رياضة
وليد الركراكي .. فارس بني سير سير
30/06/2022 - 09:14
يونس الخراشيقبل سنوات، قال المرحوم عبدالخالق اللوزاني، متبرما وحزينا، إن الجماهير هي التي تسير الفرق في مدينة الدار البيضاء. وهذا ليس أمرا معقولا ولا مقبولا. ثم انسحب من الوداد، وبقي صدى كلماته يتردد على مر الأيام. إلى أن جاء شاب، اسمه وليد الركراكي، يبلغ 46 سنة فقط، بطلب من تلك الجماهير تحديدا، ليصبح فارسها الأول، ومعشوقها الأكبر.
البدء من فرنسا
بدأ وليد الركراكي مسيرته الكروية من فرنسا، قبل أن ينتقل للعب في إسبانيا، ويعود إلى فرنسا. فكان لاعبا مغمورا، فتح له المنتخب الوطني أبواب المجد. ذلك أنه وهو يلتحق بالأسود، في نسخة الزاكي بادو، ويلعب نهائيات كأس إفريقيا للأمم بتونس، سنة 2004، سيبرز بقوة لاعبا جديا، وبأداء لا يخذل، وبقتالية عجيبة، وحس هجومي واضح، ساهم في نيل المنتخب لوصافة البطولة القارية.
ولكن نجم وليد الركراكي سيبرز مدربا أكثر منه لاعبا. فما أن صار هذا الشاب قائدا لكتيبة الفتح الرياضي، حتى عرفه الجمهور الكروي المغربي بتصريحاته المثيرة. وهكذا، صارت تلك التصريحات عز الطلب، عقب كل مباراة للفتح. بدارجته التي يضغط على حروفها، فتخرج وكأنها لرجل آلي. وكلماته التي لا يفتعلها، أو ينتقيها، بل يتركها تنزل، وكفى. وصراحته التي تنتج نكتا تقتل من الضحك. لقد تحول الركراكي، من تلك الأثناء، إلى نجم "كوميدي" حقيقي.
غير أن ذلك النجم، الذي برز بـ"كوميديا التصريحات المثيرة"، سيثبت أنه نجم في التدريب أيضا. ذلك أنه سينجح في قيادة الفتح الرياضي إلى الفوز بكاس العرش، والوصول إلى نصف نهائي كأس كاف، ثم النهائي، والفوز بلقب البطولة. أكثر من ذلك، ستروج عنه حكايات كثيرة في الكواليس، تشير إلى أن له أسلوبا خاصا به في التعاطي مع اللاعبين، يحولهم إلى طاقة متجددة، قابلة للاشتعال في كل ملعب، بقدرته الهائلة على شحذ الهمم، وتوضيح الأهداف، وضبط الخطط، والتغيير اللازم في الوقت المناسب.
وكأي طائر يعشق الرحيل، ويبحث باستمرار عن سماء أخرى حيث يمكنه العثور على شيء جديد، فقد وجه الركراكي بوصلته هذه المرة نحو الخليج. ذلك أنه سيدخل في تجربة تدريبية مع الدحيل القطري، ليفوز معه بلقب الدوري. غير أن التجربة ستكون قصيرة للغاية، ذلك أن وليد سيتلقى مقترحا بقيادة الوداد الرياضي. ولن يتردد في قبول دعوة سعيد الناصيري، رئيس الفريق الأحمر.
أمنية "دونور"
في مرة، قال وليد الكراكي، وهو ينهي واحدة من مباريات الفتح الرياضي، كم يتمنى أن يعيش لحظة على وقع هتاف جماهير ملعب "دونور"، بالدار البيضاء، وهي تردد عبارتها الأثيرة، كلما تعلق الأمر بهجوم جديد "سير.. سير". وكان باب السماء مفتوحا. فغلبت "نية وليد"، ليتحقق حلمه بسرعة، وقد بدأت جماهير الوداد ترددها افتراضيا، على مواقع "السوشل ميديا"، كي تحمسه، قبل أن تطلقها مدوية في ملعب مركب محمد الخامس، "دونور".
هل جاء وليد بسحر ما إلى الوداد؟ هل أتى وفي حقيبته عصى سحرية؟ أم تراه غير كثيرا في تشكيلة الفريق؟ وكيف حول كل شيء تقريبا في زمن قياسي؟ وأي شيء فعله كي يحبه الجمهور؟ ومتى ربح الرهان بالفعل؟ هل من البداية، أم بعد ذلك بكثير؟ وإلى أي حد يمكنه أن يمضي مع الوداد؟
الواضح، بلا أدنى لبس، أن تجربة اللاعب الدولية ساعدت وليد، وبسرعة كبيرة، في فهم اللاعبين، وما يريدون، وأي شيء يمنعهم من العطاء السخي. وخبراته؛ ولا سيما خيباته مع الفرق والمنتخب، سهلت عليه القفز فوق المطبات والعراقيل. وحبه الشديد لتحقيق الذات، وإثبات كفاءته، والنجاح في المهمة، سرع وتيرة وصوله إلى ما يريد. أما رغبته الانفجارية في إنتاج كرة هجومية جذابة، فقد يسرت وصوله إلى قلوب الجماهير التي تريد الفوز، ولا شيء غير الفوز.
