اقتصاد
هل يمكن "هيكلة" القطاع غير المهيكل بالمغرب؟
13/02/2021 - 18:00
وئام فراجهناك من يسميه بـ"الاقتصاد الأسود"، وآخرون يفضلون تسميته "الاقتصاد الموازي". تتعدد أسماؤه والواقع واحد. قطاع عشوائي تجد فيه العديد من الأسر الفقيرة ضالتها لكسب لقمة العيش، لكن أحيانا تكون هذه اللقمة على حساب حقها في الحياة، مثلما حدث في فاجعة طنجة الأخيرة. فهل آن الأوان لـ"هيكلة" القطاع غير المهيكل وتوفير بدائل تحفظ كرامة العاملين وتقوي الاقتصاد الوطني؟
الاقتصاد الرأسمالي في حاجة للقطاع غير المهيكل
في دراسة حديثة لبنك المغرب، حول "قياس وتطور الاقتصاد غير المهيكل في المغرب"، تم تقدير وزن هذا الاقتصاد بالمملكة، بأقل من 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام، بعدما كان يمثل حوالي 40 في المائة ما بين سنتي 1988 و1998، لينخفض بعد ذلك إلى ما بين 32 و34 في المائة في الفترة الممتدة من سنة 1999 إلى 2008. كما قدر مسح سابق للمندوبية السامية للتخطيط عدد العاملين في هذا القطاع بحوالي 2,5 مليون عامل.
ويرى الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي أن الأرقام الرسمية المقدمة حول حجم القطاع غير المهيكل في المغرب تختلف من جهة لأخرى، نظرا لكونه يشتمل على عدة قطاعات متداخلة، مبرزا أن أرقام المنظمات الدولية تفيد بأن القطاع غير المهيكل يصل إلى 80 في المائة.
وصنف أقصبي، في حديثه مع "SNRTnews"، القطاع غير المهيكل إلى ثلاثة أصناف؛ وهي قطاع خفي، الذي لا تشمله الإحصائيات ويعمل بشكل غير واضح دون احترام للقانون، وقطاع بوجه قانوني ظاهر، لكن يمارس أنشطة خفية موازية، ثم الثالث وهو القطاع الخارج عن القانون بشكل كامل مثل تهريب السلع وغيرها.
وأشار أقصبي إلى أن 80 في المائة من العاملين في القطاع غير المهيكل يصنفون ضمن اقتصاد العيش، عبر ممارسة أنشطة معيشية بسيطة من قبيل الباعة الجائلين، والذين يفترشون الأرصفة.
وحول إمكانية تقنين هذا القطاع أو إلغائه بشكل كلي، أوضح الخبير الاقتصادي أن وجود القطاع غير المهيكل شرط أساسي في تراكم الأرباح في الاقتصاد الرأسمالي، مشيرا إلى وجود علاقة جدلية بين النظام الاقتصادي القائم، أو ما يسمى باقتصاد السوق، وبين القطاع غير المهيكل.
وأبرز المتحدث ذاته أن الاقتصاد الرأسمالي في حاجة مستمرة لليد العاملة التي تشتغل في هذا القطاع بأثمنة زهيدة لا تصل إلى الحد الأدنى للأجور، ودون توفير أي حماية اجتماعية، موضحا أن وجود اليد العاملة بوفرة يساعد على مراكمة الأرباح بأقل تكلفة.
وبهذا يعتبر الخبير الاقتصادي أن الاستغناء عن القطاع غير المهيكل صعب في الوقت الراهن، باعتباره جزءا لا يتجزأ من النظام القائم، وشرطا لازدهار الرأسمالية، وفق تعبيره.
فيما يؤكد أن وجود إرادة سياسية حقيقية، سيمكن من دمج هذا القطاع تدريجيا في القطاع المهيكل، عبر تنظيمه والحفاظ على حقوق المستخدمين، وفرض احترام القانون، مشيرا إلى أن هذا الهدف يتطلب سياسة ذات مصداقية، والبدء بتطبيق القانون من طرف أرباب العمل والشركات الكبرى "التي تشغل فئة عريضة من العمال دون عقود، أو تغطية صحية".
كما شدد أقصبي على ضرورة تحفيز العاملين في القطاع غير المهيكل للانتقال إلى القطاع المنظم، عبر خلق مبادرات جادة، تظهر مدى استفادتهم من هيكلة القطاع.
