مجتمع
زهيرة بادي.. من جبال الحوز إلى جامعة السوربون
31/12/2020 - 11:38
وئام فراج"لا يوجد شيء مستحيل، تستطعن تحقيق أحلامكن مقابل إرادة قوية، والعمل بجد للوصول إلى المبتغى"، مقتطف من رسالة وجهتها زهيرة بادي إلى الفتيات القرويات بالمغرب، بعدما شقت طريقها نحو حلمها الذي كان يراودها منذ الصغر، بفضل مساعدة جمعية "ريم" التي تحمل شعار تشجيع التعليم من أجل التنمية.
البداية
ظهرت زهيرة أول مرة سنة 2012، في فيلم وثائقي يحمل عنوان "في الطريق إلى المدرسة" لمخرجه باسكال بليسون، إذ قام الفيلم بتسليط الضوء على الصعوبات التي يواجهها الأطفال في العالم القروي والمناطق النائية لإتمام دراستهم، واختار الوثائقي أربعة أطفال من كينيا والهند والأرجنتين والمغرب، الذي مثلته آنذاك الطفلة زهيرة بادي وخطفت الأنظار بحديثها عن طموحها في أن تصبح طبيبة لتعالج سكان منطقتها، والاهتمام بصحة نسائهن الحوامل
وحسب ما جاء على لسان منسقة جمعية ريم، بديعة خالد، "حاز الفيلم على عدة جوائز في دول عربية وغربية، وحظيت زهيرة بتعاطف كبير من طرف المشاهدين، فكان الوثائقي الشعلة الأولى لبروز اسمها".
بعد مرور حوالي سبع سنوات على عرض الوثائقي عاد اسم زهيرة للواجهة، بعد مشاركة الشريط مرة أخرى من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي لجعلها قدوة لكل فتاة قروية تواجه صعوبات في تحقيق أحلامها.
بداية البداية
قصة زهيرة بدأت حينما قرر والدها إخراجها من المدرسة، بعدما حصلت على شهادة المستوى السادس ابتدائي بمعدل متفوق. يقول حسن بادي، أب زهيرة: "لم يكن لدي خيار آخر، فأنا كأي أب يخاف على بناته من قطع الكيلومترات بين الوديان والجبال للوصول إلى المدرسة، كنت أتوقع أن جلوسها في المنزل سيكون أفضل لها، لكن ما حدث كان مفاجئا وغير من قناعاتي".
يحكي أب زهيرة لـ"SNRTnews" قصة ابنته بكل فخر، متابعا: " ذات يوم حلت جمعية ريم بدوارنا، بحثا عن التلاميذ المنقطعين عن الدراسة، فأقنعتنا بضرورة السماح لزهيرة بالذهاب إلى آسني لإكمال دراستها في السلك الإعدادي، وبعد مشاورات بين باقي أفراد الأسرة اقتنعنا، ومن هنا بدأت مسيرتها."
تكفلت جمعية ريم بمصاريف ثلاث فتيات من دوار تنغرين، هن زهيرة وزينب ونورا، صديقات متفوقات منذ الصغر، انتقلن في سن 12 إلى آسني لإتمام دراستهن الإعدادية والثانوية، إضافة إلى 17 فتاة أخرى من مناطق مختلفة بالإقليم. "وذلك في إطار مشروع نموذجي ومهيكل بالإقليم، يروم تشجيع التمدرس وصيانة حقوق الفتيات بالمناطق القروية،" بحسب تعبير بديعة خالد، منسقة جمعية ريم.
وتضيف بديعة، في تصريح لـ"SNRTnews"، أن أغلب الفتيات في سن زهيرة ينقطعن عن الدراسة فور حصولهن على شهادة المستوى السادس ابتدائي، مردفة: "من هنا جاءت فكرة المشروع، الذي عملنا من خلاله على إقناع آباء الفتيات بالسماح لبناتهم بالاستمرار في التمدرس، وقمنا بمساعدة 20 فتاة على الانتقال إلى جماعة آسني، بعد توفير دار للإيواء والاستمرار في تقديم خدمات الدعم والتتبع والأنشطة الموازية لتسهيل تمدرسهن".
