اقتصاد
"مول الحانوت".. ملاذ الأسر موعود بتغطية اجتماعية
17/04/2021 - 22:38
مراد كراخييعتبر البقال أو "مول الحانوت" بالعامية المغربية، من العلامات المميزة في المجتمع المغربي، فدوره لا يقتصر فقط على الجانب الاقتصادي بتوفير المواد الغذائية والأساسية للأسر بالأحياء الشعبية والمداشر والقرى البعيدة، بل يتعداه ليلعب أدوارا اجتماعية طبعت التاريخ المغربي، وظهر ذلك جليا خلال الأزمة الوبائية التي تضرب المملكة.
ساهمت الأزمة الاقتصادية التي سببتها جائحة "كورونا"، في بروز الدور المحوري الذي يلعبه البقال "مول الحانوت"، فقد أشار كثيرون إلى مساهمته في نجاح فترة الحجر الصحي التي أقرتها المملكة، هذا بالإضافة إلى دوره الأساسي في النسيج الاقتصادي الوطني، على الرغم من الإكراهات التي تواجه هذه الفئة من المجتمع.
ويعتبر قطاع التجارة الداخلية، الذي يمثل التجار الصغار 81 في المائة من الفاعلين به، ثاني قطاع مشغّل في المغرب بعد القطاع الفلاحي، إذ يوفر 1,5 مليون منصب شغل.
"الكارني".. ملاذ الأسر المغربية
"حمادة"، صاحب محل للبقالة، أو "مول الحانوت" كما يسميه المغاربة، أكد أن هذه الفئة من التجار، تعتبر بمثابة ملاذ للأسر الفقيرة، سواء بالأحياء الشعبية للمدن، أو بالمداشر والقرى المنسية بالمملكة.
وأضاف "حمادة" الذي ورث هذه المهنة عن والده، في تصريح لـ"SNRTNews"، أن هامش ربحه من المواد التي يبيعها لا يتجاوز سبعة أو ثمانية بالمائة، وهو رهين بمبدأ العرض والطلب، موضحا أنه تأثر كثيرا من الناحية الاقتصادية خلال الجائحة، نظرا لعدم استطاعة الكثير من زبائنه تسديد ديونهم، والتي تراكمت إلى ثلاثة أشهر أو أربعة، بل إن بعضها فاقت السنة، كما أن القرة الشرائية للمواطنين تأثرت كثيرا خلال هذه الفترة.
وتابع المتحدث ذات، أنه عرّض سلامته الصحية رفقة أفراد أسرته للخطر خلال الجائحة، من خلال تواصله اليومي مع المواطنين، في عز الأزمة الصحية التي تعيشها المملكة.
وفي هذا الإطار، كشف محمد الذهبي، الكاتب العام للاتحاد العام للمقاولات والمهن، أن "مول الحانوت" يلعب دورا أساسيا داخل المجتمع المغربي، وهذا ليس وليد اليوم، بل عبر السنين، فهو ذلك الشخص الذي يساهم في السلم الاجتماعي، لأن دوره لا يقتصر على توفير المواد الغذائية والأساسية للمواطنين فقط، بل يتعدى ذلك ليصبح بمثابة البنك الذي يمنح قروضا صغيرة للمواطنين لقضاء حاجياتهم وتسديد فواتيرهم، وحتى لشراء المستلزمات الدراسية لأبنائهم، دون المطالبة بفائدة على ذلك.
وأضاف الذهبي، في تصريح لـ"SNRTNews"، أن كل هذه المعاملات تتم بواسطة دفتر يشمل أسماء الزبائن والمبلغ الذي يفترض أن يؤديه كل واحد منهم، يسمى باللغة العامية المغربية "الكارني"، ولا يتوفر البقال على أي ضمانة لاسترداد قيمة السلع التي يقتنيها منه الزبائن، أو القروض التي يمنحها لهم، فعلاقته معهم تقتصر فقط على عنصر "الثقة".
وخلال بحث أنجزته المندوبية السامية للتخطيط، حول تأثير كوفيد-19 على الالتزامات المالية للأسر، صرحت 19,7 في المائة من الأسر المغربية، بأنها لم تتمكن من تسديد ما في ذمتها تجاه البقالين.
جندي الخفاء الذي يظهر في الأزمات
عبد الحميد باهي، الكاتب الوطني لتجار التبغ والمواد الغذائية، والكاتب الإقليمي للاتحاد العام للمقاولات والمهن، قال إن "البقّالة" بالمغرب، كانوا دائما في الواجهة، ولعبوا أدوارا مهمة عبر تاريخ المملكة، ماديا ومعنويا، رغم كل الإكراهات التي يواجهونها، "فهذه المهنة استطاعت الصمود في وجه كل التغيرات التي عرفها المجتمع المغربي".
وكشف باهي، لـ"SNRTNews"، أن المغاربة، وخصوصا بالأحياء الشعبية للمدن، وسكان القرى، وقفوا خلال الأزمة الوبائية التي تعيشها المملكة، على الدور الأساسي للبقال، الذي كان من الجنود الذين واجهوا هذه الأزمة في الصفوف الأمامية، جنبا إلى جنب، مع القطاع الطبي، والأمن، وعمال النظافة، من خلال توفيره المواد الغذائية والحاجيات الأساسية للمواطنين، وحتى مواد التعقيم والكمامات الواقية، في عز الأزمة، معرضا بذلك سلامته للخطر.
