سياسة
النموذج التنموي الجديد.. ورش ملكي يرسم معالم مغرب المستقبل
30/07/2021 - 21:16
مراد كراخيرسم خطاب جلالة الملك، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب في 2019، الخطوط العريضة للمهام المسندة للجنة الخاصة للنموذج التنموي الجديد والأولويات التي يفترض أن تنكب على تناولها، حيث قال: "بلغنا مرحلة لا تقبل التردد أو الأخطاء، ويجب أن نصل فيها إلى الحلول للمشاكل، التي تعيق التنمية ببلادنا. وهنا أقول، بأننا لا ينبغي أن نخجل من نقط الضعف، ومن الأخطاء، التي شابت مسارنا، وإنما يجب أن نستفيد منها، وأن نتخذها دروسا لتقويم الاختلالات، وتصحيح المسار".
انتظارات المغاربة
"خيار التنمية المتبع حاليا لا يستجيب كليا لتطلعات المواطنين وللتحديات المستقبلية المطروحة على البلاد"، هذا ما أكد التقرير العام للجنة الذي شدد على ضرورة تسريع وتيرة الانتقال نحو النموذج التنموي الجديد.
وكشف تقرير اللجنة بأن تطلعات المغاربة الذين تم الإنصات إليهم جسدت عمق وجسامة التحولات التي يتعين إنجازها من أجل تفعيل النموذج التنموي الجديد، الذي يشكل بادرة أمل وثقة في المستقبل، مبرزة أن هذا التحول يستدعي توزيعا عادلا للثروة بين جميع المواطنين، وتوسيع نطاق الفاعلين المعنيين بعملية الإنتاج.
ويطمح المواطنون الذين تم الاستماع إليهم إلى تحسين جودة الخدمات العمومية من أجل ضمان تكافؤ الفرص، وتعزيز القدرات الشخصية وتغذية روح المواطنة والمنفعة المشتركة، حيث تبلورت الانتظارات في أربعة مجالات رئيسية، وهي التعليم والصحة والنقل وفرص لتنمية القدرات الشخصية بواسطة الثقافة والرياضة.
وفي ما يتعلق بالتعليم، أورد تقرير اللجنة، أن معظم انتظارات المغاربة شددت على إعادة تأهيل المدرسة العمومية، عبر تحسين جوهري لجودة التعلمات وتكييفها مع احتياجات سوق الشغل، وذلك من خلال الرفع من الكفاءة البيداغوجية للمدرسين، وتشجيع الانفتاح على اللغات الأجنبية، فضلا عن إرساء نظام توجيه نافع للرفع من فرص النجاح المدرسي.
وعلى مستوى قطاع الصحة، تتجلى مطالب المواطنين، وفق معطيات التقرير، في توفير علاجات تتسم بالجودة وتكون في متناول الجميع، من حيث التكلفة والقرب، كما تنصب الانتظارات، على الرفع من عدد مناصب العاملين في المجال الطبي والتوزيع العادل للبنيات التحتية الصحية على مجموع التراب الوطني، للحد من الفوارق الصارخة في هذا المجال، فضلا عن تجويد الخدمات التي يجب أن توفرها التغطية الصحية، بعدما أجمع المواطنون على كونها حقا أساسيا.
وفي ما يخص ميدان النقل والتنقل، رصد تقرير النموذج التنموي الجديد، أن المواطنين يشجبون ضعف توفر وسائل النقل وصعوبة الولوج إلى خدماته، مضيفا أن سكان المناطق القروية والجبلية يشكون من عزلتهم التي تشكل عائقا أمام تطوير أنشطتهم الاقتصادية الحيوية، كما تطرق التقرير إلى ضعف شبكات التنقل وضعف توفر وسائل النقل المتخصصة من قبيل النقل المدرسي وسيارات الإسعاف، مشيرا إلى أن هذا الضعف يفاقم من صعوبة الولوج إلى المرافق العمومية، أما بالمجال الحضري، فقد أكد التقرير العام للجنة أن التوفر الضعيف لوسائل نقل عمومية سهلة الولوج وآمنة وبكثافة كافية تشكل في نظر النساء والشباب، خاصة، عائقا أمام تنقلاتهم واندماجهم.
