رياضة
بير جيكو .. مقسّم هواء البيضاء بين الوداد والرجاء
16/06/2022 - 09:13
يونس الخراشييعتقد كثيرون، عن خطأ، أن "الأب جيكو"، الذي شارك في تأسيس الوداد الرياضي لكرة القدم سنة 1939، شارك أيضا في تأسيس الرجاء الرياضي سنة 1949. مع أن الرجل ظل يقود فريقه الأول حتى نهاية الحماية سنة 1956، ليشرع في تدريب فريقه الثاني، الذي هو الرجاء، في الموسم الأول للاستقلال.
ولأن سيرة الرجل مليئة بالحكايات المثيرة، من بدايتها وحتى بعد وفاته، فقد تحولت، بمرور الوقت، إلى ما يشبه الأسطورات. وجعلت منها الحكايات المشاعة، التي أضافتها الألسن، والأهواء، إلى شيء قابل للتصديق، وغير قابل، في أغلب الأحيان، للنقاش، فأحرى أن يكون مقبولا للطعن. فحين يقال لك مثلا إن "الأب جيكو" مات وحيدا في غرفة بسطح بيت ما، عليك أن تسمع دون أن تعقب. وهكذا.
حتى عندما يتعلق الأمر بيوم ميلاد "الأب جيكو"، يقول كثيرون إنه غير ثابت. أما السنة، فيشاع أنها 1900. ويقول البعض إن سي محمد بلحسن العفاني ولد بتونس، لأب مغربي، من بادية إيسافن بالموجودة بتراب عمالة تارودانت. ويقول آخرون إنه ولد هنا في المغرب، ونقل إلى تونس، ثم أعيد ليواصل دراسته في الدار البيضاء، ومنها سينطلق أشهر من نار على علم.
وأيا كان الحال، فهناك اتفاق على أن "الأب جيكو"، الذي لم يكن يروق له أن ينادى عليه بهذا الاسم، غير المتفق على مصدره هو أيضا، إذ تتعدد الروايات بخصوصه، سيصبح أبا مؤسسا للوداد إلى جانب الرئيس الراحل محمد بنجلون التويمي، باعتباره كاتبا عاما. كما أنه سيصبح الأب المؤسس لـ"أسلوب" الرجاء؛ "دقة دقة"، المستوحى من المدارس الكروية لأمريكا اللاتينية، باعتباره مدربا مساعدا، ثم مدربا رئيسيا.
تؤكد الصورة والحكاية أن الأب جيكو كان لاعبا لكرة القدم. غير أن شهرته سترتبط بالتدريب أكثر من غيره. ذلك أنه قاد الوداد الرياضي من البداية، وفاز معه بكل الألقاب الممكنة قبل الاستقلال. وجعل منه فريقا مهابا، بحيث صار بعبعا لكل الفرق الأخرى، سواء في المغرب أو في شمال إفريقيا، حيث العصب الفرنسية؛ عصبة وهران وعصبة الجزائر وعصبة تونس.
أما وهو ينتقل إلى الرجاء الرياضي، مدربا مساعدا لتلميذه عبدالقادر جلال، الشهير بعبدالقادر "العزبة"، ثم مدربا، فقد أكد خوارقه في التدريب، وهو يصنع للفريق الأخضر أسلوبا خاصا به. يتمثل في اللمسة الواحدة، والبحث عن الفرجة. ولو أن صفحات من تاريخ هذا الفريق؛ كتاب "ملحة الرجاء" مثلا، تؤكد بأن "الأب جيكو" سعى جهده لكي يفوز بالألقاب، دون أن يفلح في ذلك.
