مجتمع
ساعي البريد.. مهنة تتكيف مع تطورات العصر
02/01/2025 - 12:03
حليمة عامر | حمزة باموتتشابه يوميات عبد الوهاب مشهور منذ أكثر من ثلاثين سنة قضاها حاملا لقبعة ساعي بريد بالرباط. تبدأ رحلته اليومية بجمع نصيبه من الرسائل وترتيبها بعناية في جرابه المميز، قبل أن ينطلق في جولته المعتادة بين أزقة وشوارع العاصمة التي يعرفها كما يعرف كف يده. فما الذي تغير في هذه المهنة بعد ثلاثين سنة من الممارسة؟
"بدأت مزاولة هذه المهنة منذ نحو ثلاثين عاما، وقد شهدت خلالها تغييرات كبيرة في أساليب التوزيع وطرق العمل"، يقول مشهور، الذي يعمل بمركز بريد المغرب للتوزيع والمعالجة في حي النهضة بالرباط، متحدثا عن تجربته الطويلة.

بحسب مشهور، انتقلت مهام ساعي البريد من إيصال الرسائل والبطاقات البريدية الشخصية إلى التركيز على الرسائل ذات الطابع المهني، في محاولة لمواكبة التحولات المجتمعية.
ذكريات حية.. من الرقاص إلى ساعي البريد
كان "الرقاص" في الماضي، ومنذ عهد الموحدين، يعد صلة الوصل الوحيدة بين المغاربة، حيث كان يحمل رسائل مكتوبة بخط اليد، تنقل الأخبار بين الأهل والأحباب.

وعادة ما كان يتميز "الرقاص" بالقوة والنحافة، ويقطع مسافة 280 كيلومترا التي تفصل بين طنجة وفاس مشيا على الأقدام خلال ثلاثة أيام، مستعينا بعكاز طويل يساعده في عبور الأودية. لذلك، كانت هذه المهنة تتطلب جهدا بدنيا كبيرا وقدرة على تحمل صعوبات الطقس والطبيعة.
ومع مرور الزمن، شهدت هذه المهنة تطورا تدريجيا، حيث أصبحت تعرف بمهنة ساعي البريد بعد مرحلة الاستقلال، قبل أن تتطور أكثر في العهد الحالي.

تكيف مع العصر
ورغم تطور الزمن، تأبى هذه المهنة أن تنطفئ شعلة وجودها، فقد وجدت طريقها إلى المستقبل عبر التطوير والتجديد. اليوم، لا يحمل ساعي البريد الرسائل فحسب، بل يسلم الطرود القادمة من متاجر إلكترونية عالمية، وينجز معاملات الدفع والتحصيل، وأحيانا يحمل حاجات ضرورية إلى أبواب المنازل.
ولم تقتصر هذه التغيرات على المهام فقط، بل شملت أيضا أدوات العمل. وأصبح ساعي البريد مزودا بوسائل نقل متطورة، مما يسهل تنقلاته داخل المدن.
ويشرح مشهور أن هذه المهنة شهدت تطورات كبيرة من حيث وسائل العمل، حيث بات ساعي البريد يستعمل السيارة الكهربائية، ما ساهم في تسهيل عمله.
ويشاطره في هذا الرأي، عبد الكريم شاب، البالغ من العمر 37 عاما، ويعمل كموزع ببريد المغرب في مركز المعالجة والتوزيع بحي النهضة بالرباط، حيث يقول إنه من أبرز التحولات التي شهدتها المهنة اعتماد أسطول جديد من المركبات الكهربائية، بما في ذلك السيارات والدراجات.

واستخدمت مؤسسة "بريد المغرب" السيارات الكهربائية لأول مرة في يونيو 2022، في 42 مدينة بمختلف جهات المملكة، حيث تم توزيعها بناء على معيار حجم توزيع البريد والطرود في كل مدينة.
وخلال سنة 2024، أطلقت المؤسسة أول دفعة تضم 190 دراجة كهربائية مخصصة لتوزيع البريد والطرود في سبع مدن كبرى بالمملكة هي الرباط، الدار البيضاء، طنجة، مراكش، فاس، أكادير، والعيون. وستضاف دفعة ثانية تضم 250 دراجة بحلول نهاية دجنبر الجاري، مع التخطيط لرفع العدد الإجمالي إلى أكثر من 650 دراجة كهربائية بحلول عام 2025 لتغطية كافة أنحاء البلاد.

ويعتبر شاب أن "هذه الوسائل لاقت استحسانا كبيرا لدى الموزعين والزبناء على حد سواء؛ إذ ساهمت في تحسين الإنتاجية ورفع المردودية".
ويضيف عبد الكريم شاب أن هذه الخطوة لا تخدم الجانب المهني فحسب، بل تسهم أيضا في تحقيق أهداف مستدامة، مثل الحد من انبعاثات الغازات السامة.

مهنة اجتماعية بامتياز
وسط هذا التحول، تبقى صورة ساعي البريد محفورة في ذاكرة المغاربة؛ ذلك الرجل الذي يحمل حقيبته وينادي بأسماء سكان الحي، أو يقف على أبواب المنازل لتسليم رسالة طال انتظارها.
ويشدد عبد الوهاب مشهور أنه "لا تزال هناك فئة من المغاربة ترسل بطاقات بريدية مكتوبة باليد تحمل طابعا شخصيا، خاصة خلال مناسبات مثل نهاية السنة لتهنئة ذويهم بهذه المناسبات".

وفي هذا السياق، يقول عبد الكريم، والذي التحق بالمؤسسة قبل سبع سنوات: "اكتشفت أن الموزع يؤدي مهام نبيلة داخل المجتمع، حيث تربطه بزبنائه علاقة شبه أسرية تجعله جزءا من حياتهم اليومية".
ويشير عبد الكريم شاب إلى أن جزءا كبيرا من الرسائل التي يوصلها لا يزال يأتي من مختلف الجهات، لكنه يوضح أن هناك مهام جديدة، مثل توصيل الطرود الخاصة بالتجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى البرقيات وإشعارات مخالفات السير.

ويضيف: "خلال جولاتي اليومية، أصبحت وجها مألوفا لدى السكان. تربطني بهم علاقات إنسانية جميلة، حيث أشاركهم أفراحهم، سواء عند حصولهم على وظيفة جديدة أو تلقيهم رسائل تمنحهم فرصة للهجرة، وغالبا ما أتلقى منهم دعوات بالخير".
ويعتبر المغاربة ساعي البريد جزءا من مشهد حياتهم اليومية، إذ تواصل هذه المهنة الحفاظ على مكانتها متحدية الزمن ومتغيراته.

مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
مجتمع
مجتمع