابريشكلت المسيرة الخضراء، لحظة تاريخية حاسمة في تاريخ المغرب، الذي أبان فيها على تشبثه بوحدته الترابية من أجل استرجاع الأقاليم الصحراوية. وبهذه المناسبة يستحضر "SNRTnews" في الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة، مع أربعة متطوعين، ذكريات لا تنسى من تلك المسيرة السلمية التي قلبت موازين القوى في المنطقة.
اليوم يحتفل المغاربة بذكرى المسيرة الخضراء، التي خلّدت في ذاكرة المغاربة عامة، وفي ذاكرة الـ350 ألف مشارك فيها بشكل خاص، ولدى أربعة منهم استقى "SNRTnews" انطباعاتهم، بعد 45 سنة عن الحدث الذي غيّر مجرى تاريخ المنطقة بأكملها.
جزوليت.. التلميذ المتطوع
في تصريح لأستاذ القانون الدولي البروفيسور المغربي، والإعلامي السابق، محمد توفيق جزوليت، لـ"SNRTnews"، قال "كانت تجربة مميزة وتاريخية، خصوصا وأنني شاركت في المسيرة وأنا مازلت تلميذا في ثانوية الليمون بمدينة الرباط، تلبية لخطاب المغفور له الحسن الثاني الذي ألهب مشاعر الرأي العام المغربي". وأكد أن قضية الصحراء المغربية ظلت ضمن اهتماماته الاكاديمية، "فعندما أستحضر حدث المسيرة الخضراء ولحظة الإعلان عنها سنة 1975 أحس بفخر كبير".
ويضيف جزوليت "في الواقع تعبئة 350 ألف مشارك في المسيرة الخضراء كانت صعبة للغاية. أتذكر أننا أمضينا يومين في القطار من الرباط إلى مراكش، في ظروف جد صعبة، ولا ريب أن المسيرة الخضراء فرضت على فرانكو أن يوقع اتفاقية مدريد، التي، على أساسها، استعاد المغرب صحراءه في الوقت الذي بقينا في الصحراء، في ظروف جد صعبة، مع نقص حاد في الماء الصالح للشرب والطعام الصحي، ناهيك عن مناخ صحراوي شديد الحرارة".
ويسترسل الإعلامي السابق، بنبرة تنم على الاعتزاز "لقد كنت فخورا وأنا أشارك في المسيرة، رغم صغر سني، مما ولد في كياني روح الوطنية الصادقة. وكان للمسيرة انعكاس على مساري الجامعي، بعد أن قمت بصياغة بحث في جامعة 'سالفورد' في بريطانيا للحصول على شهادة دبلوم الدراسات العليا، في العلاقات الدولية بعنوان: 'العلاقة التاريخية والقانونية بين المغرب والصحراء المغربية'، كما أنني قمت بصياغة بحث للحصول على الدكتوراه في القانون الدولي بكلية الحقوق بالرباط في القانون الدولي".
الوناس.. حلم الأم
من جانبها، وفي تصريح لناجية الوناس، 58 سنة، قاطنة بمدينة الدار البيضاء، رئيسة فرع المجلس الوطني السامي لمتطوعي المسيرة الخضراء بالدار البيضاء، وبروح وطنية واعتزاز كبير، تقول لـ"SNRTnews": "لم يكن عمري آنذاك يتجاوز 13 سنة، حين وجدت نفسي منخرطة بتلقائية في عملية التسجيل على لوائح المتطوعين. واعتبرت نفسي محظوظة عندما تم تسجيلي وقبولي أنا وصديقتي. فقد انخرط المغاربة والمغربيات بكثافة تفوق بأضعاف الأعداد التي كانت مسجلة في الإحصاء. وكانت أمي تقول لي دائما: حلمي أن أراك مناضلة قوية. كلامها وأملها في شجعاني لاتخاذ قرار الالتحاق بالمسيرة الخضراء".
وحكت للموقع بحزن كبير عن "أمي زبيدة"، المرأة الطيبة التي شاركت معهم في المسيرة الخضراء، و"لكن للأسف عند عودتها، فوجئت بزواج زوجها عليها، وتشردت المسكينة في الشارع".
