مجتمع
الأخوين .. جامعة تبدأ بالنجاح
08/06/2021 - 08:53
يونس الخراشيفكرة ملكية استشرافية..
يقف الدكتور شريف بلفقيه، نائب رئيس جامعة الأخوين، وسط الساحة الكبيرة للحرم الجامعي، ليتحدث عن الجامعة، ويشير بيده، أو بإيماءة من رأسه، أو يلمح بعينيه، إلى حيث يريد، ويقول بلغة عربية أنيقة، ودقة في نطق الحروف:"جامعة الأخوين عبارة عن فكرة للملك الراحل الحسن الثاني الذي أراد أن يمنح جامعة من نوع مختلف للتعليم الجامعي بالمغرب. فتحت أبوابها في 16 يناير 1995، وبني نظامها على ما يسمى بالفنون الحرة، وهو نظام أمريكي جوهره الطالب، يقوم على التخصص، وأيضا على التكوين العام. ذلك أن الطالب لا يعلم ما الذي سيفعله بعد عشر أو عشرين سنة، ومن تم يتعين عليك أن تعطيه تكوينات ومهارات جديدة".
يصمت الدكتور شريف، الذي قدمه لنا المكلفون بالإعلام والتواصل على أنه أرشيف الجامعة، لحظات، ليواصل بنفس أقوى:"شيء آخر له أهميته، وهو المهارات الناعمة. ونقصد بها تلك الأشياء التي لا يمكن في العادة تدريسها؛ وضمنها التواصل والذكاء الاجتماعي والعمل الجماعي، والانتماء وتقبل الآخر، وقبول الاختلاف. فالمشغل يقول لنا أعطوني طالبا لديه مهارات من هذا القبيل، وما علي إلا أن أعلمه ما يختص به مجال اشتغالي"، موضحا بأن الآليات والوسائل في جامعة الأخوين ممتازة، ومثالها مكتبة محمد السادس، ويقول عنها:"هي مكتبة ذات خصوصيات مهمة، بحيث إنها مفتوحة في وجه الباحثين، ومنظمة رقميا، فضلا عن أن ما تتضمنه اليوم من كتب رقمية أضعاف ما تحتويه من كتب ورقية، زد على أن فضاءها جميل، ويغري بزيارتها والمطالعة فيها".
ثم يعرج الدكتور شريف على معايير الانضمام إلى جامعة الأخوين، ويؤكد بأن هذه المؤسسة، التابعة للدولة، والتي تحظى بسمعة دولية لا تضاهى، لا سيما أمريكيا، تحتضن طلابها من جميع الفئات، إذ يلجها بعضهم بمقابل مالي، "يمثل ثلثي المبلغ الصافي، إذ تقدم الجامعة الثلث الباقي عبارة عن دعم، كما أنها تستقبل العشرات من الطلاب الذين لديهم استحقاق، وليست لديهم القدرة على الأداء، بحيث تقدم لهم منحا دراسية". ولا يقف عند ذلك الحد، بل يلح على أن الدراسة بجامعة الأخوين مفتاح قوي لولوج سوق الشغل، والاندماج في المجتمع، "وهو الشيء الذي تسعى إليه الدولة عبر قطاع التعليم عموما".
جامعة لتخريج المثقفين..
يقول الدكتور عبد الكريم مرزوق، عميد كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية بجامعة الأخوين، بصوت خفيض، يصدر إليك كلمات دقيقة وفصيحة، إن هذه الكلية هي القلب النابض للجامعة، ثم يواصل بهدوء الواثقين:"أيا كان التخصص الذي اختاره الطالب بجامعتنا، فهو ملزم بأن يدرس بكلية الإنسانيات، لغرض تنمية ثقافته العامة. فجامعة الأخوين، وهنا قوتها، تهدف إلى تنمية الحس النقدي عند طلابها ومنحهم ثقافة عامة ذات بعد إنساني، ولكي تصل إلى ذلك الهدف، فهي توفر لطلابها الأرضية التي تسمح لهم باكتساب المهارات والمعارف المفترضة"، يتوقف عن الكلام، وتلمع عيناه، إشارة إلى أن فكرة حلوة ملأت ذهنه، ثم يقول بنشوة:"يمكنني القول إن 70 في المائة من الدروس التي يتلقاها الطلاب بجامعة الأخوين تؤخذ من كليتنا، وهذا يعني أن طلابنا لا يتخرجون من هنا بدبلوم تخصصي محض".
الدكتور عبد الكريم مرزوق، الذي فضل أن يترك مكتبه الخاص ليكون اللقاء معه على مائدة مستديرة جميلة، في غرفة بسيطة، حتى يتاح له التواصل المباشر ومعرفة رد الفعل، تحدث عن جامعة الأخوين بفخر الآباء، وقال:"هل تعرفون بأن جامعتنا ضاعفت عدد طلابها بين موسمين دراسيين؟". صمت للحظة حتى يصل مفعول المعلومة كاملا، ثم واصل بالابتسامة نفسها:"حدث هذا بفضل المناهج المعتمدة هنا، وبفضل التحيين المستمر بما يتناسب مع تطور الأشياء من حولنا، وبفضل ما يوفر للطلاب من آليات للدراسة. وحدث أيضا لأن الهيئة التدريسية متميزة جدا، وتختار بدقة وعناية، ووفقا لمؤهلات عالية جدا، وتؤدي عملها بتفان، وفي ظروف لا تقارن".
