مجتمع
الحوز .. عيون مبتهجة بالعيون وقلوب تستعجل الغيث
29/01/2024 - 10:22
مصطفى أزوكاح«أداغ دي يرحم ربي». ذلك تضرع بالكاد سمع ممن كان يخاطبهم. ردده عدة مرات بصوت خفيض وهو يجيل بصره بين سفح الجبل وقمة توبقال.
على غير العادة مازال يعرض عصير الليمون والمياه المعدنية، على من يعبرون الطريق الدائرية الجديدة غير المعبدة تماما التي شقت من تماترت إلى إمليل عبر قرية أرمد.
عين على السماء
عند محله الذي ارتجله هناك يتوقف العابرون بسياراتهم، كي يلقوا نظرة بانورامية على قرية إمليل والدواوير المحيطة بها أو كي يلتقطوا صورا أمام الشلال الذي يكون عادة قبلة للناس إلى غاية نهاية شهر شتنبر.
كان يفترض أن يغادر ذلك المكان في أكتوبر عندما تشرع درجات الحرارة في الانخفاض ويبدأ موسم الأمطار والثلوج هناك، كي يعود إليه في فصل الربيع، لكن انحباس الأمطار والثلوج والحرارة المرتفعة أتاحا له مواصلة نشاطه التجاري إلى غاية يناير.
انحبس المطر والثلج. بوادر الجفاف تلوح في الأفق. يعيش الناس بإمليل على وقع الانتظار. كل صباح يلقون نظرة متفحصة على الغيوم وزرقة السماء. تتعلق قلوبهم بتلك الغيوم لكنها تمر بسرعة.
تستبد الأحزان بالنفوس، وتقرأ بسهولة تامة في وجوه الناس علامات الأسى، لكنهم يتمسكون بالأمل، كما يقول حسن إدحم، الذي فرضت عليه ظروف العمل السكن بمراكش، لكنه منشغل بأحوال الطقس وأحوال أهلها في إمليل والدواوير المجاورة.
الناس هنا في منطقة إمليل والدواوير المجاورة بالأطلس الكبير بمنطقة الحوز لا يملكون سوى مراقبة السماء عل الغيوم تستحيل إلى أمطار، قبل أن يستقر نظرهم على قمة سلسلة توبقال التي لم يغطها البياض هذا العام.
ذاكرة متفائلة
يعودون بذاكرتهم إلى الموسم الفلاحي الماضي، الذي تمدهم تفاصيل أحوال الطقس فيه ببعض الأمل. يعقدون مقارنات كي يخلصوا إلى أن الثلوج لم تأت إلا منتصف فبراير من العام الماضي.
هذا حال المزارع عبد العزيز بنبراهيم. فكما آخرين، يمني النفس بأن تتساقط الثلوج في الأسابيع المقبلة. يتذكر ما حدث في العامين الماضيين، حين غطت الثلوج القمة في شهر فبراير.
كانت تلك الثلوج قليلة، يخشى ذوبانها بفعل درجات الحرارة في أبريل أو ماي في العام الماضي، لكنها كان ترسخ في النفوس نوعا من الاطمئنان حول مخزون المياه في الصيف.
جرت العادة على أن تؤمن تلك الثلوج عبر الأنهار والعيون مياه السقي والشرب لساكنة تلك المنطقة، التي تعول في معاشها على الأشجار المثمرة التي عوضت في العقدين الأخيرين الشعير والذرة.
عرفت المنطقة بأشجار الجوز التي كانت تطرح فاكهتها في شهر شتنبر من كل عام. تلك أشجار خبرت الساكنة منذ مئات السنين صمودها في مواجهة الجفاف.
غير أن ارتهان الساكنة لشجر الجوز بدأ يخف في العقدين الأخيرين، بعدما أقبل المزارعون على شجر الكرز والتفاح. تلكما فاكهتان تحتاجان إلى السقي بمياه الوديان، قبل الجني في شهر ماي من كل عام.
ثقل الانتظار على النفوس تستقرئه في الآهات والدعوات المتكررة والنظرات الفاترة. يلاحظ حسن إدحم أن "انعكاس الطبيعة على نفسية الإنسان حقيقة لا يمكن تجاوزها، سواء حينما تقسو الطبيعة أو حينما تجود بالخيرات".
يقول حسن إدحم "إذا كان لكل بلدة وكل مدينة معالمها وفترات ازدهارها وانحدارها، وتلك الفترات التي عليها تُعوِّل لكي تقوى وتستمر، فإن لإمليل شتاؤها الذي فيه تُكسى الجبال بالثلوج وتخزِّن الينابيع ماءً لأيام الصيف. هذا الشتاء هو عماد الحياة هنا، بدونه تكون إمليل شيئا آخر غير إمليل".
عيون مسعفة
غير أن قلق ساكنة المنطقة يخف قليلا عندما ينظرون إلى الوادي الذي لم تنضب المياه فيه. ذلك تأتى بفضل العيون التي تفجرت بعد الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز في شتنبر الماضي. ذلك يبعث بعض الأمل في النفوس.
كان لإمليل والدواوير المجاورة نصيب من تلك العيون التي بلغ عددها في أقاليم الحوز وشيشاوة وتارودانت وورززات 69 عينا، حسب ما كشف عنه وزير التجهيز والماء، نزار بركة في اجتماع لجنة البنيات الأساسية والطاقة والبيئة بمجلس النواب قبل أسبوعين.
في دوار إكرسيوال الذي يبعد بحوالي كيلومترين عن مركز قرية إمليل، تبدي الساكنة سعادة كبيرة بالعيون التي تفجرت منذ الزلزال. عيون ساهمت في توفير مياه الشرب ورفعت صبيب المياه في الوادي، ما يسمح بمواصلة سقي الحقوق والأشجار في انتظار الأمطار والثلوج التي تستأصل القلق من نفوس وعيون الناس هنا.
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
اقتصاد
نمط الحياة