وبدموع مدرارة، استرجعت الوناس ذكريات المسيرة والرحلة إلى طرفاية؛ "كان الاحترام والتقدير يسود في رحلتنا. وبمخيماتنا التي نصبت، وكوني امرأة مناضلة، لا يمكنني وأنا أتحدث عن المسيرة إلا أن أستحضر أيضا مبادرة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، الذي خصص للنساء نسبة للمشاركة في أفواج المتطوعين للمسيرة. وقد كان ذلك بمثابة 'كوطا' نسائية ساهمت في إبراز دور المرأة وأهمية إشراكها في تلك المسيرة الوطنية النضالية التاريخية".
عربت المتحدثة عن صلابة المرأة المغربية التي أبانت عليها خلال المسيرة الخضراء، والتي اعتبرتها أروع مسيرة في حياتها، وباعتزاز بالغ تقول "حملنا الرايات المغربية مع اتحاد كبير بين الشعب المغربي، وحمل الصحافي (محمد الصديق) معنينو الراية وعلقها، ونادى صاحب الجلالة المغفور له الحسن الثاني أننا المقاومين الثانيين الذين لبو نداء ملكهم".
واسترسلت المشاركة بحماس في حديثها وبريق متوهج في عينيها وكأنها تحيى تلك المسيرة من جديد: "وبعد رجوعنا، أحسست بافتخار كبير تلبية للوطن الحبيب والملك، ولأمنية أمي الحبيبة، واحتفل بنا المرحوم بنجلون حيث أقام لنا عند قدومنا حفلا كبيرا، وظل حب الوطن في قلبي قائما، وبعد ذلك ترأست المجلس الوطني السامي".
ولم تغفل هذه السيدة أن تشير إلى الوضعية الراهنة "التي حرمت مناضلي المسيرة الخضراء من الاحتفال"، خاتمة تصريحها بزغرودة تهيديها للمسيرة الخضراء ولكافة المغاربة، معتبرة أن "المسيرة الخضراء كانت خطوة رائدة وحاسمة في المسار الذي اتخذه المغرب من أجل تعزيز موقفه والانتصار والمضي قدما في الإصلاحات الديمقراطية. الأمر الذي ساهم في تقدم البلاد وفي بلوغ المغرب مراتب جيدة في المحافل الدولية"، على حد تعبيرها.
المسعودي.. الأمازيغية الحرة
تجاعيد تغطي وجهها البريء، تنم عن طيبة وكرم المرأة الأمازيغية. هي فاطمة المسعودي، الملقبة بـ"لالة فاطنة"، والمشاركة في المسيرة الخضراء، تروي، لـ"SNRTnews"، قصة مشاركتها. تبلغ الآن من العمر 80 سنة، وهي من مواليد مدينة الخميسات، تعيش رفقة أحفادها الذين تكبدت عناء تربيتهم بعدما توفت والدتهم قبل خمسة عشر سنة.
تقول إن الانطلاقة كانت من الخميسات مسقط رأسها، وتضيف "تم تزويدنا بالأغطية اللازمة، وركبنا في الشاحنات صوب الصحراء المغربية، رفقة المصحف الشريف والرايات المغربية شعارنا كان 'عاش الملك'، مررنا بمجموعة من المدن وصولا إلى الحدود حيث صلى المغفور له الملك الحسن الثاني أمامنا، كان وشعورنا كان لا مثيل له. اجتمعت فيه الفرحة والدموع، الافتخار والاعتزاز، والخوف كذلك".
تضيف "لالة فاطنة": "قطع الرجال أسلاك الحدود لنبلغ أرضنا، ونصبنا الخيام التي أخذناها من هنا. كانت حوالي 20 خيمة للنساء والرجال. تم مدنا بالمواد الغذائية، من زيت وسكر ودقيق، وقمنا بالتقاط أغصان الأشجار، لنوقد النار التي سنطهي عليها الخبز. وتعاونا فيما بيننا، واعتمدنا في غسل الأواني على ماء البحر. كنا كعائلة واحدة، يدا في يد. كنت صغيرة جدا لا أتوفر على بطاقة التعريف. وكانت تجربة غيرت الكثير في مسار حياتي، وجعلت مني المرأة القوية الشجاعة".
"'فدينا' ملكنا، نمنا في الخلاء، وتكبدنا عناء السفر"، هكذا عبرت فاطنة، عن تجربتها في المسيرة الخضراء وتسترسل بافتخار"دوّزنا الحارّة والحلوّة مع ملكنا العزيز. بقينا مع رفاقنا على تواصل. منهم من مات ومنهم من لازال حيا لحدود الساعة. وأنا شخت الآن وصحتي تدهورت، لكنني لازلت أتذكر كل ما عشناه في مسيرتنا".
