مجتمع
الدار البيضاء.. أبواب دار مسنين موصدة في وجه "كورونا"
06/02/2021 - 15:28
حليمة عامربينما يجول هذا الوباء دروب الدار البيضاء، وينسف بأرواح عشرات المرضى، يحاول كبار السن بدار المسنين "النسيم"، التعايش مع تداعيات هذا الوباء، رغم أن كابوس الموت والخوف من العدوى يجثم على صدورهم.
قوة وصبر
"فاطمة" امرأة سبعينية مقيمة بدار المسنين "النسيم" منذ سنوات. ولدت وكبرت في المدينة القديمة بالدارالبيضاء، قبل أن ينهار بيتها، ويتحول إلى أطلال، وتصبح بدون مأوى.
تروي "فاطمة"، لـ"SNRTnews"، أنه بعد أن تهدم منزلها، قام أحد أعوان السلطة المحلية بالمدينة القديمة، بإحضارها إلى دار المسنين "النسيم"، لتمكث بها إلى حدود اليوم.
ما عاشته "فاطمة" في السابق، جعلها أقوى، حيث لم تستطع "كورونا" أن تخيفها أو تحطم نفسيتها، رغم أنها كانت تتابع كل يوم مستجدات أخبار "كوفيد-19"، عبر التلفزيون، حيث تقول: "كورونا يشبه الزكام، تجعل الإنسان يحس بالقليل من البرد والكحة، لكنه سيتعافى فيما بعد، لذلك فهذا الوباء ليس بالأمر الغريب".
وأضافت: "لكن الحمد الله لم يصب أي أحد منا بفيروس كورونا، التزمنا بالإجراءات التي أقرتها المؤسسة، ولم يتم تسجيل أي حالة إصابة بهذا الوباء إلى اليوم".
صبر النزلاء وإيمانهم بأن الفرج القريب، جعلهم يتمسكون بالأمل وبالوحدة والتضامن في ما بينهم، وكأنهم عائلة واحدة، حيث يجتمعون أمام شاشة التلفاز، بصالة الجلوس، ويحاولون تبادل أطراف الحديث لتخفيف وقع هذا الفيروس عليهم، رغم أنه حرمهم من أحبابهم وأقربائهم. فلمدة عشرة أشهر، لم ترى "فاطمة" إخوتها، لأنه تمنع، خلال هذه الفترة، الزيارات، لحماية المسنين من انتقال العدوى إليهم، لذلك يتواصل غالبيتهم مع أقربائهم عبر الهاتف، من أجل الاطمئنان عليهم والتحقق من أنهم بخير.
وحدة وتضامن
تختلف قصص كل واحد منهم من شخص لآخر، إلا أن "كورونا" وحدت معاناتهم، حيث حرمت إجراءات التباعد الاجتماعي الكثير من كبار السن المتواجدين بهذه الدار من التواصل مع باقي المجتمع، مكتفين بمكالمات هاتفية، لعلها تخفف مما راكمته "كورونا" في نفوسهم.
بخلاف "فاطمة" التي كان لديها من يتواصل معها باستمرار ويطمئن عليها، لم يكن لـ"إبراهيم" أي أحد يزوره أو يسأل عنه، باستثناء أقربائه في الدار، فمنذ أن ولج عتبة هذه المؤسسة، أصبح كل من فيها عائلته الثانية. وخلال هذه الجائحة، اقتربوا من بعضهم البعض أكثر من السابق، ولم تمنع حدود التباعد الجسدي في ما بينهم من توطيد علاقتهم أكثر من قبل.
"إبراهيم" الذي عاش لسنوات في هولندا، قبل أن يتم ترحيله إلى المغرب، في الثاني من شهر فبراير سنة 2018، يتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة، وكان يستطيع أن يشرح للمسنين بالدار ما يدور بالعالم ويساهم بالقليل من التوعية التي باشرتها إدارة المؤسسة، لوضع نزلاء دار المسنين في سياق ما يحدث حولهم، بسبب تفشي هذا الوباء.
