مجتمع
الرسوم المتحركة.. أطفال "خارج السيطرة"
04/01/2021 - 15:15
مريم الجابرييشاهد الأطفال الرسوم المتحركة يوميا، مما يؤدي بهم إلى اكتساب مجموعة من القيم والمبادئ شيئا فشيئا، مع مرور الوقت. لكن الآن صارت البرامج التي تعرض لهم على مجموعة من المنصات عبر الأنترنيت حاملة لرسائل العنف والتعصب، وغيرهما. وهناك مجموعة من الآباء والأمهات لاحظوا ذلك عن طريق جملة من الممارسات العنيفة لصغارهم، كالصراخ الدائم، أو الضرب، أو حمل السكاكين، أو الأسلحة البلاستيكية، أو التهديد، أو النوبات العصبية.
أوضح محمد البرودي، أخصائي في العلاج النفسي بمدينة سلا أن "عملية تأثير الرسوم المتحركة تتم من جانبين؛ الأول الذي يعالج ظواهر وقضايا تحمل رسائل تربوية تعليمية وإنسانية للأطفال، والثاني هو الذي يحمل صبغة عدوانية ترسخ في خيالهم أن الشخصية العدوانية والشريرة تغلب الآخر دائما، فاكتساب هذه السلوكيات يأتي عن طريق التقليد المستمر".
تمرير العنف
أضاف المتحدث ذاته "أن هناك مجموعة من الأمور التي تساعد على تمرير العنف للأطفال، والتي بوسعها التأثير على عقولهم ونفسيتهم، وهنا يتجلى دور الآباء والأمهات في مراقبة البرامج التي يشاهدها الأبناء، ومحاولة إفهامهم أنها ليست واقعية. وكمثال على ذلك أب اشترى لابنه لباسا لأحد أبطال الرسوم المتحركة، فإذا بالطفل يريد تقليد الشخصية الشهيرة "سبايدر مان"، عن طريق القفز من أعلى السطح، الأمر الذي أدى به إلى الموت، مما يبين مدى القابلية لدى الأطفال لتقليد كل ما يشاهدونه".
"فالآثار النفسية للرسوم المتحركة تظهر على الأطفال، كالعزلة والنوبات العصبية، التي تؤدي إلى مشكل الإدراك والتركيز على المستوى المعرفي"، على حد تعبير البرودي.
المتحدث نفسه شدد على دور الأسرة، كونها الوسط الأولي الذي يتعرف عليه الطفل، وما يسمى بـ"المقاربة الوالدية" عن طريق مجموعة من الدورات التكوينية والحملات التحسيسية بخطورة الرسوم المتحركة التي تحمل صبغة عدوانية، والتي تتربى عن طريق المتابعة الدائمة، لمحاولة احتواء الطفل خلال تلك السن، قبل الوصول إلى مرحلة المراهقة التي يصعب فيها التعامل معه.
واسترسل البرودي مؤكدا على ضرورة المراقبة من طرف الآباء والأمهات للبرامج والمسلسلات والرسوم المتحركة، التي يشاهدها أطفالهم، وإرشاد الطفل والتحاور معه، وخلق فضاءات لأنشطة موازية للأطفال، كـ"اليوغا"، و"الأيروبيك"، و"التيكواندو"، وغيرها.
إدمان من نوع آخر
"سامية"، 36 سنة، أم لثلاثة أطفال، تؤكد أن ابنها الصغير "براء"، البالغ من العمر سنتين ونصف، يشاهد برامج محددة عبر قناة "يوتيوب"، وإن قُطِعتْ فرجته يصاب بنوبات من الصراخ الشديد، وبالتالي يحتم على والديه الرضوخ لرغبته عن طريق الضغط.
تضيف "أم براء"، في حديثها مع "SNRTnews"، "أصبح يطبق كثيرا ما يشاهده عبر البرامج، كالتحدث بلغتهم وهو أمر إيجابي لكن ما يقلقني هو محاولته تكسير مجموعة من الأشياء داخل البيت، مما حتم علي إبعاد مجموعة من الديكورات عن يديه، رغم أنني أحاول مرافقته في ما يشاهده خوفا عليه، إلا أن البرامج المقدمة أغلبها تحمل رسائل عنف وتكسير".