وبحرقة شديدة تنم عن حزنها على صديقة وافتها المنية خلال المسيرة الخضراء، تحكي "تعذبنا كثيرا في المسيرة الخضراء. وتكبدنا عناء الرحلة التي لم تكن بالهينة، فقدنا أصدقاء كثر، منهم من مات ومنهم من مرض، هي حقا ملحمة، تظافرت فيها جهود كثيرة".
وتعرب "فاطنة"، عن اعتزازها بالوسام الملكي، الذي قدمه لها المرحوم الحسن الثاني: "في الوقت الذي قدم لي فيه سيدنا الوسام، اختلطت علي المشاعر. وأحسست أنني قدمت خدمة للوطن، حتى ولو أكل الدهر علي وشرب. فوطني لن ينساني، فأنا يوما ما ضحيت بالغالي والنفيس ومشيت في طريق ملكنا بكل اعتزاز".
كباب.. مدرسة التطوع
من جهة أخرى، يروي محمد كباب، 63 سنة، رئيس المجلس الوطني السامي لمتطوعي المسيرة الخضراء بسلا، لـ"SNRTnews"، "كانت تجربتي مع المسيرة الخضراء مغامرة بروح وطنية خالصة، لوجه الله والوطن والملك. كنا أمام الثانوية التي أدرس فيها، برفقة مجموعة من الأصدقاء، ووصلتنا أصداء عن قرار جلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، وعزمه على خوض مسيرة إلى الصحراء لتوحيد المغرب، واسترجاع الصحراء المغربية، من يد الاستعمار بمسيرة سلمية".
وأضاف كباب: "تطوعنا مجانا لأن هدفنا كان هو الحفاظ على كل مقومات الوطن. بدأت الرحلة في أكتوبر من مدينة سلا، وبالضبط من ملعب كرة القدم للجمعية الرياضية السلاوية. استعانت السلطات المحلية بنا من أجل التنظيم وتسهيل عملية التعامل وتأطير المتطوعين، وبدأنا الرحلة من سلا إلى الرباط،أمام البريد بشارع محمد الخامس، ومن هناك، منا من ركب القطار ومنا من ركب الحافلات".
واسترسل المتطوع في حديثه بزهو: "أكملنا الرحلة من الدار البيضاء بعد استراحة قصيرة بمراكش الحمراء، وتم استقبالنا كأبطال. وحينها اكتشفنا، بفضل دهاء المرحوم الحسن الثاني، أن مسيرتنا هذه هي مدرسة حربية جديدة، لا تعتمد على السلاح، بل على قوة التضامن الاجتماعي، والسلمي والتضحية، من أجل الوصول إلى الهدف الذي خطط له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه".
وزاد قائلا "بعد خروجنا من مراكش رفقة الأمن الوطني، والدرك الملكي، والقوات المساعدة، والسلطات المحلية، التي كانت دائما ترافقنا أفواجا، ومن أكادير نحو كلميم باب الصحراء. ومن هناك بدأت مرحلة الدخول إلى الباب المجهول، ووجدنا أنفسنا أمار واقع يستوجب الصبر والانضباط، والتضحية، لأننا انطلقنا من مغرب الأمن والاستقرار نحو صحراء تفتقر لأبسط الأشياء، لا طرق لا معدات، مع قطع كلومترات عبر طريق غير معبدة، ورمال متموجة ورياح تتطلب منا أن نغطي أعيننا وأنوفنا حماية لأنفسنا".
وأردف المتحدث: "منذ خروجنا من كلميم إلى طنطان، أصبحنا نتعامل بحذر، حسب التكوين الذي تلقيناه، وتغيرت بوصلة العمل والتعامل مع المتطوعين، خصوصا أننا في صحراء شاسعة بلا حدود، والمغرب أمام أنظار العالم. ولا ننكر خوفنا حينما حلقت الطائرات الاسبانية فوق رؤوسنا، لإخافتنا، لكن شعور الخوف هذا تحول إلى حب استشهاد وصمدنا في الصفوف الأمامية".
وأوصى الكباب بضرورة التحلي بروح المواطنة والتضامن، بعد أن أسس رفقة أصدقائه "مدرسة الحسن الثاني للتطوع"، والتي تدرس أدوات بناء التلاحم الإنساني، والعمل التطوعي، وهي ثمرة المجلس الوطني السامي لمتطوعي المسيرة الخضراء.
مقالات ذات صلة
سياسة
سياسة