عاش "إبراهيم" خارج المغرب لسنوات، وكان يشتغل في مهنة خارج القانون، حيث كان يتاجر في المخدرات، وعندما تم كشف أمره، تم ترحيله إلى بلده المغرب، ولأنه لم يكن لديه أي مكان يعود إليه، وجد نفسه مشردا في الشارع، بدون أي وثائق إدارية، إلى أن وجده مندوب التعاون الوطني بالحي الحسني، ليأخذه إلى دار المسنين "النسيم".
الرياضة هي الحل
يقول "إبراهيم"، ذو السابعة والستين سنة من عمره، إن الظروف هي التي قادته إلى هذا المكان، فرغم مضي ثلاث سنوات على طرده من هولندا، إلا أنه مازال يرتبط بذكريات هذا البلد.
الذي دفع "إبراهيم" إلى عدم الانشغال كثيرا بـ"كورونا"، كوباء يشكل خطورة على المسنين، هو أنه يهوى ممارسة الرياضة، حيث كان يمضي البعض من وقته في ممارسة بعض التمارين الرياضية.
وأبرز "يظل الطريق الوحيد لحماية أنفسنا من الإصابة بفيروس كورونا، هو ممارسة الرياضة لكي نتمتع بجهاز مناعة قوي".
رغم رفع الحجر الصحي عن العديد من الفضاءات داخل المغرب، تواصل دار المسنين وأماكن الرعاية العمل بإجراءات العزل الاجتماعي، حماية لهم، باعتبارهم أكثر فئة يشكل هذا الوباء خطرا على حياتها، حيث تطغى قيود الحجر الصحي على فضاءات المسنين بمؤسسة "النسيم"، إلى حين أن يرفع هذا الوباء ظلاله على العالم.
ويرى أحمد صفا، مدير دار المسنين "النسيم"، أن "كوفيد-19" حدث استثنائي بامتياز، باعتبار التداعيات التي خلفها على برنامج عمل 2020، داخل المؤسسة. ومن بين الأنشطة المتضررة والتي جمدت بشكل تام، الأنشطة الترفيهية، ما جعل السنة الماضية سنة بيضاء، حيث فرضت بعض القيود على الحركة والتجمعات، فشحت المبادرات وضغطت على أطر ونزلاء المؤسسة للتعايش مع هذا الوضع.
التعايش مع الوضع
ويوضح صفا أنه كان لزاما إعادة النظر في الأنشطة الموازية، خاصة الندوات وخرجات التنزه التي كانت تتكفل بها الجمعيات وبعض المحسنين. وفي المقابل، تم اعتماد التباعد الجسدي بين المسنين، خصوصا في المكان الذي يجلسون فيه طيلة الوقت، حيث تم تنبيههم بعدم الاقتراب من بعضهم البعض في أماكن الجلوس.
ومن جهته، ذكر الكبير زهير، مندوب التعاون الوطني بالحي الحسني، أن جميع الأطراف المعنية بالمسنين عملت على تخفيف الأثر النفسي لجائحة "كورونا"عليهم، فلكي لا تسبب لهم هذه التداعيات حالة اكتئاب، قامت بعض المُساعِدات الاجتماعيات والأخصائيين النفسانيين الذين يشتغلون بالتعاون الوطني والمتواجدين بهذه المؤسسة بمواكبة المسنين، وتوعيتهم بأهمية هذه الإجراءات، التي تأتي حماية لهم.
ويشرح أنه في بداية بروز الجائحة، حاولت المؤسسة حث المسنين على ارتداء الكمامة أثناء التواجد بأماكن الجلوس، إلا أنهم رفضوا ذلك، حيث لم يقو البعض منهم على ارتدائها طيلة الوقت، لكن، بطلب من الأطباء، تم اعفاؤهم من ذلك، وفي المقابل، التزم بارتداء الكمامة العاملون بالمؤسسة فقط...
مقالات ذات صلة
اقتصاد
اقتصاد
نمط الحياة