شاع فيديو لوليد، أخيرا، وهو يقول لصحافي قناة الرياضية: "النية هي كل شيء. بغيت نسلم على الوالدة. تهلاو في الوالدين. وديرو الخير، وربي غيعطيكم الخير". فبينما كان كثيرون ينتظرون أن يتحدث الركراكي عن سر نجاحه، ويأتي على الدبلومات التي حصل عليها، والمدارس التي مر منها، والمدربين الذين تتلمذ عليهم، إذا به يتكلم عن سر من نوع خاص؛ سر روحاني، أكبر من أن يدرس في الكتب والمدارس، وأعظم من أن يقال بكلمات، أو يشرح بـ"الخشيبات"، أو بالخطط والتكتيكات. ليس كل شيء يمكن قوله أو تفسيره.
لاعبو الوداد، وهم يفرحون باللقب القاري، ثم بلقب البطولة الصعب والشاق والمثير للغاية، قالوا أشياء كثيرة عن الركراكي. كلها تؤكد بأنه ليس مجرد مدرب، أو "كوتش"، أو صاحب فلسفة في التدريب، أو مدرب ماهر في التخطيط، ولا سيما في التغيير. وهي كلها صفات يتوفر عليها هذا الشاب. بل هو قائد حقيقي. وهنا الفارق. فليس كل مدرب يملك القدرة على القيادة. وهذه تقتضي صفات نادرة جدا، لعل أبرزها القدرة على التغلغل إلى قلوب الآخرين وعقولهم، لتحويلهم إلى طاقات انفجارية، تحقق الطموحات، وتبلغ الأهداف، وتسعد الناس، وتثبت أن كل شيء ممكن، فقط بالنية، كما يقول وليد بنفسه.
قوة جماعية هائلة
فقد تمكن وليد، وهذا واحد من أسرار نجاحه، في انتزاع محبة لاعبيه، ومحيطه معا. وأمكنه، في وقت وجيز، أن يسخر قدرات اللاعبين، حتى غير الجيدين منهم، إلى قوة جماعية هائلة. فلم يَثُر أي منهم على جديته الكبيرة في التداريب، لأنه يذوبها بأسلوبه في القرب، وهو يلاعبهم كواحد منهم، بقامته الرشيقة. ولم ينزعج أي منهم من اختياراته في الملاعب، لأنه يملك القدرة على الإقناع حيث ينبغي، وهو يطبطب، ويوضح، وقدم الوعود المقدور عليها.
في واحد من الفيديوهات، يبدو وليد متجاوبا مع الجماهير الودادية وهي تبادره، ما إن وضع قدميه على الملعب، "سير.. سير". ويتبين أنه نسج، معها هي الأخرى، علاقات وثيقة، بأسلوبه في مخاطبتها كلما تعلق الأمر بالجديد، مصارحتها بما يفكر فيه، وقوله كل شيء كما هو، بكلمات عارية، لا تحتاج إلى تحليل أو تفسير.
بعد سنين عديدة، سيقرأ الناس عن وليد الركراكي كلاما كثيرا. ذلك أنه أصبح جزءا من السجل الذهبي لكرة القدم المغربية. فقد لعب للمنتخب، ووصل معه وصافة البطولة الإفريقية. ودرب فريقين، بلغ معهما القمة وطنيا وقاريا. وجيَّش الجماهير في صفه، فأحبته وغنت له، ورسمته في واحد من التيفوهات. ولم يتأخر عن الإعلاميين في الجواب، بل كانت كثير من أجوبته أشبه بالنكت التي سرعان ما تشيع، فتتجاوز نطاقها بكثير. ألم يتحول رسم وليد، بصلعته العجيبة، إلى "ترول" ذائع، وهو يقول: "إييه.. عندك الحق"؟ ألم يصبح حديثه عن كلمة الأداء، أو "الأداح"، أو "الأداه"، التي قال إنه تعلمها في المغرب فقط، واحدة من الأعجوبات؟
إلى أين يمضي وليد؟ إلى أين يسير فارس "بني سير .. سير"؟
لنتابع. فمن حسن الحظ أن هناك مدربا يفتح شهية عشاق كرة القدم للمزيد من الفرجة، والمفاجآت.
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة
رياضة