نمط الحياة
من التاريخ الى الشاشة : أنوال .. المعركة الثانية
03/03/2024 - 11:08
SNRTnews- محمد باكريم - السينما المغربية والتاريخ إشكالية تخترقها عدة تساؤلات وجزء منها يأتي من فاعلين قادمين من خارج السينما. في البرلمان، مثلا، كم من مرة تطرح على السينما المغربية أسئلة من العيار الثقيل كالحديث عن تجاهلها لتاريخ الوطن والأمة وعن صمتها حول بعض القضايا "الوطنية". أسئلة في عموميتها، بل وجلها أحيانا، تدخل في زاوية "دعوة حق يراد بها باطل".
الحاصل ان السينما المغربية إذا كانت اليوم تحظى بغير قليل من المشروعية المجتمعية فذلك يتأسس على قاعدة انخراطها المبكر في مساءلة وقراءة المجتمع المغربي وقضاياه الذاتية والجمعية من وجهة نظر فنية ومقاربة سينمائية أولا.
والتاريخ حاضر بهذا الشكل أو ذاك في المتن الفلمي المغربي الحديث. وقد شهدت هذه السنة، مثلا، عرض فيلمين مغربيين يقاربان التاريخ المغربي انطلاقا من كتابة متميزة، على مستوى السيناريو ومستوى معالجته سينمائيا.
أقصد فيلم "فاس صيف 55" لعبد الحي العراقي. فيلم تخييلي حول المقاومة الوطنية من زاوية حميمية في سرد لقصة حب تحتضنها أزقة المدينة العتيقة بفاس. وأقصد فيلم "كذب أبيض" لأسماء المدير الذي يقترح في توليفة فيها اجتهاد كبير بين التخييلي والوثائقي لسرد مناخ أحداث صيف 1981، من زاوية تفاعل عائلة المخرجة مع هذا الجرح والذي عالجه أيضا بذكاء فني هشام العسري في فيلمه "هم الكلاب" (2013).
وهناك اجتهادات ومبادرات مختلفة يخوضها مثلا جيل بأكمله في مناطقنا الجنوبية عبر الأفلام الخاصة للثقافة الحسانية. كما أن الرأي العام السينمائي تتبع مراحل تصوير الفيلم الحدث بمنطقة الريف "أنوال" من إنتاج محمد النضراني وإخراج محمد بوزاكو.
الفيلم رافقته بعض السجالات "المحلية" ولكنه نجح في تجاوز هذه المرحلة بنجاح وهو اليوم في مرحلة لا تقل حساسية ودقة وكلفة مالية، وهي مرحلة ما بعد الإنتاج (post production) أو ما يعرف بالمرحلة الصناعية.
ونحن نعلم أنه مع الثورة الرقمية وقع تحول كبير على ميزان قوى إنجاز فيلم سينمائي؛ إذ انتقل مركز القوة من مرحلة التصوير إلى مرحلة مابعد التصوير؛ أي من البلاتو الى المختبر. من المخرج الى المهندس المعلوماتي وأحيانا يتطلب ذلك ميزانية ضخمة قد توازي ميزانية التصوير أو تتجاوزها، خاصة في الأفلام التي تلجأ الى الخدع السينمائية (وهذا حال الأفلام التاريخية).
هناك أفلام تنجزها إمكانياتها وهناك أفلام تنجز ضد إمكانياتها (المحدودة) . وهذا حال أغلب الأفلام المغربية الطموحة التي تعوزها "المادة" (عصب الحرب، كما يقول أورسون ويلس).
محمد النضراني منتج الفيلم وهو سينمائي عصامي أخرج فيلما وثائقيا حول مدينة خريبكة (2017) وأنتج فيلما أمازيغيا جميلا "تاونزا" (من إخراج مليكة المنوك، 2014)، يطلق اليوم نداء إلى الرأي العام السينمائي يتجلى في فتح اكتتاب من أجل دعم الفيلم وهو في مراحله الحاسمة. وقدم مجموعة من المعطيات المفيدة في هذا الاتجاه:
الميزانية المنجزة:
7,786,000 درهم
منها دعم المركز السينمائي:
4,850,000 درهم
الميزانية العامة للفيلم:
9,786,000 درهم
ما تبقى كميزانية مستعجلة:
2,000,000 درهم
ومن أجل تحقيق هذه الهدف أصدر المنتج، باسم طاقم الفيلم، بلاغا يقترح فيه دعوة كل الغيورين على الفيلم وعلى السينما المساهمة في تبرع إلكتروني: " تجدر الإشارة إلى أن دائرة الإنتاج، وفي ظل العجز المادي الحاصل من أجل إخراج ملحمة أنوال إلى أضواء الشاشات، وبعد اقتراح من مجموعة من الفعاليات الثقافية وعدد كبير من الغيورين، ارتأينا فتح صندوق تبرعات إلكتروني لدعم هذا العمل الأسطوري.
نراهن على دعمكم ومساهماتكم السخية لإخراج هذه الملحمة إلى الوجود كي لا يطالها النسيان".
فكرة جميلة جدا تذكرني بمبادرات أيام كانت السينما المغربية ينجزها "سينمائيو درب الفقراء"، في سبعينات القرن الماضي، حيث كان إنتاج فيلم واحد يعتبر مغامرة فريدة. ولعل أبرز هذه التجارب المبدعة على مستوى الإنتاج تجربة مصطفى الدرقاوي وفيلمه الأول "أحداث بدون دلالة"، حيث تم دعم الإنتاج بمبادرة سخية من فنانين تشكيليين مغاربة وضعوا لوحاتهم رهن إشارة الفيلم.
وقد لعب الصديق السينيفيلي مصطفى الدزيري دورا محوريا في تنسيق وإنجاح هذه العملية التي أثمرت فيلما متميزا نجح فنيا، وأزعج سياسيا.
مبادرة محمد النضراني تأتي في سياق أخر وأصالتها تأتي أنها تستمد روحها من روح قصة الفيلم. لقد أبدع عبد الكريم في مقاومته. وهو الذي يشهد له التاريخ، صحبة رفاقه، أنه صاحب تكتيك حرب العصابات (گيريا) وملخصها أن تضرب العدو في مكامن ضعفه وتغير مكان وزمان التحرك.
ونداء المنتج محمد النضراني نوع من حرب العصابات "الگيرية" تسعى لخلخلة نمط إنتاج رأسمالي لا يرحم ولا يعترف بخصوصية الإنتاج الفني.
وإذ أنخرط في هذه المبادرة المواطنة، أدعو الجمعيات الثقافية السينمائية والفنانين الملتزمين بإبداع أشكال تضامنية مختلفة (التبرع بلوحات تشكيلية، تنظيم عروض تخص مداخيلها للفيلم...). إنها معركة أنوال الثانية. لقد كان الانتصار في معركة أنوال الأولى بقوى ذاتية. وذلك حتما ما سيغذي معركة أنوال الجديدة...
مقالات ذات صلة
نمط الحياة
مجتمع
نمط الحياة
نمط الحياة