مجتمع
التبرع بالأعضاء البشرية .. مبادرة كفيلة بإنقاذ حياة الكثيرين
17/10/2022 - 18:08
وكالة المغرب العربي للأنباءويحتفي المغرب على غرار بلدان العالم، بهذا اليوم العالمي الذي يعد فرصة ثمينة لطرح العديد من الأسئلة حول واقع التبرع بالأعضاء على المستوى الوطني، وحول القانون المنظم لهذه العملية وآفاق تعديله وأسباب ضعف المبادرة إلى هذا العمل التضامني الإنساني النبيل.
وعلى الرغم من أن المشرع المغربي بذل جهودا حثيثة على مستوى التشريع لتقنين عملية التبرع بالأعضاء وقطع الطريق أما التلاعب والاتجار في الأعضاء، بالإضافة إلى الإمكانيات التقنية والكفاءات المهنية الطبية التي اكتسبها، إلا أن الأرقام المسجلة على مستوى المستشفيات الجامعية والعسكرية وكذا المؤسسات الاستشفائية المرخص لها قانونيا بعملية الزرع، تبقى "متواضعة".
وفي هذا السياق، أكدت البروفيسور جيهان تغزة، الأخصائية في أمراض الدم والأورام لدى الاطفال والمنسق الطبي في زراعة نخاع العظام للأطفال أن عدد المتبرعين المحتملين المسجلين في سجلات التبرع بلغ حوالي ألف و200 متبرع فقط منهم أزيد من 700 مسجلا في مدينة الدار البيضاء، وهو رقم بعيد كل البعد عن تلبية الاحتياجات المتزايدة، ولا يعكس المستوى الطبي للمغرب ولا سخاء المغاربة.
وأكدت الأستاذة الجامعية بالمستشفى الجامعي الشيخ خليفة بالدار البيضاء، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن أهمية الاحتفاء بهذا الحدث، تكمن أولا في الإشادة بالأشخاص الذين أبدوا رغبتهم في التبرع بأعضائهم بعد الوفاة، وأيضا في الدعوة إلى التفكير بجدية بشأن أهمية التبرع بالأعضاء والحرص على جعله موضوع نقاش مجتمعي.
وسجلت جيهان تغزة أن زرع الأعضاء أفضل بديل للعلاج في حالة قصور عضو من الأعضاء في جسم الإنسان، سواء من حيث متوسط عيش المرضى أو في ما يتعلق بالإنفاق على الصحة العامة، ذلك أن عدد الأشخاص المرشحين لزراعة الأعضاء في ارتفاع دائم، وهذا مرتبط، بالأساس، بشيخوخة الساكنة، وارتفاع حالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والقصور الكلي للأعضاء.
وأضافت أن فكرة تخصيص يوم عالمي للتبرع بالأعضاء انبثقت من وضع مثير للقلق، بحيث لوحظ أن هناك نقصا في الأعضاء يتم استشعاره أكثر فأكثر، وأن عددا من المرضى الذين يحتاجون لزراعة عضو من الأعضاء يكونون في المراحل الأخيرة من المرض ويظل أملهم الوحيد للبقاء على قيد الحياة هو إيجاد متبرع.
كما أن الآلاف من المرضى يشعرون دائما بقلق شديد بسبب طول مدة الانتظار، وهم يعلمون أن كل يوم يمر وهم على لائحة التبرع يزيد من تضاؤل الأمل في إيجاد متبرع. ففي كل يوم يموت رجال ونساء وأطفال لأنهم لا يجدون من يتبرع لهم بعضو من الأعضاء أو لعدم إجراء العملية في الوقت المناسب، والحال أن الطب بإمكانه إنقاذ حياتهم.
وبخصوص تطوير القانون المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية، الصادر منذ أكثر من 20 سنة وبلورة مقترحات عملية جديدة من شأنها مواجهة الخصاص، أكدت الأستاذة الجامعية أن القانون رقم 16/98 الذي ينظم عملية التبرع بالأعضاء وزراعتها في المغرب، الصادر بتاريخ 25 غشت 1999 يحدد نوعين من التبرع، الأول من شخص حي لآخر حي، و الثاني التبرع لحي بعد الوفاة، وفي هذه الحالة فإن السماح باستئصال الأعضاء أو الأنسجة بعد الوفاة يعتبر نوعا من السخاء والتضامن، لكونه يساهم في إنقاذ الأرواح.
والمعطى الآخر بحسب البروفيسور جيهان تغزة، قد يكون ماديا، فالمصالح التي تتم فيها عملية زرع الأعضاء تعاني من نقص مرتبط بالشق التقني والموارد البشرية، والمفارقة هي أن عملية زرع عضو قد لا تتطلب إمكانيات مادية إضافية. وعلى سبيل المثال، فكل عملية زرع كلية يتم إجراؤها توفر إمكانيات مادية مهمة لأن عملية غسل الكلى تتطلب إمكانيات مادية كبيرة لا تتطلبها عملية الزرع.
