اقتصاد
تقرير: هذه شروط تعافي الاقتصاد المغربي من أزمة "كوفيد-19"
17/12/2020 - 15:39
مهدي حبشيتعرض الاقتصاد المغربي لهزة قوية جراء تفشي وباء "كوفيد-19"، ومع ظهور شعاع نهاية النفق، من خلال الاستعدادات الجارية للشروع في تلقيح الساكنة ضد الفيروس، تشغل الفاعلين الاقتصاديين هواجس عديدة حول المدة المطلوبة والشروط اللازمة لتعافي الاقتصاد المغربي وعودته إلى سابق عهده.
تعافي تدريجي
يرى التقرير الحديث، أن السيناريو الأكثر احتمالاً لتعافي الاقتصاد المغربي هو "التعافي التدريجي على شكل منحنى"، إذ لا بد أن يساير النشاط الاقتصادي تخفيف الإجراءات الاحترازية المطبقة على حركية الأشخاص. لكن عودة النشاط إلى طبيعته، خارج بحسب التقرير عن النظام الاقتصادي المحلي، ومتوقف بشكل كبير على انتعاش اقتصادات شركاء المغرب الاقتصاديين.
وأوضح التحليل أن الطلب الخارجي الموجه للمغرب حاسم في توقعات النمو للسنة القادمة، لكن آثار الأزمة على الشركاء الأوروبيين أرخت بظلالها على الطلب الأوروبي الموجه للشركات المغربية، إذ تعاني دول الاتحاد الأوروبي من أحد أخطر حالات الركود الاقتصادية في تاريخها. تراجع ذلك الطلب أدى إلى تقلص الإنتاج الوطني المغربي بنحو 7 في المائة، قبل أن يتخفف إلى 4,5 في المائة برسم عام 2021، وهي نسبة أقل بكثير من المطلوب لعودة الاقتصاد الوطني إلى وضع عام 2019 على الأقل.
ويتوقع التقرير أن التلقيح العام، لاسيما بفضل قرار مجانية اللقاح الذي اتخذه جلالة الملك محمد السادس، سيلعب دوراً في ارتفاع عروض الشغل والإنتاج، في انتظار عودة الظروف العالمية إلى طبيعتها، لاسيما فيما يتعلق بالشركاء الاقتصاديين الأساسيين للبلاد.
ونبه التقرير إلى أحد أهم الهواجس المطروحة أمام عودة النشاط الاقتصادي لسابق عهده، يتعلق الأمر بأزمة الثقة التي خلفتها الجائحة لدى الأسر والمستثمرين. إذ أكد أن تلك الأزمة من شأنها التأثير على مشاريع الاستثمار والادخار في صفوفهم، ذلك أن هذا النوع من الأزمات يدفع الأسر إلى محاولة خلق ادخار احتياطي، على حساب عاداتها الاستهلاكية والاستثمارية.
ولا تتوقف هذه الملاحظة على الأسر، بل تنسحب كذلك على الشركات، التي تميل لتبني مبدأ "Wait and See"، عبر إيقاف نسبة كبيرة من استثماراتها في انتظار رفع الضبابية عن الوضع. وقد لوحظ هذا النوع من النزوع أثناء مختلف الأزمات السابقة، بما فيها الصحية، بحيث يغذي حظر التنقل بين المدن، الذي اتخذته السلطات المغربية، هذا الشعور بالقلق في صفوف الشركات.
دروس.. وأولويات
حث التقرير على الانخراط في سياسة ماكرو- احترازية، حيث لاحظ أن القرارات التي اتخذها بنك المغرب، بهدف توفير السيولة البنكية عبر التخفيف من القواعد الاحترازية تستجيب لذلك الهدف، مؤكدا على ضرورة التوجه نحو التفعيل الأوتوماتيكي لتلك التدابير كلما فرضت الدورة الاقتصادية أو المالية ذلك.
ونصح التقرير بتوسيع نطاق تحرك العملة (Bande de fluctuation)، كإجراء استباقي للضغط المترقب على احتياطي العملة الصعبة، معتبراً أن هذا الإجراء سيكون في محله في ظل الظروف الحالية، لاسيما أن ثقة الفاعلين الاقتصاديين مرتفعة حول استمرار الدرهم المغربي في تسجيل ارتفاع في القيمة.
وعلى مستوى التجارة الخارجية، دعا معدو التقرير إلى إعطاء أهمية أكبر للمبادلات التجارية مع دول الجوار، خاصة في المنطقة المغاربية والقارة الإفريقية. ذلك أن الأزمة من شأنها أن تدفع القوى الاقتصادية الكبرى، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، إلى إعادة النظر في أنماطها الإنتاجية والتسويقية، كما قد يتراجع مبدأ "التبادل الحر" لصالح انفتاح أكثر تركيزاً على مبدأ القرب.
وفي هذا السياق، نوه التقرير بما يمكن أن تتيحه "اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية"، التي ستدخل حيز التنفيذ منذ بداية عام 2021، من فرص في سياق تعافي الاقتصاد المغربي، إذ ستساهم في تعزيز العلاقة التجارية بين دول القارة، وتحسين الاندماج القاري للنسيج الإنتاجي الوطني.
من جهة أخرى، طالب التقرير باتخاذ نظام المساعدات الاجتماعية المباشرة، الذي تم تأسيسه خلال الجائحة، لفائدة الطبقات الهشة والقطاع غير المهيكل، كقاعدة أولية صلبة من أجل برنامج مساعدات مستدام لفائدة تلك الفئات.
ويتصور أن وضع شبكات أمان، يجب أن يندرج ضمن سياسة اجتماعية، غير أن ذلك لا يجب أن يفضي إلى تحميل تكاليف جديدة للميزانية العمومية، بل يفترض تغذيته عبر البرامج القائمة.
ويحض التقرير على بلورة استراتيجية للانتقال الرقمي، حيث أن هذا التوجه سيساعد على إعادة تشكيل العلاقات التجارية والسياقات ذات الصلة بالعمل، ما يدفع منجزي التقرير إلى التشديد على جعل الانتقال الرقمي أولوية وطنية.
ونبه إلى أن الجائحة فرصة مواتية كذلك لإعادة النظر في الدور الذي تلعبه السلطات العمومية، خصوصاً على المستويات الترابية. إذ يرى منجزو التقرير أن الوقت حان كي يمضي المغرب صوب نظام أقل مركزية، وأن تتقاسم السلطات المركزية صلاحياتها بشكل أوسع مع تلك الترابية، وتشركها في اتخاذ القرار. لاسيما أن الأزمة، سواء على مستوياتها الصحية أو الاقتصادية، خلفت آثاراً مُتباينة بين جهات المملكة المختلفة، لكن ذلك لم يؤثر في سلوك السلطات الترابية التي ظلت مقيدة بمبدأ المركزية، باستثناء خدمات وزارتي الداخلية والصحة.
مقالات ذات صلة
اقتصاد
اقتصاد
إفريقيا