مجتمع
ما دور المدرسة والمُدرس لتجاوز إشكالية القيم ونقص المهارات؟
28/06/2021 - 11:43
يونس أباعليالندوة بحثت عن إجابات لمشاكل هيكلية أبرزتها لجنة النموذج التنموي، لذلك جمعت كلا من يوسف السعداني، عضو اللجنة، وغيثة القادري التي هي أيضا عضو في اللجنة وتشغل منصب المديرة العامة لمؤسسة "زاكورة" للتربية والابتكار الاجتماعي، إلى جانب عبد الرحمان لحلو، خبير في التربية ومدير عام للمركز الدولي لتكوين وإدماج وتطوير كفاءات الأساتذة.
تقول القادري إن اللجنة اعتمدت مقاربة تشاركية مع الجميع لتجاوز منطق التقديرات، من خلال الاستماع للفاعلين والطلاب والمفتشين التربويين والمدراء والآباء، لتجمع كل التصورات المختلفة حول النظام التعليمي ببلادنا، والذي يتفق الجميع على أنه يضمن تكافؤ الإدراك، تقول القادري، لهذا تحدث التقرير عن أزمة ثقة وهدف وتوجه عام.
بالنسبة للقادري لا تضمن المدرسة تكافؤ الفرص ولا تتيح للتلاميذ النجاح بنفس الطريقة، أي أن النظام التعليمي غير متكامل. أما مسألة الاستقلالية والمسؤولية فهما مرتبطتان بالرأسمال البشري والقدرة على الاستيعاب، وظهر ذلك من خلال إفادات التلاميذ والطلبة إذ يقولون إنهم لا يريدون أن تأتي إليهم الفرص بل يريدون أن تسمح لهم المدرسة بالوصول إليها من خلال استيعابهم الكفاءات والمهارات اللازمة لتشكيل مستقبلهم، وهذه الاستقلالية والمسؤولية تأتي من نظام تعليميي قوي، كما تخلص القادري.
ما الذي تشكله القيم في المدرسة المغربية؟
لفت السعداني في مداخلته إلى أن تقرير لجنة النموذج التنموي تساءل عن الهدف الذي تتوخاه المدرسة، خصوصا أن القيم محددة في الدستور المغربي بشكل تفصيلي (الإنسانية، المواطنة...) والمغرب يضم ثقافات عديدة ويجب على المدرسة التعبير عن هذا التنوع أمام التلاميذ.
لكن بالنسبة للسعداني يجب التركيز على مسألة لا يمكن إغفالها قبل الحديث عن القيم، هي مدى قدرة المدرسة على الإيصال باعتبارها مكانا للتعلم. لكن المدرسة المغربية لا تنقل المهارات الأساسية، لماذا؟ يجيب بأنه يجب أولا أن تضمن الوصول إلى مرحلة تعليم مفاهيم الصرامة والنجاح والتعلق برموز الأمة والصدق... وهذه أسئلة مهمة ومن صميم مهمة المدرسة.
هذا ليس تقليلا من أهمية القيم، يقول السعداني، لكن "يجب التركيز على الأساسيات المرتبطة بتعلم المهارات السلوكية والمدنية، وألا يجب الغوص في نقاش مجتمعي لأن مهمة المدرسة واضحة".
يقول عضو لجنة النموذج التنموي في مداخلته: "القيم لا يمكن قياسها بينما هذا النقاش يُقاس، وحتى مسألة التعلم والإدراك يمكن قياسها، فعندما نطرح سؤالا على تلميذ في سنته الابتدائية الأخيرة "أين ذهب علي؟"، يكون الجواب هو "ذهب علي إلى الحديقة"، أما معايير الصدق والتعلق برموز الأمة وغيرها لا يمكن قياسها لأنه إذا لم نصحح هذه الاستراتيجية في نقل المهارات الأساسية لن نتمكن من تحقيق أي هدف من أهداف نماذج التطور الجديدة".
ولإبراز أهمية هذا التحدي أشار إلى أن نصف الطلاب لا يتقنون المهارات الأساسية للتعلم كما توضح دراسات رسمية.