وبخصوص المجال الثقافي، تطالب الفئات الشابة، بشكل خاص، بتثمين ومضاعفة الفضاءات المخصصة للتعبير الثقافي والفني والبنيات التحتية والأنشطة الرياضية، كما أكد المقاولون في المجال الثقافي الذين تم الإنصات إليهم على أن الثقافة يمكن أن تصبح قطاعا مهما لخلق فرص الشغل والثروة.
وأشار التقرير، في السياق ذاته، إلى أن المواطنين يرغبون في الحصول على المزيد من الفرص للمشاركة بشكل فعال في تنمية محيطهم من خلال آليات الإنصات والمنصات الرقمية وآليات التظلم التي يمكن الولوج إليها، داعين إلى المزيد من التشاور وأخذ مقترحاتهم في الاعتبار خلال إعداد السياسات العمومية والبرامج التي تعنيهم.
وبخصوص عناصر الاستشراف في أفق سنة 2035، أفاد التقرير بأن المغاربة يعتبرون الرفع من قدرة الاقتصاد الوطني على خلق المزيد من القيمة المضافة ومناصب شغل ذات جودة تستفيد منها جميع المجالات الترابية، من بين الأولويات التي يجب الاهتمام بها، مما يستدعي الارتقاء بالإنتاج الوطني عبر الاعتماد على البحث والابتكار، وربط جسور بين القطاع الصناعي ومنظومة البحث العلمي، وتنمية الكفاءات عبر التكوين المستمر داخل المقاولة.
كما يرغب المواطنون والفاعلون الذين تم الإنصات إليهم في أن يعزز المغرب قدرته على إنتاج المواد والخدمات الأساسية، وأشار تقرير اللجنة، في هذا الإطار، إلى أن هذا التوجه برز بحدة خلال الأزمة الصحية لجائحة "كورونا".
أهداف النموذج
سطّر تقرير اللجنة، مجموعة من الأهداف المقترحة، لتحقيق التحول المنشود، تتمثل في اقتصاد منتج ومتنوع قادر على خلق قيمة مضافة ومناصب شغل ذات جودة، من خلال تأمين المبادرة المقاولاتية، وذلك بإزالة الحواجز الإدارية والتنظيمية بطريقة نسقية، وضمان منافسة سليمة وتقوية أجهزة الضبط، وتوجيه الفاعلين الاقتصاديين إلى الأنشطة المنتجة، بوضع آلية منسجمة للقيادة والتنفيذ من أجل تحقيق الطموحات القطاعية الاستراتيجية، ومراجعة الإطار التحفيزي للاستثمار من أجل توجيه المستثمرين إلى الأنشطة الإنتاجية ودعم تنمية المقاولات الصغرى والمتوسطة بشكل أكثر قوة، وإدماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي بكيفية تحفيزية وتدريجية وملائمة لمختلف الفاعلين.
ودعا التقرير إلى إحداث صدمة تنافسية، من خلال تخفيض تكلفة الطاقة عن طريق إصاح القطاع واللجوء إلى الطاقات المتجددة ذات المستوى المنخفض من انبعاثات الكربون، وتخفيض تكاليف الإنتاج المتعلقة باللوجستيك وتحسين جودة الخدمات عبر إعادة هيكلة هذا القطاع، وتنمية الكفاءات عن طريق إشراك القطاع الخاص في عملية التكوين، والاستخدام الأمثل لنفقات الميزانية العامة للدولة من خلال أدوات تدبير جديدة، وتخفيف العبء الضريبي على الأنشطة الإنتاجية والتنافسية.
وأكد التقرير ذاته على ضرورة العمل على إحداث رأسمال بشري معزز وأكثر استعدادا للمستقبل، من خلال تعليم ذو جودة للجميع، والاستثمار في تكوين وتحفيز المدرسين قصد جعلهم الضامنين لنجاح التعلمات، وإعادة تنظيم المسار الدراسي ونظام التقييم لضمان نجاح كل متعلم، وتجديد المحتويات والمناهج البيداغوجية لتعليم فعال ومحفز، وإحداث نظام للتعليم الجامعي والتكوين المهني والبحث العلمي يرتكز على حسن الأداء ويستند على حكامة مستقلة ومحملة للمسؤوليات.
وحث تقرير اللجنة، على ضمان الولوج لخدمات صحية ذات جودة وللحماية الصحية باعتبارها حقوقا أساسية للمواطنين، من خلال دعم طلب العلاجات من خلال تعميم الولوج إلى التغطية الصحية وإعداد سلة علاجات قابلة للتطور، والاستثمار المكثف في الموارد البشرية وتثمينها، وإعادة تنظيم مسار العلاجات من المستوى الجماعاتي إلى المستوى الجهوي وتسريع رقمنة النظام الصحي، ودعم المستشفى العمومي وتشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص.
ودعا التقرير كذلك إلى، إحداث فرص لإدماج الجميع وتوطيد الرابط الاجتماعي، من خلال تمكين النساء من الاستقلالية وضمان المساواة بين الجنسين والمشاركة، ورفع الإكراهات الاجتماعية التي تحد من مشاركة النساء، والنهوض بقيم المساواة والمناصفة وتنميتها وعدم التسامح نهائيا مع أشكال العنف ضد النساء، إضافة إلى النهوض بالتنوع الثقافي كرافعة للانفتاح، للحوار وللتماسك، وذلك بدمج قوي للثقافة في بيئة المنظومة التربوية، والنهوض بالإعلام كمرفق عمومي ويساهم في إغناء الحوار والتحسيس والإشعاع الدولي للمغرب.
ماذا بعد التقرير؟
بعد تقديم التقرير العام الذي أعدته اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، بين يدي جلالة الملك، دعا جلالته إلى "التفاعل الجدي مع خلاصات هذا العمل، وجعلها في خدمة تنمية بلادنا ورفاهية مواطنيها".
واقترحت اللجنة التي أعدت التقرير، إلى ترسيخه كمرجعية مشتركة للفاعلين، وحث جميع القوى الحية على إنجازه، من خلال ترجمته في صيغة "ميثاق وطني من أجل التنمية"، حيث سيشكل هذا الميثاق لحظة توافقية لانخراط جميع الفاعلين في مجال التنمية حول طموح جديد للبلاد، ومرجعية مشتركة تقود وتوجه عمل جميع القوى الحية، وتسهر اللجنة برفقة الأحزاب السياسية على إعداد مسودة أولى للميثاق.
وفي هذا الإطار، قال محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن إحداث "ميثاق وطني من أجل التنمية" دليل على أن النموذج التنموي تمت صياغته في إطار مرجعي مشترك بين الجميع.
وأوضح الغالي، في تصريح لـSNRTnews، أن هذا الإطار المرجعي ليست له أية قيمة قانونية، لكونه يتعلق بأرضية توجيهية، من خلال عمل قامت به لجنة من الخبراء، وبذلك يعتبر إحداث ميثاق وطني للتنمية، بمثابة الخطورة الأولى في تنزيل هذا الورش، لكونه عملا تشريعيا، حيث سيكون على البرلمان القيام بالأجرأة القانونية، لهذا النموذج التنموي، من خلال هذا الميثاق الذي سيحدد المبادئ والأسس، والمرتكزات، التي على أساسها يمكن لمختلف القطاعات المعنية بالتنمية في المملكة، أن تقوم بدورها".
وحسب تقرير اللجنة، فهناك وظيفة أخرى للميثاق تتمثل في أن يشكل إطارا لقيادة وتتبع تفعيل الرؤية التنموية الخاصة بالبلاد، وفي هذا الاتجاه، يمكن للميثاق أن يتضمن الإشارة إلى آليات التتبع المنتظم لتقدم الأوراش التي تم اعتمادها في إطاره.
وامتدادا لاعتماد الميثاق الوطني للتنمية، أوصت اللجنة بإحداث، آلية لتتبع النموذج التنموي الجديد، ودعم إدارة التغيير، تحت السلطة المباشرة لصاحب الجلالة، حيث ينتظر أن تمكّن هذه الآلية، من تحمل المسؤولية ومن تقوية حسن الأداء العام، وذلك من خلال السهر على الانسجام العام والملاءمة الاستراتيجية وعبر دعم الإصلاحات المولدة للتحولات، ومن تمكين الفاعلين المعنيين.
ووفق تقرير اللجنة فإنه يمكن أن تسند إلى هذه الآلية، التابعة لجلالة الملك، مهام منها العمل على التعريف بالنموذج التنموي الجديد وضمان نشره على نطاق واسع عبر جميع وسائل التواصل، وتصميم ووضع رهن إشارة الهيئات والسلطات المعنية أدوات منهجية ترمي إلى تسهيل التنفيذ المنسجم والفعال للنموذج التنموي الجديد.
مقالات ذات صلة
مجتمع
اقتصاد
مجتمع