اقتصاد
الإنتاجية والأجور والعمل غير المؤهل .. معيقات أمام تطور التشغيل
31/05/2023 - 20:31
وئام فراج
يراهن النموذج التنموي الجديد على تقليص نسبة الشغل في القطاع غير المهيكل إلى 20 في المائة، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 45 في المائة عوض 22 في المائة حاليا. إلا أن هذا الطموح مازال بعيدا، وفق ما كشفت عنه أرقام المندوبية السامية للتخطيط.
يظهر "الحساب التابع للشغل" الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط أن الاقتصاد الوطني مازال يواجه مشكلا حقيقيا في خلق مناصب شغل مؤهلة، وذلك في وقت يستحوذ فيه القطاع غير المهيكل على النسبة الأكبر من التشغيل.
67,6 في المائة من مناصب العمل غير مهيكلة
ويشكل تراجع نمو الإنتاجية التحدي الرئيسي الذي يواجه التطور الاقتصادي للبلاد، وفق ما أكده المندوب السامي للتخطيط أحمد لحليمي، في ندوة صحفية عقدها الثلاثاء 30 ماي 2023 لتقديم خلاصات الحساب التابع للشغل الذي أنجزته المندوبية بشراكة مع منظمة العمل الدولية.
وأبرز أن هذا التراجع، الناجم عن التحولات الهيكلية البطيئة والاندماج المحدود للقطاع الصناعي وإعادة توزيع غير فعال للعمل في سوق الشغل، يتسبب في تباطؤ النمو الممكن لاقتصاد البلاد.
وأوضح لحلمي أن الحساب التابع للشغل يأتي في إطار هذه التحديات لتكملة البيانات التي تنتجها المندوبية السامية للتخطيط حول سوق الشغل، حيث تؤكد نتائج هذا الحساب هيمنة العمل المنخفض الأجر، ذي المهارات الضعيفة، وغير اللائق. كما تؤكد أيضا المساهمة الضعيفة للنساء في سوق الشغل.
ويستحوذ القطاع الفلاحي وقطاع التجارة والبناء على أكثر من 63 في المائة من العاملين، وفق النتائج التي توصلت إليها المندوبية، معتبرة هذه النسبة هائلة بالنظر إلى باقي القطاعات مثل الصناعة التي لا تشكل حصتها في التشغيل حتى 1 في المائة.
وأوضحت أن هيمنة العاملين غير المؤهلين تختلف من قطاع إلى آخر، بحيث لاحظت أن الفلاحة تستحوذ على الأعمال غير المؤهلة بنسبة تفوق 90 في المائة، تليها التجارة بـ80,8 في المائة. وتوصلت المندوبية السامية للتخطيط إلى أن 67,6 في المائة من مناصب العمل في المغرب غير ميهلكة.
ويختلف الأمر بالنسبة للإدارات العمومية حيث تتوفر على عاملين مؤهلين بالدرجة الأولى، فيما أغلب العاملين في قطاع المقاولات غير مؤهلين بنسبة 85 في المائة.
وفي ما يتعلق بباقي القطاعات التي تُشغل أكثر في القطاع غير المهيكل، تشير أرقام المندوبية إلى أن التجارة تحتل الصدارة أيضا بنسبة 47 في المائة تليها الصناعة بنسبة 17 في المائة والخدمات بنسبة 13 في المائة ثم البناء بنسبة 11 في المائة، مؤكدة أن أغلب الأنشطة التي تتم مزاولتها بشكل غير مهيكل تتعدى الساعات القانونية للعمل دون أي زيادة في الأجر.
ضعف حضور النساء
وأكدت المندوبية، في عرض قدمته بمناسبة عرض نتائج الحساب التابع للشغل 2014، أن القطاع غير المهيكل يخلق 70 في المائة من مناصب الشغل غير المؤهلة مقابل 29 في المائة من هذه المناصب يخلقها القطاع المهيكل.
ويرنو النموذج إلى الانتقال إلى مستوى جديد من نمو الناتج الداخلي الخام، حيث يتوقع نسبة 6 في المائة كمعدل اعتبارا من 2025، قبل الانتقال إلى 7 في المائة اعتبارا من 2030، علما أن ذلك المعدل لم يتعد 3 في المائة في الأعوام الأخيرة، بما لذلك من تأثير على ضعف فرص العمل المحدثة.
وعلى مستوى تشغيل النساء، أبرزت المندوبية أن نسبة النساء في ميدان الشغل مازالت ضعيفة وبعيدة عن المساواة المنشودة؛ إذ تصل إلى 29,7 في المائة فقط، مبرزة أن هؤلاء النساء عندما يلجن إلى سوق الشغل غالبا ما يشتغلن في القطاعات الأكثر هشاشة.
وسجلت أن نسبة عمل النساء مرتفعة في القطاعات الإنتاجية الضعيفة ذات الأجور الهزيلة وساعات العمل الطويلة جدا، مشيرة إلى أن الفلاحة تستحوذ دائما على نسبة كبيرة من المناصب غير المؤهلة (100 في المائة)، كما تشتغل النساء في مناصب غير مؤهلة في التجارة.
