نمط الحياة
محمود الادريسي.. الصوت الرجالي الأثير
27/11/2020 - 12:25
مريم الجابريولد محمود الادريسي، في 8 نونبر 1948، بالعاصمة الرباط، واكتشف حبه وولعه بالأصوات، خلال اصطحابه لوالده إلى جامع "أهل فاس"، حيث كان يشده صوت المقرئ عبد الرحمن بنموسى بأسلوبه المغربي الخاص في تلاوة القرآن، وهو من أول الأصوات التي أثرت في مسيرته الفنية.
مسيرة حافلة بالعطاء
انطلقت المسيرة الفنية لمحمود الادريسي، منذ مرحلة دراسته الإعدادية بمدرسة "البطانة" بمدينة سلا، حيث كان محمود يشارك بامتياز في كل الأنشطة الفنية بما فيها الغناء، وشجعه جمال صوته وموهبته الفنية آنذاك على الالتحاق بالمعهد الوطني للموسيقى عام 1964، في اختصاص التمثيل المسرحي. وأعانته هذه التجربة كثيرا في مشواره.
وكانت أولى تجاربه الغنائية، سنة 1964، خلال إحدى حفلات المعهد التي أتيحت له، من خلالها، الفرصة في الغناء أمام الجمهور، وأدى حينها موشح "يا ليل طل" وبعض أغاني محمد عبد الوهاب، رفقة فرقة "الخمسة والخمسين" التي كان يترأسها آنذاك الطاهر الزمراني.
وبفضل أدائه الرائع، أمتع الإدريسي الحضور، حيث كان ضمنه الملحن عبد الله عصامي، الذي ساعده في التحاق بالإذاعة آنذاك، بعد نجاحه في الاختبار الصوتي مع الموسيقار أحمد البيضاوي. وتواصلت تجربة الراحل مع المجموعة الصوتية للفرقة الوطنية لـ11 عاما، ما بين 1965 و1976، غنى فيها خلف أشهر المطربين أمثال محمد فويتح وعبد الوهاب الدكالي.
وغنى الإدريسي أولى أغانيه بالدارجة المغربية سنة 1970، بعنوان "نبدا باسم الفتاح"، وتعامل فيها مع العديد من الملحنين، منهم: عبد القادر وهبي، حميد بن ابراهيم، ولعل أشهر الأغاني التي ساهمت في شهرته أكثر، كانت أغنية "يا بلادي عيشي" من ألحان الموسيقار محمد بن عبد السلام.
ولهذه الأغنية قصة طريفة، حيث أعجب حينها جلالة الملك الراحل الحسن الثاني بحسن أدائه وجمال صوته فأثنى عليه، غير أن الفنان وبحديثه مع جلالة الملك نسي يده في جيبه مرتكبا خطآ بروتوكوليا فادحا، خاصة وأن الحسن الثاني انتبه للحادثة وطلب ألا تعاد استضافة أناس لا تأبه بالبروتوكول.
وتعامل محمود الإدريسي مع جل الأسماء المغربية اللامعة في مجال الغناء والتلحين ومن مختلف الأجيال، واستطاع بذلك أن يكون لنفسه ريبرتوارا غنائيا زاخرا ومتنوعا بلغ مئات الأغاني.
شهادات فخر واعتزاز
في تصريح لتوفيق عمور، رئيس الاتحاد العام المغربي للنقابات الفنية، ونقيب النقابة المهنية المغربية لمبدعي الأغنية، لـ"SNRTnews"، نعى صديقه الراحل قائلا: "فعلا فقدت الساحة الفنية المغربية في مجال الموسيقى أحد أعلامها البارزين، الذين أعطوا للأغنية الشيء الكثير. إنه الفقيد الفنان قيد حياته المرحوم محمود الإدريسي المطرب والملحن الذي انطلقت مسيرته منذ سنة 1964".
وأكد أنه إذا كان محمود الإدريسي قد أمضى حوالي 11 سنة كفرد من أفراد المجموعة الصوتية للفرقة الوطنية التي التحق بها سنة 1965، فإن مروره هذا كان بالتأكيد سببا في صقل موهبته مع كبار المطربين والملحنين من بناة صرح الأغنية المغربية، وذلك قبل أن ينطلق في تجربته الخاصة في الغناء سنة 1969 بقطعة "يا ملكي يا بلادي"، التي لحنها له الفنان المرحوم عبد النبي الجيراري، والتي فتحت له مجال التعامل مع آخرين، حيث أغنى الريبرتوار الغنائي المغربي بالعديد من الروائع والخوالد التي تفخر بها الخزانة الموسيقية المغربية.
