سياسة
تقرير النموذج التنموي يقترح مرجعية جديدة للتنمية بالمغرب
25/05/2021 - 23:38
مراد كراخيأفاد التقرير، الذي ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يومه الثلاثاء 25 ماي 2021، بالقصر الملكي بفاس، مراسيم تقديمه، أن الأسلوب التقليدي لاشتغال الدولة، والقائم على دورها المركزي والرقابي، وإن كان متناسبا مع مرحلة معينة من نمو البلاد وفي سياق وطني ودولي أكثر قابلية للتوقع، فإن هذا الأسلوب يبدو اليوم أقل وجاهة وملاءمة مع التطورات الأخيرة، لاسيما مع مستقبل متسم بالغموض، حيث أن الدولة لا تملك الوسائل والقدرات الكافية لتحمل جميع أوراش التنمية لوحدها، والتي تزداد تعقيدا سواء على المستوى المالي أو الإجرائي أو على صعيد الخبرات المطلوبة، حيث يمكن لفاعلين آخرين كالقطاع الخاص والفاعلين على المستوى الجهوي والمجتمع المدني، المساهمة والمشاركة بكيفية فعالة في استعمال أمثل للموارد العمومية إذا تمت مواكبتهم بشكل مناسب، يضيف التقرير.
منهج جديد للتنمية
أكد التقرير، أن التعقيـد المتزايد للعالم والتحديات التي يواجههــا المغــرب تجعل مــن المسـتعجل تقديم إجابات لا تعتمـد فقـط علـى إنجاز تشخيص جديـد ووضع اسـتراتيجية جديدة ذات طابع تقني، كمـا ذهبـت إلـى ذلـك العديـد مـن التقارير، بـل تحيـل أيضـا علـى وضع منهـج جديـد للتنميـة.
وأوضح أن الأوراش المهيكلة التي يقترحها النموذج التنموي الجديد هي في أغلب الحالات مركبة وعرضانية، كما هو الشأن، على سبيل المثال، بالنسبة لضبط القطاعات الاقتصادية التي تخضع لتغييرات تكنولوجية مستمرة، كالطاقة أو الرقميات، أو الارتقاء الصناعي، أو تدبير المخاطر، أو الجودة الفعلية للخدمات العمومية أو وضع أنظمة للحماية الاجتماعية مندمجة ومعممة، لذلك، يتطلب إنجاح هذه الأوراش بذل مجهود متواصل وصارم في التتبع، كما يقتضي تطبيقها على أرض الواقع الاعتماد على كفاءات ومهارات جديدة، سواء على المستوى التقني أو التنظيمي واللجوء إلى آليات فعالة للقيادة والدعم وكذا على إحداث تغييرات في التصورات والتمثلات.
وحسب التقرير ذاته، فإن المرجعية الجديدة للتنمية، تشكل جوابا على هذه الإشكالية، إذ تركز على تحسين القدرة الهيكلية للبلاد لتجاوز التحديات الجديدة مع مراعاة عامل الزمن والوتيرة المناسبة للاستجابة للانتظارات التي تتسم بالطابع الاستعجالي، حيث إنه من شأن هذا التغيير في المرجعية و"المنهجية" تحقيق الطموح الذي يقترحه النموذج التنموي الجديد، وييسر الانتقال نحو مجتمع أقال تقاطبا وأكثر عدالة وازدهارا، حيث يساءل هذا التفكير حول مرجعية التنمية بالدرجة الأولى دور الدولة ومهامها وتنظيمها وتفاعلها مع باقي الفاعلين، كما ظهر جليا خلال جائحة "كوفيد-19".
توجه جديد لدولة قوية مع مجتمع قوي
دعا النموذج التنموي الجديد، إلى اتباع توجه جديد يتمثل في الجمع بين "دولة قوية مع مجتمع قـوي"، وذلك بتعبئة كافة القوى ضمن توازن يخلق المزيد مـن فرص التقدم، لتحقيق دولة حامية وضابطة تساهم في تحرر طاقات مخالف الفاعلين وتضمن لهم التحول والاستقلالية، في التصرف، وتُحملهم المسـؤولية، وتتيح الإطار المناسب لتعبئة كل الطاقات في خدمة تنمية البلاد والمنفعة المشتركة والصالح العام، يقابلها مجتمع يحشد كل طاقاته ويستغل فرص المشاركة الواسعة بروح من المسؤولية.
وفي إطار هذا التوجه يتعين على الدولة المركزية، حسب التقرير، أن تحرص على التكامل والتوازن الخلاق بين السياسات الوطنية المعتمدة والممتدة في الزمن، من جهة، وتعزيز الدينامية المحلية، من جهة أخرى، حيث ينبغي أن تستفيد هذه الدينامية، من مزيد من هوامش التصرف، تكون مواتية للتجريب والابتكار وانبثاق نجاحات فاعلين رائدين للتغيير على المستوى المحلي.
