سياسة
عيد العرش .. من الإنصاف والمصالحة إلى تكريس دولة القانون والحريات
29/07/2024 - 10:09
SNRTnewsمرّت عشرون سنة على إعلان جلالة الملك محمد السادس عن تنصيب هيئة للإنصاف والمصالحة، وهي تجربة مغربية فريدة من حيث سياقها ومقارباتها وفي النتائج التي حققتها، لأنها انطلقت من استخلاص العبر والإنصاف والعدالة وجبر الأضرار وإعادة الإدماج إلى التأسيس لمجتمع حداثي منخرط في الإصلاحات التي يقودها جلالته.
"تجسيدا لإرادتنا الملكية الراسخة في تحقيق المزيد من المكاسب للنهوض بحقوق الانسان ثقافة وممارسة ها نحن اليوم بتنصيب لجنة الإنصاف والمصالحة، نضع اللبنة الأخيرة للطي النهائي لملف شائك، ضمن مسار انطلق منذ بداية التسعينات، والذي شكل ترسيخه أول ما اتخذناه من قرارات غداة اعتلائنا العرش"، بهذا الخطاب الملكي السامي، المؤرخ في 7 يناير 2004، أعلن جلالة الملك محمد السادس عن انطلاق هيئة الإنصاف والمصالحة.
كيف بدأ المسار؟
في أكتوبر 2003 اقترح المجلس الوطني الاستشاري لحقوق الإنسان على جلالة الملك تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، وفي يناير 2004 تم تأسيسها.
ترأس الهيئة المناضل الراحل إدريس بنزكري وستة عشر عضوا، نصفهم من أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والنصف الآخر من خارجه. وعند تنصيب رئيسها وأعضائها من طرف جلالة الملك بتاريخ 07 يناير 2004، ألقى خطابا ساميا بالمناسبة منح الهيئة بعدا تاريخيا.
خلال أدائها مهمتها، أجرت الهيئة اجتماعات وأنشطة لإعداد مقاربتها وسياستها في موضوع جبر الأضرار، وكان العمل منفتحا على إشراك الرأي العام، حيث انطلقت جلسات استماع علنية وعفوية.
وبعد انتهاء انتداب هيئة الإنصاف والمصالحة (30 نونبر 2005) رفع بنزكري إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس التقرير الختامي الذي جمع عملا امتد 23 شهرا من التحريات والتحقيقات الميداني لرصد الحقائق عن مغرب ما بين 1956 إلى 1999 وكيف يمكن رد الاعتبار والإنصاف وتحقيق المصالحة المنشودة. وقد أصدر جلالته توجيهاته السامية بنشره وإطلاع الرأي العام عليه.
نحو توجه جديد
بعد إصدار التقرير الختامي للهيئة، خاطب جلالته أمته سنة 2006 معلنا عن مسار آخر بعد العمل الذي قامت به الهيئة، حيث جاء فيه: "أصدرنا قرارنا بنشر كل من التقرير الختامي، لهيئة الإنصاف والمصالحة، والدراسة حول حصيلة وآفاق التنمية البشرية ببلادنا، وتمكين الرأي العام من الاطلاع عليهما. وعلى هذا الأساس، يتعين علينا جميعا، علاوة على حفظ هذه الحقبة في ذاكرة الأمة، باعتبارها جزءا من تاريخها، استخلاص الدروس اللازمة منها. وذلك بما يوفر الضمانات الكفيلة بتحصين بلادنا من تكرار ما جرى، واستدراك ما فات".
وأضاف جلالته في خطابه "بيد أن الأهم، هو التوجه المستقبلي البناء. ذلكم التوجه الإيجابي الذي يقوم على تعبئة كل طاقاتنا للارتقاء بشعبنا، والانكباب على قضاياه الملحة. فما أكثر ما ينتظرنا إنجازه. لاسيما وقد عملنا على أن يأخذ قطار التنمية البشرية سرعته القصوى. غايتنا المثلى ترسيخ دعائم المجتمع التضامني، الذي يكفل الكرامة والمواطنة المسؤولة لكافة أبنائه، في تلازم بين ممارسة الحقوق وأداء الواجبات. وبدون ذلك، لن نكون متجاوبين مع شبابنا، ولا مواكبين لتطور العصر".