وتؤدي هيمنة العمالة غير المنظمة إلى تفاوتات كبيرة على مستوى عدد ساعات العمل والأجور والإنتاجية، حيث يشتغل العاملون غير المنظمين في المتوسط السنوي 145 ساعة أكثر من نظرائهم المنظمين، بينما يحصلون على أجر متوسط أقل بخمسة أضعاف. بالإضافة إلى ذلك، من حيث الإنتاجية الظاهرة للعمل، تظل إنتاجية العاملين المنظمين أعلى 3,7 مرة من إنتاجية العاملين غير المنظمين.
أجور ضعيفة
وعلى مستوى الأجور، تظهر نتائج الحساب التابع للشغل أن متوسط الأجور على المستوى الوطني يبلغ حوالي 750 ألف درهم، إلا أنه يختلف حسب القطاعات الإنتاجية.
ونتيجة لهذا التوزيع للعمالة وهذه الفوارق في الإنتاجية، تفيد معطيات المندوبية بأن توزيع الأجور أصبح أكثر فأكثر تباينا. حيث إن الأجر المتوسط للعامل في قطاع الفلاحة يقل بنسبة 60 في المائة عن متوسط الأجور في قطاعات الصناعة، والخدمات ذات القيمة المضافة المنخفضة، ويقل بنسبة 77 في المائة عن الأجور في الخدمات ذات القيمة المضافة العالية.
وتقصد المندوبية بعبارة "الخدمات ذات القيمة المضافة المنخفضة" فروع التجارة والنقل والفنادق، فيما تقصد بـ"الخدمات ذات القيمة المضافة العالية" فروع الأنشطة المالية والعقارية والمعلومات والاتصالات والبحث والتطوير والتعليم والصحة وغيرها من الخدمات.
كما يكشف تطور الأجور في علاقته بالإنتاجية، عن تباطؤ نمو الإنتاجية، حيث ارتفعت بنسبة 1,9 في المائة بين سنتي 2014 و2019، دون أن يصاحبها تحسن في متوسط الأجور الحقيقية التي تدهورت على العكس من ذلك بنحو 0,88 في المائة، ما يوضح وفق المندوبية تراجع القدرة الشرائية للأشخاص والذي يعتبر العنصر الأساسي في التنمية الاقتصادية.
من جهة أخرى، لاحظت المندوبية أن قطاع الفلاحة والصيد هو المهيمن من حيث ارتفاع الإنتاجية وتراجع الأجور، بحيث ارتفعت الإنتاجية بـ4,4 في المائة وتراجعت الأجور بـ1,7 في المائة، يليه قطاع الصناعة الذي ارتفعت فيه الإنتاجية بـ1,1 في المائة مقارنة بتراجع الأجور إلى 0,5 في المائة.
ولفتت إلى أن موضوع الإنتاجية والأجور يستدعي أبحاثا أخرى لمعرفة طرق تصحيح هذا الوضع وكيف يمكن للأجراء أن يستفيدوا من قيمة عملهم والقيمة المضافة.
صناعة متوسطة
وفي ظل هذا الوضع، الذي وصفه المندوب السامي للتخطيط بأنه تراجع مبكر عن التصنيع، يتساءل لحليمي عن دور الصناعة التحويلية في خلق فرص الشغل ودورها كرافعة للنمو المستدام، مبرزا أن بيانات العمالة تعكس أعراض تراجع قطاع الصناعة من خلال حصته المنخفضة من إجمالي العمالة والمقدرة بـ11 في المائة، وحصته في القيمة المضافة البالغة 22 في المائة.
وشدد لحليمي على ضرورة "تمكن الاقتصاد الوطني من زيادة الإنتاجية وخلق فرص شغل مهمة والتي تظل رهينة بنجاح التحولات الهيكلية الهادفة لإنشاء صناعة متوسطة الإنتاجية وأكثر اندماجا في الاقتصاد المحلي، وكذلك بخلق بيئة ملائمة لتحسين النمو والقدرة التنافسية للشركات المنظمة الصغيرة والمتوسطة، مما سيمكن الاقتصاد الوطني ليس فقط من تقليص حجم الاقتصاد غير المهيكل، ولكن أيضا من تثمين العمل وتكثيف المؤهلات عن طريق التعلم من خلال الممارسة، وتوزيع العمل بشكل أمثل".
ويعد الحساب التابع للشغل عبارة عن إطار متجانس لجمع وعرض كل المتغيرات الخاصة بسوق الشغل، ويمكن هذا الحساب، باستخدام مقاربة أكثر تفصيلا، من الحصول على مؤشرات جديدة حول الشغل تتعلق بعدد الأشخاص بدوام كامل، والوقت المستخدم في عملية الإنتاج، والأجور التي يتلقونها مقابل قوة العمل.
كما توفر بيانات الحساب التابع للشغل تفصيلا يسمح بتحليل بنية عامل الشغل حسب فرع النشاط والقطاع المؤسساتي والحالة في المهنة والجنس والفئة السوسيومهنية.

مقالات ذات صلة
اقتصاد
اقتصاد
سياسة
اقتصاد