وأكدت في هذا السياق، أن المشرع المغربي وضع نصوصا قانونية محددة بشأن شروط التبرع بالأعضاء البشرية عام 1998 بموجب القانون رقم 16.98 الذي يؤطر بشكل واضح عملية التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية واستئصالها وزرعها، وهو ما يعزز الحماية القانونية للمتبرع من مخاطر الاحتيال والاتجار بالأعضاء والأنسجة البشرية. ولكن، ومع ذلك، يجب تجويد قانون التبرع لبلورة مقترحات تشريعية وإدخال تعديلات جديدة لمواجهة المشاكل المطروحة بما يخدم صحة المواطن ويحقق تقدما في هذا المجال.
ولاحظت الأخصائية في أمراض الدم والأورام لدى الأطفال والمنسق الطبي في زراعة نخاع العظام للأطفال أن التبرع بالأنسجة غير معروف مقارنة بالتبرع بالأعضاء، على الرغم من أهميته الحيوية، فالتبرع بالأنسجة في غالب الأحيان يمارس بشكل كبير. وهناك على سبيل المثال، تركيب صمامات القلب أو الأوعية الدموية، وزرع القرنية التي تساعد على استعادة البصر، والأوتار بعد حادث سقوط خطير، والعظام بعد الخضوع لعملية جراحية، والجلد للسماح للحروق الشديدة بالالتئام.
وأبرزت أن حجم الوضعيات التي قد تتحسن عبر زراعة الأنسجة واسعة، وتزداد مع التطور التقني، وبالتالي فإن الطلب على هذا النوع من الزراعة يرتفع يوما بعد يوم.
وأضافت أنه لا يوجد عدد كاف من الراغبين في التبرع بالأعضاء مقارنة بتزايد الحالات المرضية التي تنتظر متبرعا ينقذ حياتها، وهو ما يؤدي إلى نتائج مزدوجة، فمن جهة ارتفاع عدد المرضى الذين ينتظرون متبرعا لزرع أحد الأعضاء، ومن جهة أخرى، العدد القليل من الأشخاص المسجلين في سجل المتبرعين بالأعضاء.
وهؤلاء المرضى بالطبع يعانون من الهشاشة ويمكن أن يكون وقت الانتظار قاتلا بالنسبة لهم، وكل يوم يمر عليهم في قائمة الانتظار يزيد من تضاؤل فسحة الأمل.
وأكدت أن العولمة والهجرة ونزوح الأشخاص أدت إلى تنقل الشعوب بخصائصهم الجينية. فعلى سبيل المثال، بالنسبة لبعض المرضى من أصول إفريقية، الذين يعيشون في أوروبا، من الصعب في بعض الأحيان إيجاد متبرعين متوافقين جينيا. وبالمقابل، إذا سمح المشرع بإنشاء بنوك للأعضاء والأنسجة لمتبرعين متطوعين، فإن الأطباء المختصين سيتمكنون من زراعة الأعضاء لعدد أكبر من المرضى من المواطنين وكذلك من الأجانب، حين تتوفر نفس الخصائص الوراثية للذين لا يستطيعون العثور على متبرعين لهم خصائص متوافقة.
وأشارت من جهة أخرى إلى أن القانون يشترط للتبرع من شخص متوفى، ثلاثة مبادئ رئيسية هي التبرع المجاني، وعدم الكشف عن أي معلومات من المحتمل أن تسمح بتحديد هوية المتبرع أو المستفيد، والموافقة، أي أن المتبرع المتوفى يجب أن يكون قد أبدى قيد حياته رغبته في التبرع، بالتسجيل في سجل المتبرعين.
وفي هذا الإطار، - تقول الأستاذة الجامعية - يتعين على المشرع اعتبار كل شخص موافقا على التبرع بالأعضاء والأنسجة بعد وفاته ما لم يعلن، قيد حياته، عن رفضه لذلك، وأنه يجب إبلاغ الأسرة بدل استشارتها، خاصة وأن أفراد الأسرة لا يكونون دائما على علم بجميع ما قد يبديه المتوفي من رغبات. وهو ما سيمكن من جمع المزيد من الأعضاء وإنقاذ العديد من الأرواح.
وخلصت إلى أن عدد الأعضاء المعدة للتبرع مازال غير كاف لتلبية الطلب المتزايد، مؤكدة على ضرورة تنظيم حملات للتوعية بأهمية التبرع، من خلال إشراك مختلف الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، وفي الحقل الديني والمجالات الاعلامية والمناهج التربوية، وكذلك تشجيع التبرع من الأشخاص الأحياء وفي حالة الموت الدماغي من خلال تطوير عملية زراعة الأعضاء.
مقالات ذات صلة
عالم
مجتمع
مجتمع
مجتمع