ما الذي جعل سي محمد بلحسن العفاني يضع مساره الوظيفي، في البنك، على الهامش، ويخلص لكرة القدم؟ وما الذي جعله يغادر الوداد، أو ينتقل منه، أو يتركه، أو يعفى منه، ويواصل حكاية عشقه لكرة القدم مع الرجاء؟ وما الذي جعله ينهي مساره التدريبي فجأة، دون أن يقود فرقا أخرى بالمغرب؟ وما الذي جعله يتحول من مدرب لفريقين لكرة القدم إلى أسطورة؟
مع الأسف. ففي الحياة المديدة لـ"الأب جيكو"، حتى بعد وفاته، أسئلة كثيرة جدا، تتناسل من بعضها. أما الأجوبة، فهي قليلة. وفي أغلب الأحيان ليست موجودة، والبحث عنها لا طائل منه. وعلى سبيل المثال، فإن تركيز الرجل على التدريب عوض تركيزه على مساره الوظيفي، الذي كان ممكنا أن يقوده إلى أعلى الرتب عقب الاستقلال، يفسر بحبه الجنوني لكرة القدم. وهذا ليس تفسيرا معقولا. كما أن مغادرته للوداد، أو إجباره على المغادرة، يفسر بكونه لم يعد مرغوبا فيه من قبل اللاعبين القدامى، إذ كان محبا للشباب. وهذا أيضا ليس كافيا شافيا. وتوقفه عن التدريب، لا تفسير له. أما تحوله إلى أسطورة، فلأنه ارتبط بفريقين كبيرين، بجماهير عريضة، جعلت منه موضوع مزايدات في ما بينها، في غياب الوثيقة، وغياب الرغبة في النفي أو الإثبات.
لنلخص دون أن نمحص. فـ"الأب جيكو"، وهو اسم الشهرة، سماه به صحافي فرنسي شبهه بلاعب آخر. واسمه الكامل محمد بلحسن العفاني التونسي، من مواليد تونس، سنة 1900، لأب تاجر متحدر من منطقة إيسفان بتارودانت. درس في المدرسة اليهودية بالدار البيضاء، وتعلم ست لغات. من الأوائل الذين حصلوا على الباكالوريا، ليتجه إلى فرنسا حيث سيحرز الليسانس في الاقتصاد. ثم يشتغل في البنك، بالبيضاء. ويتجه إلى تأسيس الوداد مع بنجلون، فيفوز معه بكل الألقاب الوطنية والجهوية. ثم ينطلق نحو الرجاء، ليصنع له أسلوبا فريدا. ويعتزل كرة القدم، إلى أن يوافيه الأجل المحتوم يوم 30 غشت 1970. ويبقى منه شيء واحد، اسم ملعب الأب جيكو، حيث يتدرب ويلعب نادي الراسينغ البيضاوي (الراك).
ومع ذلك، فالتاريخ، الذي يوجد في صدور الكثيرين ممن عاشوا المرحلة، أو عاشوا بعضا منها، يشير إلى أن الرجل وشح من قبل الملك الراحل محمد الخامس، لقاء ما أسداه من خدمات كبيرة للرياضة المغربية المناضلة، ولاسيما كرة القدم. كما أنه اشتغل، في مرحلة بداية الاستقلال، إلى جانب محمد بنجلون في تهيئة الأسس لبناء رياضة مغربية جديدة. وبقي وفيا للكتاب الذي لم يكن يفارقه مهما يكن. وللعبة "الضامة" أيضا. ولم يمت وحيدا، بل مات وسط قلوب تحبه.
وهناك أيضا حكاية تؤثر عنه. تستحق أن تروى اليوم. فقد كان الوداد يستعد لمواجهة سيدي بلعباس بالجزائر، على عهد الاستعمار. وبينما المباراة على وشك أن تنطلق، إذا بسي محمد بلحسن العفاني ينادي على العميد، قاسم القاسمي، ليوشوش له في أذنه:"قل للحكم لن نلعب حتى ترفع الراية المغربية إلى جانب الرايات الأخرى في الملعب". وسترفع الراية المغربية بالفعل.
هكذا هم الكبار.
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة
رياضة