مجتمع
"موسى بن ميمون".. 70 سنة من التعايش بين المسلمين واليهود
16/01/2021 - 20:35
وئام فراجأخذت هذه الإعدادية الثانوية اسمها من العالم الأندلسي اليهودي موسى بن ميمون، الذي يعد من أهم الشخصيات اليهودية في المغرب والوطن العربي، وينتشر خريجوها حول العالم، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسرائيل وكندا، نظرا لعملها بشراكة مع وكالة التعليم الفرنسي بالخارج.
تاريخ من التعايش
تأسست الإعدادية الثانوية موسى بن ميمون، أو "ميمونيد"، سنة 1950، وهي تابعة لشبكة الاتحاد الإسرائيلي، التي تعرف حاليا باسم "الاتحاد"، في السنوات الأولى من تأسيسها لم يكن عدد التلاميذ المسلمين الذين يدرسون فيها، يتعدى 10 في المائة، إذ كانت تعرف إقبالا واسعا من طرف الأسر اليهودية القاطنة بمدينة الدار البيضاء، قبل أن تنقلب المعادلة في السنوات الأخيرة.
يحكي مدير الثانوية شيمون كوهن، لـ"SNRTnews"، عن فترة تعيينه بالمؤسسة سنة 2000، وعلاقته الوطيدة مع المغرب قائلا: "كنت أقطن وأعمل في مدينة باريس الفرنسية، وأشرف على تكوين الأساتذة بالمغرب، بلدي الأول، كما أقوم بمهمة التفتيش ثلاث مرات في السنة، وذلك منذ سنة 1983، قبل أن أتوصل في أحد أيام سنة 2000 باتصال من طرف المدير العام للاتحاد، ليطلب مني تولي إدارة ثانوية موسى بن ميمون".
كانت فكرة إدارة ثانوية تجمع بين التلاميذ اليهود والمسلمين بالمغرب غير واردة عند كوهن، ما جعله يتردد ويرفض، إلا أن إصرار مدير شبكة الاتحاد الإسرائيلي حينها كان سببا في إقناعه. يقول كوهن: "كنت في البداية مترددا، رغم أنني أحس بالراحة هنا في المغرب، لكن بعدما توليت المنصب تحمست كثيرا لإدارة المؤسسة، لأنني لم أحس يوما فيها بالغربة، وشكلت استمرارية لنظرتي للحياة التي تؤكد على قيم التعايش بين الديانات".
لم يتوقع كوهن أن يستمر في إدارة الثانوية لأكثر من سنة، إلا أنه غيّر رأيه للمرة الثانية، بعد سنوات من العمل المستمر للحفاظ على سمعة المؤسسة ورسالتها، وكانت حينها نسبة التلاميذ اليهود تفوق 85 في المائة، فيما لم تكن تتعدى نسبة التلاميذ المسلمين 15 في المائة، ما جعل إحساس الغربة منعدما لدى كوهن، حسب تعبيره.
ومع مرور السنوات، يردف مدير المؤسسة، بدأ عدد التلاميذ اليهود يقل شيئا فشيئا، مقابل زيادة إقبال الأسر المسلمة على المؤسسة، إلى أن تعادلت النسبة، بين 50 في المائة من التلاميذ اليهود و50 في المائة من المسلمين، "حينها كان على المؤسسة إعادة النظر في طريقة التسيير وأنشطتها، لضمان التوازن والاستقرار والتعايش بين المجتمعين"، يقول المتحدث ذاته.
الحفاظ على التقاليد اليهودية
تعتمد مؤسسة ثانوية بن ميمون على نظام تعليمي فرنسي، فهي مرتبطة بشكل مباشر بجامعة بوردو، كما تستقبل باستمرار مفتشين يحققون في احترام المعايير المنصوص عليها، بحسب كوهن، وبالإضافة إلى ذلك، يضيف المتحدث ذاته، تدرس الثانوية اللغة العبرية وبعض العادات والتقاليد المرتبطة بالمجتمع اليهودي، كما تعتمد على التقويمين اليهودي والميلادي معا، في العطل السنوية والمناسبات.
يدرس الآن بثانوية موسى ين ميمون حوالي 375 تلميذة وتلميذ، 85 في المائة منهم مسلمون، و15 في المائة يهود، وتخصص الثانوية أيضا حصصا لتعلم اللغة العربية، فيما تبقى حرية اختيار اللغة للتلاميذ.
وفي هذا الإطار، يقول مدير المؤسسة إنه من الطبيعي اختيار التلاميذ اليهود للغة العبرية، إلا أن ما كان يدهشنا هو اختيارهم في بعض المستويات المتقدمة دراسة اللغة العربية، والعكس صحيح بالنسبة للتلاميذ المسلمين، مضيفا أن العديد من التلاميذ المسلمين تعلموا العبرية داخل المدرسة وأكملوا دراستهم الجامعية في إسرائيل.
الاهتمام بالتقاليد والعادات اليهودية والمسلمة، مميزات أخرى، يفتخر بها مدير المؤسسة، مبرزا أن التلاميذ يجيدون التقويم اليهودي، ويستفيدون بدورهم من عطل رأس السنة اليهودية أو ما يسمى بـ"روس هاشانا"، وعيد الغفران، الذي يعتبر أقدس وأهم الأعياد لدى اليهود ويعرف بـ"يوم كيبور"، بالإضافة إلى عيد المظال "سوكوت".