وحسب التقرير، فإن هذا التوجه، يجسد مفهــوم "المســؤولية والإقلاع الشــامل" الذي أكد عليــه جلالة الملك في خطـاب العـرش لسـنة 2019، ويعكـس هـذا التوجـه الطابـع المتفـرد للنمـوذج التنمـوي للمملكـة، حيـث تعتبـر المؤسسـة الملكيـة الركيـزة الأساسـية للدولـة ورمـز وحـدة الأمـة والضامنـة للتوازنـات والحاملـة للرؤيـة التنموية وللأوراش الاسـتراتيجية طويلـة المـدى والساهرة علـى تتبع تنفيذهـا خدمـة للمواطنين، حيث يتوافـق هـذا التوجه مــع المبادئ والقيم التي كرسها دستور المملكة والتنظيم الــذي حــدده للسـلطات الدسـتورية.
وحسب التقرير، فإن المغرب يتميز بنظام سياسي يسمح بتقليص التوتر بين المستويات الزمنية، وبجمع المزايا التي يكفلها وجود المؤسسة الملكية كضامن للهدف المنشود المحدد من طرف الجماعة الوطنية، إلى جانب الفاعلين الآخرين المتنافسين بشكل ديمقراطي من أجل رسم المسارات للوصول إلى هذا الهدف، وأشار التقرير ذاته إلى أن التوجه المقترح لا يعني دولة أقل بل دولة أفضل تنصب على رؤية استراتيجية بعيدة الأمد تتولى تحديد التوجهات وأهداف التنمية وتعطي معنى للمشروع الوطني الجماعي والجامع، وتوسع هامش الممكن، وتعبئة جميع القوى وتدعو إلى تحرير الطاقات حول مشروع ذي غاية واضحة وبينة، وضمان أمن المواطنين وممتلكاتهم، وتقليص مجال عدم الأمان الفعلي أو المفترض وتحمي الحريات والتعددية، والقدرة على إعمال السياسات العمومية وتقديم النتائج للمواطن في انسجام مع الطموح والأهداف المعلنة.
مبادئ مشتركة للعمل
وحسب التقرير ذاته، فإن هذا التوجه الجديد يستلزم وضع مبادئ جديدة للعمل لكافة الأطراف المعنية، إذ تعتبر هذه المبادئ بمثابة الضامن للتطبيق الفعلي والممنهج للتوجه المقترح لإحراز تقدم جماعي نحو أهداف التنمية، من خلال مقاربة مبنية على النتائج والأثر على حياة المواطن، حيث يجب أن يغدو الأثر الملموس على حياة المواطن وإلزامية تحقيق النتائج المعيارين الرئيسيين في تقييم نجاعة الاستراتيجيات والسياسات العمومية ومشاريع التنمية لجميع الفاعلين وفي مساءلتهم، ومقاربة نسقية قائمة على الشراكة تأخذ بعين الاعتبار التعقيد والترابط المتزايد للإشكاليات المطروحة وتزيل الحواجز العمودية لتيسير بزوغ كل الطاقات من خلال البناء المشترك، حيث تستدعي هذه المقاربة النسقية بالضرورة اعتماد أسلوب جديد للحكامة كفيل بتوفير شروط العرضانية والتنسيق.
كما يجب دعم القدرات، حيث يعتبر هـذا المبدأ شـرطا أساسيا لتحقيـق المبـادئ الأخـرى، إذ ينصب على تطوير ودعـم القـدرات الذاتيـة والتنظيميـة لجميـع الفاعليـن بما في ذلك الدولة، المـوازاة مـع العمـل علـى توسـيع مجـال إشـراك جميـع الفاعليـن، يتعيـن التأكـد مـن توفـر هـؤلاء الفاعليـن علـى الكفـاءات البشـرية والقـدرات التقنيـة والماليـة مـن أجـل تعزيـز مسـاهماتهم، والتفريع في نطاق المجالات الترابية من خلال تقليـص الفـوارق المجالية والرفـع مـن نجاعـة السياسات العموميـة، وكـذا هاجـس الاستدامة والقـدرة علـى التكيـف، والاستدامة والنجاعة، من خلال الإدراج الممنهـج لاســتدامة الموارد ونجاعة اختيارات التنمية في تدخلات الفاعليــن، حيث يفــرض التزايــد المســتمر للإكراهــات المرتبطــة بالموارد مراعــاة متطلبات الاستدامة البيئيـة والماليـة فـي الأداء العمومي مـن خـال اسـتعمال معقلـن للمـوارد وتثمينهـا والمحافظـة عليهـا لفائـدة الأجيال الحالية واللاحقة، سواء تعلــق الأمـر بالموارد الطبيعية أو الموارد المالية.
مقالات ذات صلة
سياسة
سياسة
الأنشطة الملكية