عبد الرحيم لحلو يتفق على أن المدرسة مكان للتعلم، لكن لا يتفق على عزلها مع القيم، فالأخيرة في نظره هي في حد ذاتها تعني التعلم المدرسي، والتعلم ليس هو العائلة والشارع، بل المدرسة، ويشرح أن القيم هي صفات أوسع مقارنة مع التعلم المعرفي.
يرفض لحو اختزال الأمر في ضرورة تعلم المهارات الأساسية في المدرسة قبل أي شيء آخر، إذ يركز على تحقيق الاستعداد للتعلم. ويستدل على ذلك بأن المقاربة الفرنسية في هذا المجال تجاوزت هذه القاعدة، لأن التعلم الأساسي لا يجب أن يكون معرفيا فقط، بل عبر رسم بروفايل للمتعلم يكون شموليا وأوسع، ويجب أن يكون المتعلم متواصلا واستقصائيا ومبتكرا.
عن هذه النقطة يقول لحلو: "نرى في المدراس العامة والخاصة كيف يتم منع التلميذ من المخاطرة، سواء الجسدية أو الفكرية، وبعد عشرين عاما نقول إن هناك غيابا للحس المقاولاتي عند الشاب المغربي". وانتقد أيضا غياب التشارك والعمل الجماعي في التعليم الأولي والأساسي، في حين أن هذه القيم تُسهل للطالب استيعاب التعلم المعرفي لأنه يكون مُوجَّها وبالتالي يكون متحمسا ويعتبر نفسه ليس مجرد مستمع.
لذلك يخلص خبير التربية والتكوين إلى أن الرهان الآن هو العمل على التحفيز على التعلم وليس فقط مراجعة البرامج البيداغوجية، مستدلا بالتجربة الإنجليزية القائمة على مراجعة البرامج وفق تقييم مدى تحقق الأهداف الموضوعة، وهي أهداف لا تتحقق بالكفاءة، وهذا ما بدأت تعتمد كندا أيضا.
إشكال المهارات الأساسية
في تعقيبه على ما يسجله لحلو، يشدد السعداني على أن تقرير النموذج التنموي ركز على ضرورة تحديد مستويات التعلم، وسجل أن دورات التعلم الحالية طويلة المدة (مرحلة الابتدائي في 6 سنوات) في وقت يجب تقييم طريقة التعلم وتقييم المهارات المكتسبة عير مرحلة وسطية.
ودعا السعداني إلى مراجعة البرامج بشكل يعطي حيزا مهما للأنشطة التنموية لخلق حياة مدرسية دينامية ونشطة.
من المهارات الأساسية التي يشدد السعداني التركيز عليها مثلا إجادة القراءة بسلاسة، وهو ما يفتقده كثيرون، إذ اعتبر أنها مفتاح لمهارات أخرى وسيتمكن التلميذ والطالب من تحقيق الاستقلالية والارتباط بالعالم وتذوق المعرفة. لذلك يعتبر هذه المهارة تحديا وطنيا.
دور المُدرس
هناك انهيار في الثقة بين المجتمع والمؤسسات التعليمية وهيئة التدريس، في نظر السعداني، عكس سنوات الستينات والسبعينات. ويشرح أنه في تلك الحقبة رغم غياب الحافز المالي إلا أن الاعتبار الاجتماعي لعب دوره جيدا، وهو ما خلق ثقة كبيرة بين هيئة التدريس والتلميذ وأسرته.
وهذا تحد أشار إليه تقرير النموذج التنموي، إذ أبرز السعداني أنه يجب تحقيق نهضة تربوية من خلال الاعتماد على ذاكرة المدرسة المغربية وأقطاب التميز التي مازالت موجودة وكذا الكفاءات، حتى يتم تنشيط أدائها من جديد وإعادة الثقة المفقودة.
