إفريقيا
هل توظف الصين لقاحاتها ضد "كورونا" سياسيا؟
10/01/2021 - 17:35
مهدي حبشيينهي وزير خارجية الصين "وانغ يي" نهاية هذا الأسبوع جولته الإفريقية، دون أدنى إشارة ملموسة لتنفيذ تعهدات الصين بتوفير اللقاح للقارة السمراء، والتي تعول كثيراً على المساعدة الصينية لتلقيح شعوبها ضد وباء "كورونا"، يقول تحليل لشبكة "CNN" الأمريكية.
وكان الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أعلن قبل شهور أن مساعدة القارة الإفريقية على تجاوز أزمة "كورونا" يعد أولوية بالنسبة للصين، متعهداً بأن تكون القارة السمراء في طليعة المستفيدين من اللقاح الصيني. ومترجماً ذلك التوجه بهبات من الكمامات وأدوات الكشف عن الفيروس مع بعض التجهيزات الطبية، التي قدمتها الحكومة الصينية للدول الإفريقية.
لكن التحليل يرى أن الصين تراهن على "دبلوماسية اللقاح" لتطوير علاقاتها مع إفريقيا، باعتبار الأخيرة حليفاً حيوياً في الظروف الراهنة، بالنظر لقوتها التصويتية الحاسمة ضمن المنتظم الدولي، لاسيما بعدما تدهورت علاقات الصين مع الدول الغربية، جراء الحروب التجارية وقضايا حقوق الإنسان.
بالرغم من كل ذلك، وعلاوة على كون الصين قد لقحت بالفعل آلاف عمالها المتواجدين في إفريقيا منذ شهر يونيو الماضي، إلا أن جولة وزير الخارجية الصيني في إفريقيا لم تحمل أي جديد بخصوص الموعد الذي ينتظر أن يحصل فيه الأفارقة على اللقاح الموعود. وهو ما يدفع "غيود مور"، محلل سياسي بمركز التنمية الدولية ووزير ليبيري سابق، للجزم في أن "وعود الصين لإفريقيا بشأن اللقاح كانت كاذبة، ولا توجد دولة إفريقية لحد الآن استفادت من أي شحنة للقاح الصيني".
هواجس اقتصادية في زمن الجائحة؟
ولاحظ التحليل أن الدول الإفريقية التي زارها وانغ في 2021، وهي تانزانيا، السيشل، نيجيريا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، وبوتسوانا... سجلت أعداداً مُنخفضة من حالات الإصابة بـ"كورونا"، إلا أنها تأثرت اقتصادياً بالأزمة المتمخضة عنه. بحيث سقط معظمهما ضحية للركود الاقتصادي، وواجهت أزمة ديون غير مسبوقة. فزامبيا مثلاً، أصبحت أول دولة إفريقية تتأخر في سداد ديونها منذ عقد من الزمن، ذلك مؤشر مهم على هواجس الصين الإفريقية، إذ إن حوالي ربع ديون زامبيا الخارجية، البالغة 12 مليار دولار، تدين بها للصين التي رفضت في وقت سابق تخفيفها.
وفي نيجيريا، عقد الوزير وانغ اجتماعات مغلقة وقع على إثرها اتفاق لإنشاء لجنة دولية مشتركة. أما في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فقد أجّل سداد القروض الصينية بدون فوائد التي كانت مستحقة في نهاية عام 2020. فيما التزم في بوتسوانا بتعميق العلاقات بين البلدين، وناقش في جزر سيشيل استيراد المزيد من الأسماك من تلك الدولة.
واعتبر الوزير الليبيري السابق غيود مور، إن على الدول الإفريقية تحمل مسؤولية تقديم الطلبات من أجل اللقاح، وألا تعول على استلام اللقاحات مجانًا، سواء مباشرة من الصين أو عبر مخطط "COVAX" التابع لمنظمة الصحة العالمية، الذي يروم توفير اللقاحات لمن هم في أمس الحاجة إليها، والذي وقعت عليه بكين، لأن ذلك لن يمنح تلك الدول القدرة على التفاوض بشأن مواعيد التسليم.
كما أن خطة "COVAX" تعهدت بالعمل على تأمين جرعات كافية لحماية 20 في المائة من سكان إفريقيا لا أكثر في المرحلة الأولية، ما يعني أن على الدول الإفريقية النظر إلى خيارات بديلة، لا سيما أن القارة ستحتاج إلى 1,5 مليار جرعة من اللقاح لتطعيم 60 في المائة من سكانها قصد تحقيق مناعة القطيع.
الطرفان يحتاجان لبعضها البعض
أهمية القارة السمراء بالنسبة للصين شرعت في التنامي منذ بداية الحرب التجارية بينها وبين الولايات المتحدة، علاوة على المشاكل السياسية التي تشوب علاقاتها بالمملكة المتحدة وكندا بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان في هونغ كونغ.
تشنج العلاقات بالعالم الغربي، يجعل من الدولة الإفريقية حليفاً دبلوماسيا مهما للصين في المنتديات الدولية على وجه الخصوص، إذ من شأن أصوات الأفارقة أن تدعم المرشحين الصينيين للظفر بهيئات الأمم المتحدة. فالصين لم تكن لتنال مثلاً منصب المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة عام 2019، لولا أصوات القارة الإفريقية التي يبلغ عددها 54 صوتاً، وهو رقم وازن يؤكد محللون.
لا ينفي التحليل أن الدول الإفريقية في حاجة ماسة للقاح، وإلى اللقاح الصيني على وجه الخصوص، بالنظر لخصائصه التي لن تتطلب إمكانات لوجستيكية متطورة لحفظه. وليس الهاجس الصحي هو أكثر ما يؤرق بال الأفارقة، بل ذلك الاقتصادي، لأن العالم سيسير عما قريب بسرعتين. فالدول الغربية المتقدمة ستفتح أبوابها وترجع للحياة الاعتيادية بعد التلقيح، فيما ستجد الدول النامية، الإفريقية في طليعتها، نفسها أمام أبواب مغلقة نظراً لتأخر ذلك.
لكن التحليل يؤكد في الوقت نفسه أن مساعدة إفريقيا في مجال التلقيح حاجةٌ صينية؛ "لكون الأخيرة طامحة إلى تحسين صورتها دولياً من جهة، ومن جهة أخرى لتوسيع حصتها من سوق اللقاحات، وبالتالي فإن اللقاح سيشكل أداة لتوسيع النفوذ السياسي، خصوصاً في الدول التي تتوفر فيها الصين على مصالح استراتيجية كبرى".
"في حال لم تلتزم الصين بذلك، فإنه سيصبح من الصعب عليها أن تروج خطاب مشاركة 'الحلوة والمرة مع إخوتها الأفارقة'"، الذي لطالما تغنت به، وشكل رافعة أساسية للعلاقات الاقتصادية والسياسية المزدهرة بين الطرفين.
مقالات ذات صلة
مجتمع
عالم
إفريقيا