اقتصاد
تقرير يرصد 4 تحديات لسوق الشغل في المغرب
03/04/2021 - 14:43
يونس أباعليومما جاء في التقرير أن التحول الهيكلي في المغرب سار بوتيرة بطيئة، وكان هناك فقدان لفرص الشغل في قطاع الفلاحة لكن جرى إحداث عدد قليل منها في قطاع الصناعات التحويلية، مما يشير إلى تقلص نشاط التصنيع قبل الأوان.
تباين في القطاعات المُشغلة
التقرير أشار أيضا إلى أن أعدادا كبيرة من العمال العمل في قطاع الفلاحة، فيما لم يستوعب القطاع الصناعي سوى نسبة صغيرة. وفي الوقت ذاته، كانت نسبة المشتغلين بقطاع الخدمات تزيد بوتيرة بطيئة مقارنة بالبلدان النامية الأخرى، والتي لاتزال نسبة كبيرة من العمالة تعمل في الخدمات غير الرسمية.
ويضيف أن التحول الهيكلي واجه صعوبات كذلك لأن القطاع الخاص عجز عن الإسهام بدرجة كافية في إحداث فرص شغل، ورغم تحقيق بعض التحسن في التصنيف على مؤشرات ممارسة أنشطة الأعمال، فإنه مازالت هناك جهود كبيرة يتعين أن يبذلها القطاع الخاص.
وقد أدى تراكم رؤوس الأموال العمومية وصعوبة بيئة الأعمال أمام الشركات، والتي تتسم بارتفاع تكلفة الحصول على الأراضي ووجود نظام ضريبي معقد (ارتفاع الضغط الضريبي، ونقص العمالة الماهرة وبرامج التكوين ونقص سبل الحصول على التمويل) إلى مزاحمة القطاع الخاص مما َّحد من إسهامه في تحقيق النمو كثيف الاستخدام للأيدي العاملة. وبينما كانت فرص الهجرة إلى الخارج متاحة ً قبل عام 2008، فمنذ الأزمة المالية التي شهدها ذلك العام بات يتعيَّن على المهاجرين المحتملين الانتظار ضمن طوابير طويلة. وأدى انخفاض عدد فرص الشغل.
فوارق جهوية
كانت هناك فوارق جهوية ملحوظة في النمو الاقتصادي، وإحداث فرص الشغل، والمحركات الاقتصادية القطاعية. وكان قطاع الخدمات المحرك الرئيسي للنمو والتشغيل في بعض الجهات (الرباط)، فيما كان دور القطاع الثانوي (الصناعة) أكثر بروزا في جهات أخرى (الدار البيضاء). وحتى داخل قطاع الخدمات، اتسم النمو في بعض الجهات باعتماده على الأنشطة الأكثر كثافة في استخدام الأيدي العاملة وذات القيمة المضافة المنخفضة (الدار البيضاء)، فيما شهدت جهات أخرى (الرباط) نموا ً في الخدمات الأعلى إنتاجية. ومن ثم، هناك أمثلة ناجحة ِّ تشجع على محاكاتها في القطاعات والجهات الأخرى.
أكثر الفئات معاناة
حدد التقرير فئتين مهمتين عانتا بشدة من الإقصاء من سوق الشغل، وهما الشباب والنساء. ويشرح أن نسبة كبيرة من الشباب المغربي لا تعمل أو تستثمر في تحسين آفاقها المهنية. كما يُصنَّف نحو ثلث من تتراوح أعمارهم بين 15 و24 ً على أنهم خارج دائرة التعليم أو الشغل أو التكوين. وتشير هذه الظاهرة إلى وجود عدد كبير من الشباب، وهو ما يمكن أن يعوق قدرتهم على المدى الطويل على اكتساب المهارات والإسهام في المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للبالد. وفي الوقت ذاته، تتراجع نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة حيث تقل عن 30 %وهي نسبة منخفضة رغم تدنيها أصالا في المنطقة.
توصيات بأربع أولويات
يسلط التحليل الذي استعرضه التقرير الضوء على أربع أولويات لتحسين عملية خلق فرص الشغل، ونوعية الوظائف، وتوسيع نطاق المشاركة في القوى العاملة.
1. تحسين عملية التحاق الشباب بسوق الشغل
في الوقت الحالي، لا يعمل نحو 30% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاماً، ولا يستثمرون في مستقبلهم من خلال بناء مهاراتهم. ويُعرف هؤلاء الشباب بأنهم "خارج دائرة التعليم والعمل والتدريب". وهذه الظاهرة هي مصدر قلق، وقد سلط جلالة الملك محمد السادس الضوء عليها مراراً في خطاباته العامة. ويدرس التحليل التفصيلي الوارد في التقرير مستوى تعليم الشباب، ونوعهم، وخلفياتهم الأسرية، والمكان الذي يعيشون فيه، بوصفها عوامل رئيسية مرتبطة بمشكلة كونهم خارج دائرة التعليم والعمل والتدريب.
ومع ذلك، تتجاوز المخاوف بشأن توفير فرص شغل للشباب هذه المشكلة. فالشباب ممن لديهم مستويات تعليم مرتفعة ليسوا في وضع جيد أيضاً. وهم يعانون من ارتفاع مستويات البطالة، مما يؤدي إلى افتقارهم إلى الدافع وعدم مشاركتهم في النشاط الاقتصادي على المدى الطويل، وهو ما يؤثر على إحساسهم بتحقيق الذات، وكذلك على إسهامهم في الاقتصاد - في الوقت الراهن وفي المستقبل على حد سواء.