هذا المبتغى يشدد على أنه يحتاج إلى برنامج تعليمي وإصلاح ضخم وبسرعة كبيرة، لأن العواقب تكون لها ارتدادات بحسبه. وهذا يعتمد بدرجة أولى على المؤسسة التعليمية، إذ أحال السعداني إلى بحث أنجزه خبير كندي أكد أن مناخ المدرسة يؤثر على القدرة على خلق جو ديناميكي وإيجابي في هيئة التدريس، مشددا على أن دور المدير غير كاف. وعلى هذا الأساس اقترح تقرير النموذج التنموي اعتماد طرق جديدة للتدريس بالاعتماد على منطق المهارات المعرفية والتجريب.
غيثة القادري ترفض ربط هيئة التدريس بالأجور، بل بالتكوين والتحفيز، حتى يصبح المعلم ضامنا للتعلم، وهنا تطرح السؤال كيف يمكن إنتاج فريق قادر على هذا لكي يتحمل مسؤوليته؟ وتسترسل قائلة إن النظام التعليمي لا يمكن أن يتجاوز مستوى المدرسين، إذ أشارت إلى أن هناك مشكلا في تدريب المُدرس، قبل أن تعود إلى ما قاله السعداني حول تحدي كيف يمكن توظيف المُدرس في النظام التدريسي وما هي ظروف عمله وبالتالي تحديد المسار التعليمي؟
كما لفتت إلى عائق آخر هو أن المدرس الشاب عندما يرتقي إلى السلم 11 تتوقف إرادته الوظيفية، فهذا في نظرها إشكال يجب التفكير فيه لكي يتم تشجيعه على الاستمرارية.
التكوين والتدريب وغياب الثقة.. أكبر المعيقات
مسألة الثقة في المعلم والمدرسة ظاهرة اجتماعية تنبع من الوعي واللاوعي الجماعي كما يقول عبد الرحمان لحلو، إذ أبرز أن هناك قطاعان عام وخاص تغيب عنهما الجوة والتكوين المطلوبين رغم أن الأمر يتعلق بمليون و200 ألف تلميذ ونحو 75 ألف مدرس.
كما لفت إلى أن من التداعيات السلبية لهذا بروز الهجرة من المدارس العامة إلى الخاصة، ومن الخاصة إلى البعثات الأجنبية، وهذا ما سيفرز مدرسة محطمة ومجتمعا ممزقا، في نظره.
لاستعادة الثقة يشدد لحلو على ضرورة تجديد هيئة التدريس وإعادة النظر في تكوينات المدرسين.
دور القطاع الخاص
بينما وقف لحو على ما اعتبره فوضى متعددة الأوجه في القطاع الخاص، مثلا من حيث المستوى التعليمي والأكاديمي للمدرسين الذي ركز عليه كثيرا، يشير السعداني إلى أن هناك هجرة من القطاع العام إلى الخاص منذ سنة 2000، إلى درجة أن المؤسسات الخاصة تمثل 50% في بعض المدن الكبرى. وقد لفت إلى أنه من حيث التكوين يُسجل أن المعلم في القطاع الخاص أقل من نظيره في القطاع العام، وهذا ما يتفق عليه لحلو أيضا.
السعداني يعتبر أن هذه الهجرة تعبير عن وجود أزمة الثقة في المدرسة العمومية، إلى جانب أنها أيضا ترتبط بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي للعائلات. غير أن مستقبل النظام التعليمي بالمغرب هو المدرسة العمومية، إذ قال "نحن واضحون في هذا، ويجب على القطاع الخاص أن يكون إلى جانب المدرسة العمومية، لأنه لا يمكن استبعادها".
ومن خلال التجارب الدولية في هذا الشأن، يوضح أن البلدان التي شهدت طفرة اقتصادية واجتماعية حقيقية تضمن المساواة تشهد نسبة أقل من حيث ولوج القطاع الخاص في المرحلة الأولية والابتدائية، إذ تكون كفة التعليم العمومي هي الراجحة، باستثناءات قليلة بسبب اعتبارات عرقية كبلجيكا وأستراليا وأمريكا اللاتينية.
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
مجتمع