وأضاف المتحدث ذاتة أن المغرب يتوفر على حوالي مليون و700 ألف نقطة للبيع، على الصعيد الوطني، يشكل البقالة منها ما يزيد عن المليون، حيث يوفر كل متجر فرصة أو فرصتي عمل.
وتابع باهي بأن هامش ربح البقال من المواد التي يوفرها للمواطنين يبقى ضعيفا بالموازاة مع الخدمات التي يقدمها، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية، موضحا أنه خلال ثلاثة أشهر من الحجر الصحي، التي عاشتها المملكة بسبب الجائحة، كان البقال بمثابة المنقذ لكثير من الأسر المغربية، التي تأزمت كثيرا بفعل توقف الاقتصاد وإغلاق الكثير من الشركات، من خلال إقراضهم الحاجيات الضرورية، حتى تسمح ظروفهم بدفع الديون، لدرجة أن "بعض الديون تراكمت لمدة ثلاثة أشهر"، ويكون الضامن الوحيد للبقال هو الثقة التي تجمعه بالزبائن.
ووفق بحث المندوبية السامية للتخطيط، حول تأثير كوفيد-19 على الالتزامات المالية للأسر، كشفت 33,9 في المائة من الأسر المشاركة في البحث أنها تفاوضت مع البقالين حول سداد ما في ذمتها تجاههم، بينما أكدت 22,3 في المائة من الأسر أنها تمكنت من التسديد بصعوبة، و24,1 في المائة صرحت بأنها سددت بدون صعوبة.
صديق الأسر المغربية
أفاد الدكتور محسن بنزاكور، أستاذ باحث في علم النفس الاجتماعي، أن البقال أو "مول الحانوت"، لعب دورا أساسيا وجوهريا في التاريخ المغربي، في ما يخص تقريب وسائل التموين للمواطنين، علما بأن هامش الربح البسيط الذي يحققه لم يمنحه مكانة مميزة داخل المجتمع، حيث عرف عند المغاربة بذلك الشخص البسيط، المنتمي لطبقة اجتماعية ضعيفة، وهذا ما أفصحت عنه العديد من المرويات الشعبية.
وقال بنزاكور، لـ"SNRTNews"، إنه قبل ظهور "الأسواق الممتازة"، كانت أغلب الأسر المغربية، تمتلك دفترا للقروض عند البقال، الذي يمنحها البضائع التي تحتاجها، ولا يتسلم ثمنا غالبا، إلا في آخر الشهر، مشيرا إلى أن هذه الخدمة يقدمها هذا الشخص لزبنائه دون أي ضمانة.
وحسب بنزاكور، فإن البقال، يلعب دورا متميزا على المستوى الاجتماعي، بالموازاة مع دوره الدور الاقتصادي، لكونه يحظى بمكانة خاصة لدى الأسر في المغرب، ويكون مطلعا على أغلب أسرارها، حيث تقصده للاقتراض عند الضرورة، وعنده يقوم أفراد الأسرة بترك مفاتيح البيت.
وتابع المتحدث ذاته، أن الدور الاجتماعي للبقال يظهر جليا، من خلال الثقة والمصداقية التي يحظى بها، عند غالبية الأسر المغربية، لدرجة أن بعض المقبلين على الزواج يقصدونه، للسؤال عن أخلاق العريس أو العروس في الحي أو المدشر الذي يوجد به.
وأضاف، أن هذه الفئة "المظلومة" اجتماعيا، استعادت شيئا ما، دورها خلال الأزمة الوبائية، من خلال مساهمتها في الحفاظ على التماسك الاجتماعي، وذلك بتمكين المواطنين من توفير حاجياتهم الأساسية، موضحا أن هؤلاء الأشخاص يعانون من التهميش إعلاميا، ولا يحظون بالإشادة المناسبة داخل المجتمع.
منافسة غير متكافئة
أصبحت الأسواق الممتازة التي تكاثرت بشكل متسارع بمدن المملكة، خلال السنوات الماضية، تشكل خطرا مباشرا على المحلات التجارية الصغيرة، وتهدد وجودها، بسبب المنافسة غير المتكافئة، من خلال توفريها لجميع المواد الغذائية والتجهيزية والخدماتية، بأسعار تفضيلية وخيارات متعددة.
وأدت هذه العوامل إلى زيادة أرباح الأسواق الممتازة الكبرى، في مقابل تراجع أرقام معاملات محلات البقالة بالمملكة، واشتكى عدد من التجار الصغار، في تصريحات لـ"SNRTNews"، من المنافسة الشرسة وغير المتكافئة للمتاجر الكبرى، والتي تنضاف إلى مشاكل الديون وتحصيلها من الزبائن.
وفي هذا الإطار، دعا الكاتب العام للاتحاد العام للمقاولات والمهن، إلى أنه حان الوقت لاتخاذ إجراءات واقعية، لحماية هذه الفئة، من خلال تطوير عمل البقال بإنشاء مراكز للشراء المشترك، بإنشاء تكتلات للبقالة لمنافسة الأسواق الممتازة، إضافة إلى "منع تشييد الأسواق الكبرى وسط المدن، كما هو الحال في الكثير من الدول".
ومن جانبه، قال عبد الحميد باهي أن البقال، خصوصا بالمدن الكبرى، أصبح في منافسة غير متكافئة، مع الأسواق الممتازة التي أصبحت تشكل تهديدا مباشرا وحقيقبا على وجوده، داعيا إلى اتخاذ تدابير وإجراءات عملية لتمكين هذه الفئة التي توفر آلاف فرص الشغل من الصمود.
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
مجتمع