واسترسل في حديثه "كما استطاع رحمة الله عليه كتابة اسمه في السجل الذهبي للفنانين المغاربة الكبار الذين بصموا مسارهم، إن على المستوى الوطني أو على المستوى العربي، بتعامله مع عدد من الاسماء المغربية والعربية على السواء، خصوصا عندما أمضى فترة في مصر، تعامل فيها مع الملحن محمد الموجي في عدة أغان، قبل أن يعود إلى بلده ويقرر التلحين لنفسه".
وأضاف عمور "يعتبر المرحوم محمود الإدريسي أحد المطربين الذين ترددوا كثيرا على القصر الملكي في عهد المرحوم الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، حيث غنى وأطرب في حضرة جلالته الذي أثنى على صوته حينما غنى أغنية 'عيشي يا بلادي' التي لحنها له الفنان محمد بن عبد السلام".
"قد كان لي شخصيا كبير الشرف بأن لحن لي قصيدتين عاطفيتين 'فرحة الرجوع' وغناها المطرب محمد العنبري، و'فين غاب الخال' لحنها وغناها المرحوم، كما لحن لي أوبريتا غنائيا أول يحمل عنوان 'ملاحم أمة'، من تلحينه وشارك في غنائه مع المطربين فؤاد الزبادي وأمل عبد القادر، وأوبريتا ثانيا يحمل عنوان 'راجعين لأرض بلادي' لحنه له الفنان عبد الرحيم منتصر وأداه بشراكة مع محمد العنبري وأمل عبد القادر وسلمى العلوي. كما شرفني بمشاركته لي في الملحمة الوطنية الكبرى 'ربيع مملكة' سنة 2014"، هكذا عبر عمور عن علاقته بالمرحوم.
وأكد المؤلف والمنتج عمور على أن "الموت قد استطاع أن يخطف منا روح هذا الفنان الكبير، لكنه لا يستطيع أن يمحو من ذاكرة المغاربة السجل الذهبي لهذا الفنان الذي ستتوارثه الأجيال تباعا. ولا يسعنا سوى القول: إنا لله وإنا إليه راجعون".
وعبر مولاي أحمد العلوي، رئيس النقابة المغربية للمهن الموسيقية، لـ"SNRTnews"، عن حزنه على فقدان صديقه ونائبه في "كونفدرالية المنظمات الفنية"، قائلا: "كان أخا عزيزا ورفيقا، ودامت عشرتي به لخمسة عقود. كان كله صفاء، محبة. رجل لا يجود الزمان بمثله. وجميع الأوصاف النبيلة اجتمعت فيه. افتقدنا جبلا شامخا، في مجال العطاء، والخلق الجميل ".
وأضاف في حديثه عن المرحوم "كان محبا لوطنه ولفنه ولأصدقائه، ولأعماله، وكان رجلا وفيا لعائلته وأبنائه. وأنا عاشرته ولم أر منه إلا سمو الأخلاق. وبغض النظر عن مجال حقله الفني، كان رجلا مناضلا ساهم في الكثير من اللقاءات والندوات".
وبحسرة شديدة، يقول "افتقدته الساحة الفنية، وافتقدنا جبلا وقيمة فنية كبيرة، لن يعوض. ويبقى له طابع وأوصاف خاصة، تمثلت في تواضعه، وحبه للخير، ورحمة الله عليه، وإنا لله وإنا إليه راجعون. إن كنا قد افتقدناه جسدا سيبقى معنا في أغانيه ومواويله، حاضرا في ذاكرتنا".
ونعى الفنان نعمان لحلو، في حديث لـ"SNRTnews" الراحل قائلا: "رحم الله الموسيقار الكبير محمود الادريسي. كان من أكبر الموسيقيين المغاربة، وبالنسبة لي شخصيا كان الصوت الرجالي المفضل في الساحة الفنية".
وزاد أن الراحل "ظل لصيقا بقضايا وطنه، أعطى روائع في الأغنية المغربية، ولن ينساه الفن المغربي، تغمده الله بواسع رحمته، وإنا لله وإنا إليه راجعون".
مقالات ذات صلة
نمط الحياة
نمط الحياة