التحقت زهيرة بدار الإيواء سنة 2010، بجماعة آسني التي تبعد بحوالي 20 كيلومترا عن دوار تنغرين، وكان تفوقها المستمر في كافة مستوياتها الدراسية، حافزا لها ولباقي أفراد الجمعية من أجل بلوغ هدفها، بحسب منسقة جمعية ريم، مبرزة أن "مسارها الدراسي يعد تتويجا لما عاشته وعانته من ظروف مناخية وجبلية صعبة".
ورغم تفوق زهيرة في دراستها إلا أنها لم تتأقلم بسهولة مع حياتها الجديدة بعيدا عن أسرتها الصغيرة، فكيف ذلك وهي طفلة في بداية عقدها الثاني. تقول زينت صديقتها: " واجهنا صعوبات عديدة في التأقلم والدراسة، أتذكر كم كنا نبكي في الليل على فراق أهلنا.. لكن كل ذلك يبقى مجرد ذكريات أمام ما حققته كل واحدة منا".
علاقة زينب وزهيرة لم تكن تقتصر على الصداقة فقط، بل كانت تعتبرها أختا وسندا لها، إذ تصفها بالصديقة المتميزة التي لم تر لها مثيلا، تقول مردفة، في حديثها مع "SNRTnews": "زهيرة إنسانة مهذبة ومتفائلة بالمستقبل، كانت تأتي دائما الأولى في القسم، وتطمح لدراسة الطب من أجل علاج المرضى بمنطقتنا، والتكفل بالنساء الحوامل، فقد كانت تحب مساعدة الآخرين منذ الصغر."
فشل ومحاولة ثم نجاح
في سنة 2017، حصلت زهيرة على شهادة البكالوريا بميزة مستحسن، بشعبة علوم الحياة والأرض. معدل خيب أملها في ولوج كلية الطب بالمغرب، لكن بفضل المواكبة المستمرة لجمعية ريم، استطاعت زهيرة الحصول على منحة لإكمال دراستها بفرنسا.
درست زهيرة عامها الأول في الأقسام التحضيرية لدراسة الطب، واجتازت في العام الثاني مباراة ولوج كلية الطب إلا أنها لم توفق فيها، بعد اختيار 20 في المائة فقط من المشاركين في المباراة، حسب ما رواه أخ زهيرة لـ" SNRTnews"، مبرزا أن هذه المعيقات لم تمنعها من الاستمرار والمثابرة لتدرس بعد ذلك علم الأحياء بجامعة "سوربون" الفرنسية.
ومازال بإمكان هذه الشابة العشرينية الآن، تحقيق حلمها بولوج كلية الطب، أو الاستمرار في دراسة علم الأحياء، ويقول أب زهيرة: "تطمح ابنتي أيضا في فتح مختبر بآسني وإنقاذ أرواح سكان المناطق الجبلية"، مردفا :" أنا فخور جدا بها وبمسارها، فقد أصبحت قدوة لجميع سكان الدوار، الذين يسمحون الآن لبناتهن بإتمام دراستهن بعدما كانوا يتخوفون من ذلك".
ووجهت زهيرة رسالة عن طريق جمعية "ريم" إلى الفتيات القرويات بالمغرب قائلة: "لا يوجد هناك شيء مستحيل، تستطعن الوصول إلى جميع أحلامكن، لكن في المقابل لابد أن تملكن إرادة قوية وتعملن عليها، وعليكن مساعدة بعضكن البعض، فالإنسانية شيء جميل، بل رائع".
كما نصحت جميع الفتيات بالمثابرة لبلوغ أهدافهن، بالقول: "افعلن ما بوسعكن لكي تصرن مثقفات وذوات دراية بكل شيء، لأننا نحن من يستطيع تغيير مجتمعنا ونحن أمل المغرب في مستقبل أفضل، وبإمكاننا أن نغير العالم."
وتشدد منسقة جمعية "ريم" على ضرورة الاستمرار في تشجيع الفتيات القرويات على التمدرس، مؤكدة أن العالم القروي يتوفر على طاقات عديدة يفخر بها المغرب، إلا أنها تضيع بين الجبال بسبب الانقطاع عن الدراسة، والزواج المبكر، داعية إلى الاقتداء بزهيرة وزينب ونورة وغيرهن من الشابات اللواتي تحدين الصعاب لتحقيق طموحهن وتشريف بلدهن.
مقالات ذات صلة
اقتصاد
مجتمع
اقتصاد