ولم يتوقف الدكتور مرزوق عند ذلك الحد، بل قدم معطيات أخرى، وراح يتحدث عنها بنوع من الاعتزاز، وهو يقول:"الدراسة في جامعة الأخوين تعتمد اللغة الإنجليزية، وهذا تعرفونه. ولكن الأغلبية لا تعرف بأن الطلاب يدرسون لغات أخرى، مثل الإسبانية والفرنسية والعربية والأمازيغية أيضا. كما أنهم يحظون بالتتبع، حتى بعد التخرج. وحين أؤكد لكم بأن ما يزيد عن 70 في المائة من طلابنا يشتغلون في المغرب إثر تحرجهم، فيعني هذا بأن الجامعة أدت دورها بامتياز"، ثم صمت مرة أخرى ليعطي لنفسه فسحة، وقال:"إن عدد الطلاب بجامعة الأخوين حاليا يدور في حدود 2200، غير أنه سيصل إلى 5000 بعد خمس سنوات. هذه هي روح جامعة الأخوين، التميز، والمواكبة للجديد، والتطور المستمر في كل شيء".
طلاب: "الأخوين" احتضنتنا..
يرى طلاب التقاهم موقع SNRTnews.com أن جامعة الأخوين وفرت لهم فرصة الدراسة بمناهج أمريكية، وعالمية، غير بعيد عن أسرهم وبلدهم، موضحين بأنهم فكروا، أول الأمر، في السفر إلى أمريكا أو أوروبا أو غيرهما، لكن الظروف جعلتهم يختاروا هذه الجامعة، ويدرسوا في أجواء مميزة.
وقال بدر، الذي جاء إلى الجامعة من الرباط، ويدرس الماركتينغ والتواصل، وهو عاشق لكرة القدم، ومارس اللعبة في فريق الفتح الرياضي لفترة، إنه كان دائما يحلم أن يتعلم باللغة الإنجليزية، ولهذا السبب فمنذ أن كان في المرحلة الإعدادية وهو يفكر بأن يكمل دراسته بالخارج، موضحا بأنه تقدم بالفعل إلى عدة جامعات، ذكر منها على الخصوص جامعات بكندا وفلوريدا وفرنسا وإسبانيا، وزاد:"أنجزت كل الإجراءات التي يتطلبها القبول في تلك الجامعات، وهيأت نفسي لكي أسافر. غير أن شيئا ما أقعدني عن السفر، لأجدني، في نهاية المطاف، أمام اختيار واحد، هو جامعة الأخوين، حيث عشت حياة جديدة، عرفت فيها معنى أن تكون مسؤولا عن نفسك، وكيف يفترض فيك أن تنشئ لنفسك أسرة من محيطك الجديد".
من جهته، أكد بلال، الآتي بدوره من الرباط، والذي يدرس الموارد البشرية والتواصل، ويعشق الملاكمة، أنه صنع لنفسه أسرة ثانية بجامعة الأخوين، تجعله الآن يشعر بالدفء الذي افتقده لفترة في البدايات، وزاد:"في الواقع، كنت أفكر في دراسة الطب، الذي شغفت به منذ فترة غير قصيرة. ولذلك، فما أن حصلت على المعدلات التي تؤهلني للدراسة بمؤسسات محترمة حتى فكرت في السفر. وبالفعل، انطلقت في التواصل مع جامعات في أوكرانيا ورومانيا. ولأن الوالدة لم تطمئن لمشروعي الجديد، فقد وجهتني نحو جامعة الأخوين، لأختار أفقا آخر، يتصل بالموارد البشرية والتواصل، الشيء الذي وجدته في الأخوين".
يسرا، المتحدرة من مدينة تطوان، والتي تدرس الماركتينغ والتواصل هي الأخرى، مثل بدر، وتعشق الريكبي، قالت إنها اختارت الدراسة في جامعة الأخوين لأنها عوضتها عن حلم السفر للدراسة بجامعة أمريكية. وأوضحت:"جامعة الأخوين توفر لك مناهج أمريكية، وهي منفتحة على العالم، بفعل الدراسة باللغة الإنجليزية، وموادها المميزة. وفضلا عن كل ذلك، فهي توفر لي القرب من الأسرة، وهو شيء إيجابي".
خلية نحل وسط الأعشاب..
شيئان آخران يجعلان من جامعة الأخوين فضاء مثاليا للدراسة والنجاح. فهي تقع وسط غابة جبلية إيفرانية خلابة، تمتد خضرتها على مدار فصول السنة، فضلا عن أن معمارها، الذي اختاره لها الملك الراحل الحسن الثاني، وطبق الفكرة على الأرض المهندس الفرنسي ميشال بانسو (مهندس مسجد الحسن الثاني بمدينة الدار البيضاء)، ينسجم مع محيطه في تناغم كبير.