2. توسيع خيارات المشاركة للمرأة
تقل نسبة النساء في القوى العاملة عن 30% في المغرب الذي يُعد أحد البلدان القليلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تتراجع فيها معدلات مشاركة الإناث. وتوجد اختلافات كبيرة بين المناطق الحضرية والقروية. وتسجل مستويات عدم مشاركة النساء في المدن المغربية ارتفاعاً كبيراً - إذ لا تشارك أكثر من 80% منهن في القوى العاملة. وبينما تُعد مشاركة الإناث أعلى إلى حد ما في المناطق القروية، فإنها آخذة في التراجع على نحو أكبر. وتعمل جميع النساء تقريباً في المناطق القروية بصفة غير رسمية، غالباً في مزارع عائلية وما يتصل بها من أنشطة. ولا يوجد سوى عدد قليل من البدائل المتاحة. وفي المناطق الحضرية، ترتبط مشاركة المرأة ارتباطاً وثيقاً بالتعليم والوضع الأسري. وعلى الرغم من أن النساء العاملات في المدن غالباً ما يكن حاصلات على تعليم جيد نسبياً، فإن غالبيتهن (55%) يعملن في وظائف غير رسمية.
3. خلق المزيد من الوظائف الجيدة
ارتفع عدد العاملين في القطاع الرسمي في عام 2019 بمقدار 600 ألف عامل عما كان عليه في عام 2010. ومع ذلك، لا يزال هناك نحو ثلاثة من كل خمسة عاملين يعملون في القطاع غير الرسمي، وعند إضافة أصحاب العمل الحر وأفراد الأسرة العاملين، يصبح النطاق العام للعمل غير الرسمي أوسع بكثير.
على الرغم من ذلك، من المهم إدراك أن للسمة غير الرسمية أوجه عديدة. فهي تشمل العاملين في الشركات التي تحقق أرباحاً والتي يجب أن تكون رسمية ولكنها تعمل بصفة سرية لتجنب دفع الضرائب وسداد اشتراكات الضمان الاجتماعي. وغالباً ما تكون ظروف العمل في هذه الشركات سيئة، بل وخطيرة في بعض الأحيان، كما اتضح على نحو مثير من حادث مصنع طنجة مؤخراً. إلا أن الطابع غير الرسمي يشمل أيضاً ملايين الأسر التي تكسب قوت يومها عن طريق العمل الفلاحي في المناطق القروية، أو العمل الحر، أو العمل كموظفين في المشروعات متناهية الصغر والصغيرة حيث غالباً ما تكون الإنتاجية منخفضة للغاية بحيث لا يمكن أن تصبح معها هذه الأعمال رسمية.
ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن مثل هذه الوظائف لا يمكن أن تنتشل الناس من براثن الفقر وأن تصبح، بمرور الوقت، رابطاً مهماً لهم بالمجتمع، وبداية لسلم وظائف أعلى جودة فيما بعد. إلا أنه بسبب وجودهم خارج القطاع الرسمي، فإن جميع هؤلاء العمال وأسرهم تقريباً يعانون من عدم القدرة على الحصول على الخدمات الصحية، ودخل التقاعد، والتأمين من فقدان الدخل. وفي حين سيكون ضم المزيد من الأشخاص في نظام الضمان الاجتماعي أمراً مرغوباً فيه، فإن الإستراتيجية البديلة ستتمثل في توفير الحماية الاجتماعية والصحية على نحو مستقل عن وضعهم الوظيفي. وتجدر الإشارة إلى أن بلداناً في أمريكا اللاتينية قد أحرزت تقدماً في هذا الطريق من خلال وضع سياسات اجتماعية موجهة نحو مساعدة الفقراء العاملين مع تقليل التشوهات المحتملة في سوق الشغل.
4. ترجمة نمو الإنتاجية إلى مزيد من الوظائف الجيدة
لقد حقق المغرب نجاحاً في تعزيز بعض الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، ولاسيما في المناطق الحضرية الرئيسية في البلاد. وبينما أدى هذا الأمر إلى خلق بعض الوظائف الجيدة على المستوى المحلي، كانت التأثيرات على القطاعات الأخرى والمناطق الأخرى في البلاد محدودة.
وقد أظهرت التجربة الدولية أن التحول الهيكلي مع انتقال العمال من الأنشطة منخفضة الإنتاجية إلى الأنشطة مرتفعة الإنتاجية يُعد أمراً أساسياً لعملية مستدامة لخلق فرص العمل. ويمكن أن يشمل ذلك الأمر التوسع في القطاع الصناعي أو، على نحو متزايد، الخدمات ذات القيمة المضافة العالية. وقد شهدت بعض المناطق هذا النوع من التحول: في الدار البيضاء، على سبيل المثال، شهد قطاع الصناعات التحويلية زيادة سريعة في الأنشطة كثيفة رأس المال وذات القيمة المضافة العالية، في حين ظهرت في طنجة قطاعات مختلفة لتقديم مساهمات أكثر توازناً في نمو الإنتاجية.
وتعليقاً على التقرير، صرح جيسكو هينتشل، مدير دائرة المغرب بالبنك الدولي قائلا: "لطالما كان التعطل عن العمل تحديا كبيرا، واليوم تستحق هذه الظاهرة اهتماما خاصا. فإن التعطل يؤثر على رفاه الأفراد وأسرهم، ويحد من التنمية الاقتصادية في البلاد. ويُعد ارتفاع مستويات تعطل الشباب عن العمل مصدر قلق كبير لأن ما يكتسبونه من خبرات مبكرة في سوق الشغل مهم لمستقبلهم، بل وللبلاد في واقع الأمر".
مقالات ذات صلة
مجتمع
إفريقيا
اقتصاد