نمط الحياة
السفير بن عائشة يبهر الفرنسيين بالكسكس
17/04/2021 - 23:15
يونس الخراشيالحكي عن طبق الكسكس عند المغاربة له أبعاد متعددة. فجذوره مستمدة من طبيعة الٍأرض وما تنبت، وفروعه تصل إلى الموقع الاجتماعي، بما يؤثر على طريقة الإعداد، ووضعه وأكله لا ينتهي عند حد، بل يواصل السفر إلى يوم الناس هذا.
وفي هذا السياق، يقول الباحث محمد حبيدة، في كتابه الجميل والثري "المغرب النباتي"، "الأكثر من ذلك، يمثل الكسكس مرجعية ثقافية"، ويزيد: "نقرأ حكاية لها دلالة، يرويها رجل من دمشق، ما يلي: "نزل بي مغربي فمرض حتى طال علي أمره، فدعوت الله أن يفرج عني وعنه بموت أو بصحة، فرأيت النبي صلى الله عليه في المنام، فقال لي أطعمه الكسكسون، يقوله هكذا بالنون، فصنعته له، فكأنما جعلت فيه الشفاء".
ويزيد الباحث، موضحا، وهو يقول: "لننظر أيضا إلى سفير المغرب في باريس، عبد الله بن عائشة، لما تزود في سفره إلى فرنسا عام 1699 بنوع من دقيق بلاده خاص لتحضير طبق من أطباقه المفضلة، يسميه الكسكسو"... وثمة إشارات أخرى، لها نفس المعنى، كذاكرة المواقع، مثل واد كسيكسو في الأطلس المتوسط، أو ذلك التقليد الجنائزي الذي تبكي فيه النساء الميت، فيسألنه إن كان ينقصه الكسكس في العالم الآخر.
ولا يقف الباحث عند هذا الحد، بل يذهب أبعد منه بكثير، فيقول في كتابه: "ويظهر الكسكس بعدا آخر، (هو) التلاقح الثقافي، إذ انخرط في أفق عالمي، كما تقول المؤرخة الفرنسية ماكلي مورسي، وذلك منذ العصر الوسيط. فتحضير الكسكس، على طريقة البيوتات الكبرى والبلاطات، كان يستلزم إضافة بهارات الشرق البعيد، التي طيبت مذاقه، وساهمت في تعدد أصنافه. السفة، مثلا، هذا الكسكس المصنوع من دقيق القمح والمزين بالزبيب والقرفة، والمعروض في المناسبات الكبرى بالحواضر خاصة، لم يكن بإمكانه توفير هذا المذاق الطيب لعلية القوم، من دون هذه القرفة الآتية من الهند".
ويؤكد الباحث بأن الكسكس تحول إلى أكلة عالمية بمرور الوقت، ويشرح:"لقد أغرى الكسكس العالم العربي وأوروبا، وحتى أمريكا. ففي العصر الوسيط، كانت بلاطات الشرق الإسلامي تخصص له مكانة ضمن الأطباق المغاربية المطلوبة التي كانت تهتم بها أدبيات الطبخ"، ثم يزيد: "تشهد النصوص، ابتداء من القرن السادس عشر، على حضوره في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا... في هذا السياق، تتحدث وصفة إيطالية، تعود لسنة 1570، لطباخ البابا بِّي الخامس، بارتولوميو سكابِّي، عن سميد مطبوخ على البخار في إناء مثقوب من القعر، ومسقي بمرق من لحم الخنزير، ومزين بالجبن المفروم والسكر والقرفة. وتشير وصفة أخرى، إسبانية هذه المرة، مقتطفة من كتاب طبيخ ألفه فرانسيسكو مونتينو، سنة 1611، وهو طباخ ملك إسبانيا، فيليب الثالث، إلى ماعون من طين أو من نحاس ذي ثقب كبيرة في القعر، ضيق نسبيا من تحت وعريض من الأعلى، حيث يطهى السميد على البخار، ويسقى بمرق للحم الغنم أو الدجاج".
هل توقفت رحلة الكسكس عند ذلك الحد؟ كلا، إذ يقول الدكتور محمد حبيدة، في كتابه "المغرب النباتي": "وفي القرن الثامن عشر، وصل الكسكس إلى الضفة الأخرى للمحيط الأطلنتي، إذ أدخله البرتغاليون إلى البرازيل، لما طردهم المغاربة من مدينة مازغان (الجديدة)، عام 1769، وحضروه بحب البلد: الذرة. واليوم يتوفر البرازيليون على صنفين من كسكس الذرة؛ هما كسكس بوليستا، بمنطقة ساو باولو، المزدان بالخضر والبيض والقمرون، وكسكس نورديستينو، في شمال البلاد، المسقي بحليب الكاكاو".
أما فرنسا، التي اكتشفت الكسكس في نهاية القرن الثامن عشر، بواسطة السفير بن عائشة، فقد تحدثت فيها الصحف، حينها، عن وصفته بإعجاب. وبعد ثلاثة قرون، لم يعد الكسكس ذلك الطبق العجيب الذي يثير فضول الناس. ففي منتصف القرن العشرين حمل الفرنسيون، الذين طردوا من الجزائر، حنين الكسكس إلى فرنسا.
وازداد استهلاكه ابتداء من السبعينات من القرن المذكور، يقول الباحث، ثم يزيد: "في البداية كانت المطاعم تقدم هذا الطعام للمهاجرين، وفي ما بعد أصبح الزبناء من كل الآفاق، حتى صار ينافس الأطباق الفرنسية الأصيلة، محتلا المرتبة الثالثة بعد بلح البحر وصلصة العجل. وفي المدة الأخيرة، سافر الكسكس إلى الصين، لإغراء نخبة بكين، التي باتت تبحث عنه في مطعم تونسي بحي الديبلوماسيين".
مقالات ذات صلة
نمط الحياة
نمط الحياة
نمط الحياة