اقتصاد أسود
من جهته، يرى الخبير المالي والاقتصادي الطيب أعيس أن جائحة فيروس "كورونا" أظهرت حقيقة وحجم القطاع غير المهيكل بالمغرب، الذي يشكل نسبة أكبر من القطاع المهيكل، وفق تعبيره.
وأوضح أعيس، في تصريح لـ"SNRTnews"، أن الإعانات الممنوحة في إطار صندوق تدبير جائحة "كورونا"، كشفت عن استفادة خمسة ملايين ونصف مغربي يعيشون من هذا القطاع، "ناهيك عن باقي الأشخاص الذين لم يستفيدوا من الدعم".
ورغم تشغيل القطاع غير المهيكل لنسبة كبيرة من اليد العاملة بالمغرب، إلا أنه، وفق المحلل الاقتصادي، يشكل عدة مخاطر على مستوى الحماية الاجتماعية للعاملين، فضلا عن كونه لا يرتقي بالاقتصاد الوطني عبر عدم مساهمته في الضرائب.
كما تطرق المتحدث ذاته إلى إشكال المنافسة غير الشريفة التي يطرحها القطاع، من خلال عرض منتوجات وسلع بأثمنة رخيصة مقارنة بالمقاولات المهيكلة، الشيء الذي يضعف الاقتصاد الوطني ويجعل بعض الشركات تضطر للتقليل من جودة منتوجاتها من أجل مواكبة السوق السوداء.
وبالإشارة إلى ما حدث في مصنع طنجة الذي كان يشتغل بشكل غير قانوني، أوضح أعيس أن هذا الحادث المأساوي لن يكون الأخير، نظرا لوجود مصانع غير مرخصة في عدة مدن مغربية، واستمرار عشوائية القطاع غير المهيكل.
بدائل واقعية
يجمع العديد من المراقبين للشأن الاقتصادي المغربي على صعوبة التخلي عن القطاع غير المهيكل، لكونه يشغل عددا كبيرا من اليد العاملة، في حين يعتبرون أن وجود سياسية حقيقة للحد من عشوائية القطاع كفيل بتقنينه.
وفي هذا الإطار يشدد الطيب أعيس على ضرورة خلق بدائل واقعية للعاملين في القطاع غير المهيكل، وتسهيل عملية تطبيقها، منوها ببرنامج "انطلاقة" الذي أطلقته وزارة الاقتصاد والمالية السنة الماضية، والذي يروم دعم وتمويل المقاولات الصغيرة في المغرب، وتعزيز الادماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب.
وأشار المتحدث ذاته في هذا الإطار إلى أن برنامج انطلاقة يضمن للأشخاص العاملين في القطاع غير المهيكل، الاستفادة من القروض البنكية من أجل تشجيعهم على إطلاق مشاريعهم بفوائد منخفضة.
بدوره، أكد الاتحاد العام لمقاولات المغرب أن إدماج القطاع غير المهيكل يعد ضمن أولويات اشتغاله خلال السنة الجارية، مشيرا إلى أنه اقترح على الحكومة عدة توصيات لتقليص حجم هذا القطاع.
وأبرز الاتحاد، خلال اجتماع مجلسه الإداري، يوم الخميس 11 فبراير 2021، أن القطاع غير المهيكل يؤثر على الاقتصاد الوطني بشكل كبير، ويضيع على الدولة مداخيل ضريبية مهمة سنويا، فضلا عن كونه لا يوفر ظروفا لائقة للعاملين فيه.
وقال شكيب لعلج، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، إن تداعيات هذا القطاع، ستتفاقم في حال لم يتم التعجيل بتنفيذ إجراءات ملموسة وشجاعة، تتمثل أساسا في تعميم التغطية الاجتماعية.
كما أعرب الاتحاد عن استعداده لإحداث لجنة "TASK FORCE"، للعمل مع الدولة حول موضوع القطاع غير المهيكل، مشددا على ضرورة تضافر جهود جميع المتدخلين من أجل اتخاذ خطوات تعمل على إدماج القطاع غير المهيكل في الاقتصاد الرسمي على مدى أربع أو خمس سنوات.
أما في ما يتعلق بالوحدات الصناعية غير القانونية، أكد المتحدث ذاته، أنه من الصعب إغلاق هذه الوحدات غير المهيكلة بين عشية وضحاها، دون توفير فرص عمل للعاملين فيها، مشيرا في المقابل إلى أن مواجهة القطاع غير المهيكل تحتاج إلى وقت، قصد إدماجه ضمن القطاع المهيكل بشكل تدريجي.
مقالات ذات صلة
اقتصاد
مجتمع
مجتمع