مجتمع
الماء .. إكراهات توفير العرض وتدبير الطلب
02/05/2023 - 09:07
مراد كراخيوسبق لجلالة الملك محمد السادس أن أكد في خطاب سامي بالبرلمان، يوم 14 أكتوبر 2022، على ضرورة اعتماد اختيارات مستدامة ومتكاملة في قطاع الماء، من خلال إطلاق برامج ومبادرات أكثر طموحا، واستثمار الابتكارات والتكنولوجيات الحديثة، وشدد جلالته على ضرورة إعطاء عناية خاصة لترشيد استغلال المياه الجوفية، والحفاظ على الفرشات المائية، من خلال التصدي لظاهرة الضخ غير القانوني، والآبار العشوائية، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التكلفة الحقيقية للموارد المائية.
ورغم الإنجازات التي حققها المغرب في قطاع الماء عبر الطاقة التخزينية التي توفرها السدود، لا زال هذا القطاع يواجه عدة تحديات على مستوى انخفاض الواردات، والتغيرات المناخية، وعدم التثمين الأمثل لهذه الثروة، مما يستوجب اعتماد حلول جديدة بعيدة عن الطرق الكلاسيكية، خصوصا في القطاع الفلاحي الذي يعد أكبر مستهلك للمياه.
القطاع الفلاحي.. حان وقت التغيير
ويأتي المغرب ضمن العشرين دولة التي تصنف عالميا في وضعية "إجهاد"، حيث يتوفر المغرب في السنة العادية على موارد مائية تقدر بنحو 22 مليار متر مكعب أي ما يناهز 650 مترا مكعبا لكل فرد حاليا.
وأشار البنك الدولي في تقرير صادر عنه، يوم الخميس السابع والعشرين من أبريل الجاري، حول الماء بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفرقيا، إلى أن المغرب من بين الدول التي تحاول إدارة الموارد المائية الشحيحة من خلال تنظيم كمية المياه التي يمكن استخراجها، مبرزا أن تنزيل إجراءات عملية على أرض الواقع يُصبح أكثر صعوبة على مستوى القطاع الفلاحي.
وأفاد البنك الدولي، في تقريره أن الفلاحين في المغرب "يتجاهلون الأنظمة العامة، لأنهم يرون أنه ينبغي للدولة تقييد استخدامهم للمياه، ويعتقدون أنه لا أحد من جيرانهم من أفراد المجتمع المحلي يتبع القواعد".
وكانت رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، زينت العدوي، لاحظت في في كلمة خلال حلولها بجلسة عامة للبرلمان بغرفتيه في العام الماضي، أن الإطار المؤسساتي يشجع على تفعيل آليات الترابط والالتقائية بين قطاعات الماء والطاقة والفلاحة، إلا أن تدبير هذه المكونات الثلاثة لازال يتسم بمقاربة قطاعية بدل منطق اندماج المجالات الترابية والتنسيق بينه، تؤكد رئيس المجلس الأعلى للحسابات.
واتخذ المغرب مجموعة من التدابير لترشيد استهلاك المياه في القطاع الفلاحي منذ العام الماضي، من بينها منع الزراعات المستنزفة للمياه في المناطق التي تعاني الخصاص، مثل البطيخ الأحمر والأفوكادو، وتشديد المراقبة على حفر الآبار والأثقاب المائية، إضافة إلى تشجيع استعمال تقنيات الري الحديثة.
وأفاد الناطق الرسمي باسم الحكومة، الخميس 27 أبريل 2023، بأن الإجراءات المعتمدة في القطاع الفلاحي ساهمت في تخفيض حصة المياه المخصصة للري بحوالي 80 بالمائة خلال السنة الماضية، إذ تقلصت من 6 ملايير متر مكعب إلى مليار متر مكعب.
وفي هذا السياق، يرى محمد جليل، مهندس دولة وخبير في الموارد المائية والمناخ، أن الدولة مدعوة لاتخاذ تدابير أكثر حسما في مجال تدبير الماء خصوصا على مستوى القطاع الفلاحي، مشيرا إلى وجوب تعديل سياساتها لتتماشى مع الوضعية الراهنة التي تتميز بشح كبير في هذه المادة الحيوية، وعلى رأسها مخطط "الجيل الأخضر".
وأوضح جليل، في تصريح لـSNRTnews، أنه يجب المرور إلى فرض استعمال التقنيات الحديثة في مجال الري من أجل الاستغلال المعقلن للمياه، وعلى رأسها تعميم نظام السقي بالتنقيط، إضافة إلى وجوب تقييم كلفة للماء من أجل فرض مبالغ ماليه على الفلاحات المعدة للتصدير.
وقت المياه غير العادية
قال محمد جليل أن الوضعية الراهنة لقطاع الماء بالمغرب تفرض اعتماد طرق حديثة في توفير هذه المادة الحيوية مشيرا إلى وجوب عدم الاقتصار على الآليات الكلاسيكية مثل تشييد السدود، والانتقال إلى سياسة مائية جديدة أساسها تكثير العرض وتدبير الطلب.
وأوضح الخبير في الموارد المائية والمناخ أن تكثير العرض المائي يفرض الاعتماد على المياه غير العادية؛ والمتمثلة في تحلية مياه البحر عن طريق زيادة عدد المحطات المخصصة لهذا الغرض، ومعالجة المياه العادمة، وحصاد مياه الأمطار؛ داعيا إلى إيجاد طرق لتجميع الكميات الكبيرة من مياه الأمطار التي تسقط بالمدن.
ووفق معطيات حصل عليها SNRTnews من وزارة التجهيز والماء، فإن القدرة الإنتاجية لمجموع محطات تحلية مياه البحر المنجزة بالمغرب تبلغ حوالي147 مليون متر مكعب في السنة على الصعيد الوطني، بالإضافة إلى 8 محطات تحلية للمياه الأجاجة بقدرة إنتاجية إجمالية تبلغ حوالي 37 مليون متر مكعب في السنة، كما تم إعطاء الانطلاقة لعدة مشاريع أخرى تهم محطات تحلية مياه البحر بعدة مناطق في المملكة.
وبالنسبة لتدبير الطلب من المياه، أفاد محمد جليل بضرورة اتخاذ تدابير عملية من قبيل إعادة هيكلة البنية التحتية للتوزيع كإصلاح قنوات توزيع المياه خصوصا بالقطاع الفلاحي والتي يعرف كثير منها رشوحات تتسبب في ضياع كميات كبيرة من المياه، واتخاذ تدابير قانونية أكثر صرامة لردع الاستعمال الجائر للمياه، سواء بالمدن أو بالقطاعين الصناعي والفلاحي.
ومن الحلول المعتمدة لتدبير قطاع الماء تبرز مشاريع "الطرق السيارة للماء" التي يتم بموجبها تحويل الماء من منطقة إلى أخرى لتغطية الخصاص، حيث أطلق المغرب مشروعا لربط "حوض سبو" بـ"حوض أبي رقراق" بهدف تأمين تزويد المياه الصالحة للشرب لمحور الرباط-الدار البيضاء وكذا مراكش بطريقة غير مباشرة، وذلك من خلال تجهيز 66,5 كلم من أنابيب النقل الفولاذية وإنشاء محطتي ضخ.
مقالات ذات صلة
مجتمع
اقتصاد
اقتصاد
سياسة