من جانبها تقول "وسيمة"، 32 سنة، أم لطفلتين، إن ابنتها الصغيرة "هديل" تقلد كل ما تراه في الرسوم المتحركة، كالتحدث باللغة التي يتكلم بها أبطال الرسوم، وسط المنزل، وهو أمر قالت المتحدثة إنه يساعد ابنتها، البالغة من العمر 5 سنوات، على تعلم اللغتين الفرنسية والإنجليزية، إلا أنها تتأسف كون ابنتها أصبحت مدمنة على مشاهدة جميع حلقات سلسلة "ماشا والدب"، يوميا، مع التكرار، مما يجعل التواصل معها أمرا صعبا جدا، إلا عن طريق تحقيق رغبة الفرجة.
السلطة الوالدية
أشار محسن بنزاكور، أستاذ جامعي في علم النفس الاجتماعي، بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، إلى أن الوضع تغير مع تطور التكنولوجيا الحديثة، التي أتاحت للأطفال الدخول إلى قنوات مختصة في الرسوم المتحركة، سيما مع غياب السلطة الوالدية، بمفهومها التربوي، والتي تكون في غالب الأحيان هي السبب، بحجة أن تلك الرسوم تلهي الأطفال، خصوصا من تتراوح أعمارهم بين سنة و15 سنة.
وأضاف المتحدث ذاته: "يصبح التكرار في الفرجة لتلك الأفلام خطرا على الأطفال في تبني تلك الأفكار، بفعل الشعور بالمتعة في غياب مناعة فكرية كافية تميز بين ما هو واقعي وما هو افتراضي؛ إذ أن هناك مجموعة من الدراسات العالمية والأكاديمية أثبتت أن للرسوم المتحركة آثارا سلبية على سلوك الأطفال، التي من الممكن أن تكون السبب الأول لتكريس السلوك العدواني، باعتباره شحنا وغسلا لعقول الأطفال".
بنزاكور أكد أن الرسوم المتحركة التي يتحدث عنها هي تلك التي تتخللها مشاهد البطولة المفرطة، وترسخ في أذهان الأطفال العنف والضرب بوصفهما الحل لمشاكل الحياة، "وهو ما يسمى في علم النفس الاجتماعي بـ"بناء التمثلاث"، إذ أن صور الطفل الفكرية تتعاطى مع العنف على أنه الطريق الصحيح لحل أي معضلة، وبالتالي فهو يعمل على تحقيق هذه الوسيلة المثلى، ويطبقها على أرض الواقع؛ سواء مع أصدقائه بالمدرسة أو إخوانه داخل البيت والعائلة".
المتحدث ذاته أوضح أن المصاحبة في الفرجة مع الوالدين أمر صحي، بهدف تدخلهما لقطع العلاقة بين الطفل والتلفاز أو الجهاز الذي يشاهد من خلاله برامجه، ورده إلى الواقع، "فالرقابة الوالدية يجب أن تتميز بالحزم، بمعنى أن يتم تحديد ساعات المشاهدة مع مراعاة سن الأطفال، واختيار المشاهد والتدخل في المشاهد العنيفة".
وأوضح بنزاكور أن الطفل يصل إلى مرحلة يطبق فيها ما يشاهده، لإيجاد مكان له وسط أصدقائه، وبالتالي قوة الفكر البطولي تكون حاضرة بقوة من خلال العنف وليس عن طريق البدائل الأخلاقية والقيم التي لم يكتسبها بعد، وحينما يمارسون هذه السلوكيات العدوانية تحقق لهم نوعا من اللذة، إذا ما كان هناك ضعف في الرقابة.
ومن ضمن الصور التي تأثر على الأطفال من حيث المضامين، البطولة، القوة، الخيال التي لا ترتبط نهائيا بالواقع، اكتسابه لقيم غير متناسبة مع قيمنا المجتمعية تخلق منه طفلا غير قادر على التمييز بين السلوك الذي يقوم به وبين الآثار والانعكاسات له، فتلك المسافة الزمنية التي يحتاجها الطفل بين ما سيقوم به وبين آثاره باعتباره تعتمد أساسا على العقل، تغيب في هذه الحالات وتصبح الصور التي اكتسبها من الأفلام الكارتونية المطبقة.
وأبرز المتحدث ذاته أن كل ممنوع هو مرغوب، وشدد على ضرورة تحديد ساعات الفرجة، مع توفير بدائل معينة تغني الطفل عن الرسوم المتحركة، كتكليفه ببعض الأعمال البسيطة التي يحس فيها أنه مشارك داخل البيت، وأن يتم إطراء ما قام به من مجهود، لمحاولة تحويل تركيزه من الرسوم إلى أشياء أخرى تنمي روح المسؤولية لديه، مع مشاركته في مجموعة من الألعاب التي تعتمد على العقل والتفكير
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع