مجتمع
دروس "كورونا".. عودة "الدولة الراعية" والصناعة الوطنية
04/01/2021 - 15:54
مهدي حبشيلعل ما يميز الإنسانية هو مقدرتها على استنباط الدروس والخروج أقوى من الأزمات. فالنهضة الأوروبية، مثلاً، تدين بفضل كبير لجائحة "الطاعون الأسود" الذي اجتاح القارة منتصف القرن الرابع عشر. "SNRTnews" يستعرض على لسان خبراء، بضعة دروس مهمة قد تستفيدها البشرية عموماً، والمغرب خصوصاً، من أزمة فيروس "كورونا" المستجد.
إنسانية واحدة/متعددة
"كورونا" فيروس لا يؤمن بالعنصرية، فهو ينتقل من إنسان يهودي إلى آخر مسلم، من العربي للأعجمي، ومن ذوي الإديولوجيا اليمينية إلى اليساريين... والعكس كله صحيح.
كان لابد للإنسانية أن تقف في مواجهة عدو مشترك، على ضآلة حجمه الذي لا يكاد يرى بالعين المجردة، لتدرك أخيراً أن كل تبايناتنا الدينية والطائفية والعرقية واللسانية والسياسية...، التي طفت إلى السطح وحولت العالم في حالات كثيرة إلى حمام دم وبؤرة للكراهية، لا تساوي شيئاً أمام الجوهر الإنساني المشترك.
يقول الفيلسوف البلجيكي، ميشيل دوبوي، إن "الجائحة ذكرتنا بأننا، سواء شئنا أم أبينا، نشكل جسداً اجتماعياً متراصاً. لأن وسط انتشار العدوى، أي الهواء المشترك، يعيد النظر في تصورنا للمجتمع باعتباره تجاوراً لأجساد مستقلة ومنفصلة بعضها عن بعض".
ويربط الفيلسوف بين الجائحة وبين التغير المناخي، باعتبار كليهما "يبرزان كيف أننا نسافر جميعاً على متن السفينة عينها، وأننا لن ننجو بجلودنا إلا معاً أو نهلك سوية". بالتالي فإن "غريزة البقاء" التي اشتغلت بسبب تفشي الوباء وما خلفه من وفيات، تشكل الآن نمطاً أساسياً للوعي المواطن، في نظر المتحدث.
الاتكال على الاستيراد خطأ اقتصادي فادح
أبانت الجائحة عن نقاط ضعف الاقتصادات الهشة بنيوياً، إذ إن احتواء الصدمة كان سمة الاقتصادات المتوفرة على بنيات متينة. ذلك ما يراه نور الدين العوفي، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، وعضو اللجنة الخاصة بإعداد النموذج التنموي.
ولعل أكبر نقاط الضعف ضمن البنية الاقتصادية الوطنية، بحسب العوفي، ارتهانها الكبير للخارج، أي للاستيراد. وقد بينت ظروف الجائحة أن هذا التوجه يحتاج إلى إعادة نظر، عبر إعطاء الأولوية للإنتاج الوطني. كون المبادلات التجارية الدولية من شأنها التوقف في أي لحظة، و"هنا ستكون كل دولة في حاجة ماسة لبنية اقتصادية متينة وقادرة على تأمين الطلب الداخلي"، يجزم العوفي.
وأعرب الاقتصادي المغربي، عن ارتياحه لنجاح الجائحة في خلق وعي بما سلف، إذ يلاحظ اهتمام متزايد بما يُطلق عليه نموذج "إحلال الواردات"، أو التصنيع لاستبدال الواردات، عبر تشجيع الصناعة الوطنية، والذي بات يعرف بـ"صنع بالمغرب"، Made in Morocco. متأسفاً لكون المغرب حتى حدود الساعة يستورد مواداً له كامل القدرة على إنتاجها محلياً.
