رياضة
توابل النجاح الكروي .. دا كروز على خطى الركراكي وأوسكار
12/03/2023 - 11:48
يونس الخراشييمضي نادي الجيش الملكي لكرة القدم، المعروف لدى عشاقه بـ"الزعيم"، في استعادة تألقه، بحثا عن وصل للماضي المضيء بمستقبل وضاء، يكون فيه بطلا للكرة المغربية، وأحد أقطاب اللعبة في القارة الإفريقية؛ بما أنه أول ناد مغربي يتوج قاريا، سنة 1985.
ولئن كان لهذا التألق عدة أسباب، ضمنها على الخصوص التمكن من توليفة لاعبين متميزين، بتكامل في الأداء، وتناغم في التحرك داخل الملعب، تحت عناية إدارة تشتغل في العمق، بمدرسة مجتهدة، وأطر متفانين، فإن واحدة من أبرز النقط هي وجود رجل اسمه فيرناندو دا كروز في القيادة، بما يملكه من صفات تخول له النجاح بهدوء.
اشتغل دا كروز مسؤولا عن مدرسة نادي الجيش الملكي لكرة القدم؛ بما جعله يتعرف، عن كثب، على أدق التفاصيل التي تخص كل الفئات العمرية للنادي العسكري، لدى الذكور والإناث، ومؤطريها، ما فتح عينيه على فئات باقي الأندية الكروية، وإمكانياتها، وسلحه بمعطيات كبيرة سهلت إدارته للفريق الأول حينما أعفي البلجيكي، زفان فندربروك.
وتميز دا كروز، سواء خلال تلك المرحلة أو وهو يقود الفريق الأول، بالجمع بين الحزم في التسيير والتدبير والسماحة في التعبير والتواصل مع اللاعبين ومحيطه، مما جعله قريبا من الجميع، يتفهم ويفهم ويُفْهِم، وظهر ذلك جليا في الأداء والنتيجة، مما جعل الفريق، الذي شط عن الطريق لفترة، يرجع إلى الصدارة، ويتمسك بها في البطولة، وينطلق قاريا بحثا عن لقب جديد.
قد يكون الزعيم؛ الجيش الملكي، بحاجة إلى المزيد من الأشياء، أولها تخص خبرة اللاعبين الحاليين ومراسهم، وقدرتهم على التأقلم مع كثرة المنافسات، إن بدنيا أو نفسيا، لغرض الحفاظ على التركيز، ولاسيما على الانضباط، غير أن ما يطمئن بخصوص مستقبل الفريق هو شخصية القائد، التي تنم، في كل مناسبة، عن قدرة هائلة على تدبير المرحلة، والخروج منها بنجاح.
عندما كان الراحل أوسكار فيلوني، الأرجنتيني الذي قاد الرجاء إلى العالمية، يمضي قدما مع فريق من المجربين والشباب، لم يكن كثيرون يعرفون أن الرجل يمتلك سحر الكلمة، وسماحة الصلحاء، وإلهام الشعراء، وبعد نظر الدهاة، مما جعله يصنع من فريقه زعيما حقيقيا، إن في البطولة الوطنية أو في القارة الإفريقية. وقد كرر التجربة مع الوداد، ونجح بالتوابل نفسها.
في سنة 2002، كان نادي الوداد الرياضي موجودا بالجزائر، حيث يستعد لمواجهة اتحاد العاصمة في ملعب الرويبة، ضمن منافسات كأس كاف. وفوجئ الفريق، وهو يتنقل إلى الملعب الملحق لمركب 5 جويلية، بالعاصمة، قصد إجراء حصته التدريبية الأولى، بأن الأرضية سيئة للغاية، ولا تصلح للتداريب أبدا. وبينما اختفى مسؤولو اتحاد العاصمة، وغيرهم ممن يمكن الاحتجاج لديه، راح مسؤولو الوداد يضربون أخماسا في أسداس، فيما كان الداهية أوسكار فيلوني يبحث عن حل.
ماذا فعل الرجل؟ راح يذرع ملعب التداريب، إلى أن عثر على مكان، تكاد مساحته تبلغ 300 متر مربع، يصلح لكي يتحرك فيه لاعبوه، ويجروا التسخينات، وكل ما يلزم ليتهيؤوا للحصة الثانية في اليوم الموالي، بداخل الملعب الرئيسي. وإذ طرح عليه السؤال، كان يرد بابتسامة عريضة:"أنا هنا لأجد الحلول، لا لكي أقف عند المشاكل". وانتهت الحصة بسلام، فيما بدا أن الذين خلقوا المشكلة من الأساس، ليعثروا الوداد، فشلوا. وكان فشلهم أكبر عندما انتهت المباراة، وأعلن الفريق الأحمر متأهلا للدور الموالي.
وبعد ما يزيد على العقدين من ذلك، جاء مدرب آخر، اسمه وليد الركراكي، ليثبت أن النجاح في مجال كرة القدم، والرياضة عموما، يبدأ من المعرفة، ولكنه لا ينتهي عندها، بل يتوقف على سمات القيادة. فإن كان القائد يملك القدرة على التواصل الخلاق، ويجيد التحفيز الإيجابي، ويعرف متى ينبه، ويبين مكامن الخطر، ويستبق المطبات ليجد لها، وبكل هدوء، حلولا ناجعة، فبالقطع سيكون النجاح حليفه. ويكفي أن الرجل وصل بالمنتخب الوطني المغربي، ولأول مرة في التاريخ، إلى نصف نهائي كأس العالم بدورة قطر 2022، وأكد كل اللاعبين، الذين استفسروا عن توابل الإنجاز، أن لشخصية الركراكي ضلعا كبيرا فيه.
ويكفي، لتأكيد ما سبق، أن الركراكي، الذي وصل مع الوداد إلى أعلى نقطة قارية، جاء بحكيم زياش، الذي قال بالاعتزال الدولي، وإذا به يصنع منه مدافعا شرسا عن قميص المنتخب الوطني. فقد عرف الركراكي، بفضل أسلوبه في التعامل السلس والمرن والحازم أيضا، كيف يحول زياش من لاعب متمرد ومزاجي، بل وخمول أحيانا في الملعب، إلى قوة ضاربة، بحيث لاحظ كل المحللين أنه صار يشتغل في الدفاع والهجوم معا، ويذل مجهودا فوق المتوقع منه، ويسجل، وينضبط في التداريب.
هي قصص لأشخاص نجحوا في قيادة فرق إلى المجد الكروي، بامتياز. ويلتقي هؤلاء في نقط معينة، تحتاج بالفعل إلى التوقف عندها، ودرسها، وتفكيكها، لكي تصبح محط تدريس، وتلقين، للباقين ممن يرغبون في النجاح أيضا، ولكن لا يملكون كل وسائله، ومنها، على وجه الخصوص، التوليفة التي تسهل الوصول إلى قلوب اللاعبين، وشحنها بالطاقة الإيجابية، ليعطوا أفضل ما يملكون على أرضية الميدان، حيث لا يكسب سوى الفريق الذي يكون جاهزا في الموعد المعلن.
إنها ليست قضية عضلات وحسب، بل هي قضية أكبر من ذلك بكثير؛ ولو كانت بالعضلات فقط لما ربح ميسي كأس العالم. ألم يربحها حين تحول من مجرد نجم إلى قائد فذ؟ بلى. هي إذن التوابل نفسها، لمن يعرفون كيف يستعملونها في تحضير الوصفة الشهية للنجاح.
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة
رياضة