وبعدما أشاد جلالته، في خطاب يناير 2006، بجهود هيئة الإنصاف والمصالحة، كلّف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بتفعيل توصياتها، ودعا جلالته "السلطات العمومية، إلى مواصلة التعاون المثمر مع المجلس، لتجسيد حرصنا الراسخ على تعزيز الحقيقة والإنصاف والمصالحة".
ويؤكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن إحداث الهيئة يشكل تجسيدا لقرار جعل من المغرب أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقرر اتخاذ خطوة من هذا النوع، وهي أول لجنة للحقيقة في العالم توكل إليها صلاحيات منح تعويضات مباشرة.
في خطاب يوليوز 2011 تم الإعلان عن دسترة توصيات الهيئة وإصداق ميثاق وطني سامي للحقوق والحريات.
وفي نونبر 2014 أعلن صاحب الجلالة إيداع المغرب وثائق المصادقة عن البرتوكول الاتفاقي لاتفاقية مناهضة التعذيب.
وفي شتنبر 2019 تم تنصيب الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب التي أحدثت خلال الدورة الأولى للجمعية العامة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان. وقد أعلن المجلس الوطني لحقوق الإنسان مباشرته، ابتداء من 20 نونبر2021 تسليم مقررات تحكيمية طبقا لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة لفائدة مجموعات من الضحايا أو ذوي حقوق بمبلغ إجمالي قدره 16.392.400 درهم.
وكمرحلة جديدة في مسار الإنصاف والمصالحة، انطلق ما بين صيف 2016 ومارس 2023 تسليم آخر المقرات التحكيمية لكل من صدرت في صالحهم توصيات من هيئة الإنصاف والمصالحة.
مسار متواصل
في تقريره الأخير لسنة 2023، يشير المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى أنه تم تنفيذ مقررات التعويض والإدماج الاجتماعي بين الفترة الممتدة بين 2019 و2022، لفائدة 1092 مستفيدا، وخلال سنة 2023 توصل المجلس من رئاسة الحكومة بالاعتمادات المالية المخصصة لفائدة 104 مستفيدين.
وأبرز المجلس في تقريره أن لجنة متابعة تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة أنهت إصدار مقرراتها التحكيمية وتحديد الكلفة المالية الإجمالية للتعويض والبالغة 116.920.000,00 درهم، مع مواصلة تفعيل اتفاقية التغطية الصحية لفائدة الضحايا وذوي الحقوق، إذ كشف أن العدد الإجمالي للمستفيدين من الضحايا وذوي الحقوق من بطائق التغطية الصحية منذ 5 يوليوز 2007، وصل إلى 9097 بطاقة بمبلغ إجمالي قدره حوالي 217.983.722,00 درهما.
كما تمت تغطية مصاريف تدخلات طبية والإدماج الاجتماعي وتسوية ملفات المتقاعدين ومعاشاتهم وتسوية الوضعيات المادية والإدارية، إذ يؤكد المجلس في تقريره الأخير أن 1370 شخصا استفادوا من صيغ مختلفة للإدماج الاجتماعي بناء على التوصيات الصادرة بالمقررات التحكيمية لفائدتهم منذ إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، بكلفة إجمالية بلغت حوالي 454.760.000,00 درهم.
وهو ما يؤكد على أن الهيئة سلكت مسارا بدأ بالإنصاف وتحقيق المصالحة إلى تحقيق عدالة حقوقية وقانونية وتنمية اجتماعية، وقد أشادت مؤخرا الأمم المتحدة بالجهود التي يبذلها المغرب من أجل توطيد دعائم الدولة الاجتماعية تجسيدا لرؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
مقالات ذات صلة
اقتصاد
سياسة
سياسة
سياسة