ويشارك التلاميذ المسلمون أيضا في الحفلات والمناسبات التقليدية لليهود التي تحييها المؤسسة، كما يستفيد التلاميذ اليهود من عطل المسلمين ويتعلمون تقاليدهم، لترسيخ قيم التعايش بين الطرفين.
تكريس هذه القيم الإنسانية ساهم في نسج علاقات شخصية بين تلاميذ المؤسسة امتدت إلى الوسط الأسري، يقول كوهن: "لم نسمع يوما بكلام سيء داخل المدرسة أو شجارات بين التلاميذ قائمة على أساس ديني، بل يدرس التلاميذ وسط جو عائلي، ورأينا صداقات رائعة تجمع الأسر اليهودية والمسلمة".
ما تكرسه ثانوية موسى بن ميمون يرسخ، وفق مدير المؤسسة، لقرون من التعايش عاشها المسلمون واليهود جنبا إلى جنب بالمغرب، مبرزا أن هذا المكون العبري كان ومازال قائما، رغم تراجع عدد اليهود القاطنين بالمملكة.
الحق في الاختلاف
بالنسبة لشيمون كوهن، مهمته الأساسية داخل مؤسسة موسى بن ميمون هي ترسيخ القيم والفضائل المستمدة من التقاليد اليهودية والإسلامية، مشيرا إلى وجود العديد من القواسم المشتركة التي يجب التركيز عليها بذل خطاب الكراهية والعنف؛ على رأسها الحفاظ على الكرم وحسن الضيافة وتقبل الآخر.
وأكد كوهن أن رسالة المؤسسة تكمن في الحفاظ على هذه القيم والفضائل، واستمرار الدفء البشري بين المجتمعات، مبرزا أن المدرسة تحمل شعار "الحق في الاختلاف" للمساهمة في نجاح العملية التعليمية.
ويفتخر المتحدث ذاته بالنجاح الذي تحققه المؤسسة، مشيرا إلى أن صيتها ذاع ليصل إلى العالمية؛ إذ تستقبل الثانوية زيارات من أكاديميين ومفتشين من إسرائيل وأمريكا وأوروبا، كما سبق أن استقبلت وفدا من النواب البرلمانيين العرب، وكان من بينهم برلماني فلسطيني، أعجب بالتعايش الموجود داخل المؤسسة، وفق كوهن.
الاعتزاز بالقيم السائدة داخل هذه المؤسسة يتقاسمه الأساتذة والتلاميذ مع مديرهم، إذ يؤكدون أن هذا الجو العائلي السائد يؤثر بشكل إيجابي على العملية التعليمية، كما ينمي شخصية التلاميذ، ويحفزهم على تقبل الآخر، كيفما كان شكله أو لونه أو جنسه أو دينه.
وفي ختام حديثه، دعا ابن مدينة تارودانت شيمون كوهن تلاميذ المؤسسة إلى الحفاظ على العلاقة الأخوية التي تجمعهم، خاصة أنه على مشارف مغادرة الثانوية بعد قرب انتهاء مشواره التربوي والعملي، مشيرا إلى أنه سيترك المؤسسة وبداخله ذكريات من المحبة التي تسود بين المسلمين واليهود المغاربة.
مؤسسة موسى بن ميمون تشكل نموذجا لغنى وتنوع المكونات الثقافية للهوية المغربية، والتي تشمل الرافد العبري، فالمغرب حافظ على خصوصية المكون اليهودي منذ القدم، كما عمل دستور سنة 2011 على "دسترة" هذا الرافد، وصون حقوق الطائفة اليهودية بالمغرب، ما يجعل هذا التعايش والتآخي بين تلاميذ المؤسسة ليس غريبا على المملكة المغربية.
موسى بن ميمون.. فيلسوف وطبيب يهودي
الحديث عن مؤسسة موسى بن ميمون، يتطلب التعرف على هذه الشخصية اليهودية التي بصمت التاريخ العربي والأوروبي.
ابن ميمون، طبيب وفيلسوف ولاهوتي يهودي، ولد يوم 30 مارس 1135، بمدينة قرطبة بالأندلس. انتقلت أسرته عام 1159 إلى مدينة فاس، حيث درس في جامعة القرويين، وتشبع فيها بالعلوم الإسلامية والفلسفية، كما يعرف بأنه كان من أطباء البلاط السلطاني في مصر.
مكث ابن ميمون في مصر لفترة طويلة، مارس خلالها مهنة الطب، وأصبح الطبيب الشخصي لصلاح الدين الأيوبي، وبعدما انتخب رئيسا لمجلس الحاخامات للطائفة اليهودية بمصر، حمل موسى بن ميمون على عاتقه حل جميع المسائل الدينية، وأوكلت إليه مهمة الاجتهاد والإصلاح على مستوى الشريعة اليهودية، إلى أن وافته المنية في 13 دجنبر 1204 في القاهرة.
مقالات ذات صلة
مجتمع
إفريقيا
مجتمع