فبالقدر الذي تعزل الجامعة نفسها عن إيفران، ببضع مئات من الأمتار، فإنها تحمل معها روح المدينة، بالعمران نفسه، والقرميد ذاته، والخضرة عينها، بحيث يكتشف مرتادها بأنه في جزء من المدينة، وكلما احتاج أن يغادر الحرم الجامعي كي يغير الأجواء، أو يحصل على شيء يحتاجه من خارج أسواره، أيقن بأن هناك رابطا يجمعهما، ويجعل كلا منهما ضروريا لأجل الآخر.
وتشكل الجامعة، في كليتها، دائرة تلف المسجد، الذي استنسخ من معلمة الكتبية المراكشية المرابطية، ويقع في الوسط. وتوجد خلفه بناية الإدارة والمتاجر، وأمامه الخزانة، التي دشنها الملك محمد السادس وتحمل اسمه، ثم الملاعب الرياضية، والمسبح الأولمبي. وعلى الجناح الأيمن للمعلمة، التي تقام فيها الصلوات الخمس والجُمع، تنتشر مساكن الطلاب (هناك مشروع لتوسعتها حتى تستجيب لهدف 5000 طالب بعد خمس سنوات)، فيما يضم الجناح الأيسر القاعات والمدرجات والمختبرات، حيث تدار الدروس والأبحاث.
ومن أعلى مكان في الحرم الجامعي، وهو صومعة المسجد، حيث تحلق طيور سوداء بلا منافس، يمكنك أن تستجمع المشهد كله تقريبا، فترى جامعة الأخوين عبارة عن خلية نحل كبيرة، زادها العلم، وعسلها دبلومات ومهارات تفتح شهية سوق الشغل لطلاب متميزين. ومنها أيضا يمكنك أن تقف على عمل يومي كبير حافظ على البنيان، والقرميد، والقوائم الخشبية، والأرضيات المقدودة من صخر، والعشب الجميل، الذي يُسقى بانتظام، ويهذبه بستانيون محترفون من أبناء المنطقة.
يدها في يد المحيط..
بالنسبة إلى المهدي الإدريسي، وهو المسؤول عن مركز الخدمات الاجتماعية لجامعة الأخوين الذي يوجد مقره في مدينة آزرو، القريبة من مدينة إيفران، فإن من بين أبرز ما تتميز به الجامعة كونها منفتحة على محيطها، وتنسج معه علاقات قوية للتفاعل.
ويقول الإدريسي، بحماس تتحرك له يداه، حتى وهما تنوءان بحمل من الملفات، إن جامعة الأخوين "لم تنكفئ يوما على نفسها، بل ظلت تتفاعل مع محيطها، كي تقدم له الخدمات التي يستحق، وتكون بذلك جامعة وطنية بامتياز. فمن ناحية اشتغلت، وتشتغل، جامعة الأخوين على محو الأمية اللغوية والوظيفية لدى فئات من المستفيدين، فضلا عن اشتغالها على متعلمين، غير مؤهلين، بفعل انقطاعهم عن الدراسة، وآخرين لا يملكون المهارات التي تسمح لهم بالاندماج في سوق الشغل".
وسرعان ما يندمج الإدريسي، وينفعل للعمل الجمعوي الذي تقدمه الجامعة، فينطلق في الحديث، وبالتفصيل عن أشياء كثيرة يرى بأنها أفادت المحيط، وكانت مهمة للغاية، مشيرا إلى أن الأرقام تنطق، وتقول بأن أغلبية الذين تبناهم مركز الخدمات الاجتماعية لجامعة الأخوين وجدوا طريقهم الصحيح، وبثبات إلى سوق الشغل، وبالتالي الاندماج في المجتمع.
الإدريسي يعتقد بأن ما ينجزه، رفقة آخرين، في هذا الجانب يعتبر مكملا لما ينجز في قاعات الدرس، والمختبرات، والمكتبة، والملاعب، وغيرها، بحيث أن الجامعة "لم تبقى منكفئة على ذاتها، ومنغلقة على ما حولها، بل صارت نموذجا في التفاعل، ويتعين على مؤسسات تعليمية أخرى أن تمضي على منوالها، كي تؤدي خدمات إيجابية لمحيطها".
حين انتهى الإدريسي من الحديث معنا، أسرع الخطو إلى مكان ما من الحرم الجامعي، ليذوب وسطه. وفي الجهة المقابلة، حيث كانت وجهتنا، لمغادرة إيفران، بدا المجسم المكسو بالرخام البني، الذي يفضي إلى البوابة الخارجية، بكرة أرضية فوقه، عبارة عن اختزال للجامعة كلها ومبادئها الأصيلة، بما يعنيه الشكل من شمولية في مناهج التدريس، وانفتاح على العالم، وتوافد طلاب ومغادرة آخرين، على عيني "الأخوين" الراحلين الملك الحسن الثاني والملك فهد بن عبد العزيز، وبتحية عالية منهما.
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
مجتمع