وأورد العوفي في حديثه لـ"SNRTnews"، أنه أنجز بمعية خبراء آخرين، بحثاً أكاديميا قبل 4 سنوات، حمل عنوان "Made in Maroc, Made in Monde"، خلص لنفس الفرضيات والخلاصات منذ عام 2018، جاء الوباء القاتل ليعطيه مصداقية كبيرة.
وأوضح سياق دراسته قائلاً إنها تصب كذلك في النقاش حول مبدئي "التبادل الحر" و"الحمائية"، قائلاً: "نحن لسنا مع الحمائية، ولا يوجد عاقل يؤيد هذا التوجه في العصر الحديث. لكننا في حاجة لخلق نوع من التوازن، نحتاج لبنية إنتاجية وطنية قوية، فهي التي تضمن لنا مناعة ضد هذا النوع من الهزات، بل الأكثر من ذلك أنها تكسو الاقتصاد الوطني بجاذبية كبيرة للاستثمارات الأجنبية المباشرة".
عودة "الدولة الراعية" (l’Etat-providence)
قبل الجائحة، كان المغرب يساير التوجه العالمي الذي ينحو إلى الاعتماد بشكل أوسع على الخواص في توفير معظم الخدمات. لكن محمد ظريف، المختص في قضايا الفكر السياسي، يرى أن الجائحة فضحت هشاشة هذا النموذج، وبينت أن للدولة أدواراً كبرى لتلعبها في تنظيم النشاطين الاقتصادي والاجتماعي.
وصرّح الخبير، في قراءته لمخلفات الجائحة، قائلاً إنها كشفت عن حيوية إيلاء اهتمام خاص بالسياسات الاجتماعية عبر الدولة، لاسيما على مستوى خِدمتي الصحة والتعليم، إذ يرى أن أبرز مكامن الخلل التي فضحها "كوفيد-19" مست هذين القطاعين.
وبالإضافة للقطاعين سالفي الذكر، يرى الباحث أن الدولة مطالبة بتوفير الحماية الاجتماعية للمواطنين، و"عدم تركهم لمصيرهم". ويتجلى استيعاب هذا الدرس بحسب المتحدث في قرار الإسراع في تعميم التغطية الصحية، وإعادة التفكير في نظام التعويض عن الشغل.
وقال ظريف، لـ"SNRTnews"، إنه لا أحد بعد هذه الجائحة سيقتنع بنموذج الذهاب بعيداً في الخوصصة، ذلك أن الدولة المغربية توجهت منذ أعوام إلى نوع من "الاستقالة" من أدوارها الاجتماعية، وأوكلت للخواص مزيداً من الأدوار في ذلك السياق. مما دفع "بعض المواطنين للتساؤل حتى عن جدوى وجود الدولة. لكن المجتمع والدولة نفسها أدركت الآن أن تدبير الأزمات لا يمكن أن يتم إلا عبر هذه الأخيرة".
البحث العلمي والتكنولوجي ليس ترفاً
الجائحة سمحت باكتشاف أولويات جديدة، لعل في طليعتها الاهتمام بتطوير البحث العلمي، يشدد ظريف، متفقاً مع الخلاصات التي خرج بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره الأخير حول "كوفيد-19".
ويرى ظريف إنه قبل تفشي الوباء، كان البحث العلمي يحظى بمرتبة دنيا على مستوى الميزانيات المرصودة. لكن ذلك تغير نسبياً الآن، إذ أشرف "المركز الوطني للبحث العلمي والتقني" على برنامج وطني لدعم البحث العلمي والتكنولوجي، المخصص للتصدي لجائحة "كوفيد-19"، بكلفة إجمالية بلغت 20 مليون درهم.
وفي سياق متصل، يرى الخبير أنه بات من الضروري الاهتمام بتكنولوجيات التواصل الحديثة، التي أبانت عن حيويتها في سياقات "العمل عن بعد" و"التباعد الاجتماعي".
مقالات ذات صلة
عالم
اقتصاد
اقتصاد