نمط الحياة
عبد الفتاح كيليطو .. كاتب يحارب الملل
05/01/2023 - 16:49
مصطفى أزوكاحيسعى عبد الفتاح كيليطو إلى إمتاع قارئه، دون أن يتخلى عن صرامة الباحث الذي لا يركن إلى ما انتهى إليه من معارف يقول : "أحاول جهد الإمكان أن أمنح لقرائي المتعة التي شعرت بها أيضا وأنا أقرأ طفلا صغيرا. كل شيء يتهيأ في الطفولة، والكتب التي كان لها علي تأثير كبير هي التي قرأتها في طفولتي". ويعبر عن امتنانه لقرائه: "يمكن أن أقول إنهم هم صنعوني، فهم من يصنعون الكاتب. لكن، هل أستحق قرائي؟ سؤال يبقى".
"إنه يكتب بانتباه متحرر، وبطريقة تدريجية، إلا أنه انتباه مصحوب بنوع من المكر النادر في مجال النقد الأدبي". هكذا تحدث الكاتب المغربي الراحل عبد الكبير الخطيبي عن عبد الفتاح كيليطو، الذي يوصف بالروائى والناقد، غير أن الكثيرين يجدون صعوبة في تصنيف كتاباته ضمن جنس أدبى معين، هو الذي عشق منذ صغره النصوص الأدبية العربية القديمة، خاصة "ألف ليلة ولية"، الذي يستحضره في العديد من كتاباته.
ولد في عام 1945 بالرباط. درس الأدب الفرنسي بجامعة محمد الخامس، التي عمل بها أستاذا مساعدا في عام 1968، لينتقل إلي فرنسا حيث حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون، ويتفرغ بعد ذلك للكتابة والتدريس في العديد من الجامعات مثل السوربون وجامعة هارفارد، وجامعة برينستون وكوليج دوفرانس وجامعة محمد الخامس بالرباط.
كان منذورا، بحكم التكوين، للتخصص في الأدب الفرنسي والأوروبي والكتابة عنه، لكنه شغف بالتراث السردي والعجائبي العربي، فأنجز أطروحة دكتوراه التي دافع عنها بجامعة السوربون قبل حوالي أربعين عاما، حول "السرد والأنساق الثقافية في مقامات الهمداني والحريري".
لم يكتف بالتدريس الجامعي، بل دأب على مفاجأة قرائه بكتب تنقلهم إلى عوالم من المتعة واللذة كما في كتب "الأدب والغربة" و"الحكاية والتأويل" و"الأدب والارتياب" و"لن تتكلم لغتي" "في جو من الندم الفكري" وآخر إصداراته "التخلي عن الأدب".
يقول إن الصدفة هي التي قادته إلى التعرف على كتاب عرب مثل الجاحط والهمذاني وأبو العلاء المعري. يوضح عند استضافته من قبل مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد في العام الماضي " كنت أعرف عناوين بعض كتب الجاحظ، كتب لم أكن أتصور وأنا طالب، أنني سأقرأها في يوم من الأيام… لنقل إن الصدفة وحدها جعلتني أهتم بما كتب.."
ويضيف "نلت سنة 1966 شهادة الإجازة في الأدب الفرنسي، وكنت ملزما لكي أتابع تكويني بتحضير ما كان يسمي بالشهادة الرابعة، وكان الشرط أن تنجز في شعبة غير شعبة الانتماء مثل التاريخ والفلسفة والجغرافيا. وقع اختياري بتهور شديد على شهادة الأدب المقارن في شعبة الأدب العربي".
عندما اقتحم عالم الأدب العربي الكلاسيكي، لم يكن يدرك الصعاب التي ستصادفه من أجل سبر أغواره وتملكه. هذا ما يقر به حين يقول : "لم أكن أخمن ما كان ينتظرني من الصعاب. كان المقرر يشتمل على درس في الأب المقارن، أوديب عند سوفوكليس وعند توفيق الحكيم. لكن المفاجأة كانت مع الدروس الأخري. في النحو كتاب "مغني اللبيب" لابن هشام الذي اعتبره ابن خلدون أنحى من سيبويه. لازلت إلي اليوم أذكره برهبة، من يستطيع قراءته؟ ثم كان لابد من الإلمام بعلم العروض والتمكن من تقطيع الأبيات الشعرية وتعيين بحرها. أما الفائدة الكبري فكانت في درس النقد القديم الذي كان يلقيه المرحوم أمجد الطرابلسي. قرأت ابن قتيبة، والآمدي، وابن طباطبا، والجرجانيان صاحب "الوساطة" وصاحب "أسرار البلاغة" وابن شرف القيرواني".
ذلك وطد علاقته بالأدب العربي القدم ودفعه إلي الكتابة بطريقة مختلفة ميزته عمن سواه من المؤلفين. لقد سعى إلى تعريف قرائه بتلك "القارة الفكرية الثرية" كما يسميها، هو الذي يؤكد أنه تكونت لديه " قناعة، سواء كانت خطأ أو صوابا، أن من لم يقرأ للمؤلفين الذين ذكرتهم لايعرف الشعر إلا بصفة سطحية".
لم يشأ الكتابة بطريقة أكاديمية. كان يمكنه ذلك بحكم دراسته وتخصصه، لكنه، اختار تجنيب القارء الإحساس بالمملل. فقد سار كما يلاحظ ذلك عبد السلام بنعبد العالي، الكاتب وأستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس بالرباط، على نهج الجاحظ، الذي أسس فن الاستطراد والانتقال المفاجىء من موضوع إلى موضوع.فقد عرف عنه انتقاله من الموعظة إلى النادرة، ومن الجد إلي الهزل. ذلك مسلك اختبره "مونتين" الذي كان يكتب بالقفز والوثب، كما يلاحظ بنعبد العالي.
أدار ظهره للأدب الفرنسي الذي تخصص فيه و أقبل على الأدب العربي، الذي يبحث عن آثاره في كل ما يكتبه الأجانب. هو يشعر بأنه قادر على إضافة شيء ما إلى الأدب العربي، بحكم اطلاعه على الأدب الفرنسي والأوروبي، بل إنه يرى أنه قد يكون درس ذلك الأدب كي يكتب مستقبلا بالعربية.
ذلك يدفع بنعبد العالي إلى القول إن الأدب الفرنسي كان له مفعوله على كيليطو ولم يمح أثره أبدا. فقد مكنه من العدة المنهجية التي تمكنه من الكتابة عن الأدب العربي، الذي سعى إلي كشف كنوزه للقارئ العربي، حيث عمل على إثارة فضوله بالكثير من الوضوح. فهو يكتب في مؤلفه الأخير في نص " من الشرح إلى الترجمة" مايلي :" على العموم لا ينبغي للنص أن يكون غامضا كله، لابد من بعض الوضوح وإلا اختنق القارئ".
مقالات ذات صلة
نمط الحياة
نمط الحياة
نمط الحياة
مجتمع