مجتمع
حالات الانتحار.. نهايات مأساوية في زمن "كورونا"
05/12/2020 - 18:26
مريم الجابريبعد تدهور حالته الصحية والنفسية، أقدم رجل ستيني متزوج وأب لابن، على وضع حد لحياته شنقا، بحي "بيبلو" بأصيلة، جراء أزمة اقتصادية تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة. وخلفت الفاجعة صدمة كبيرة اهتزت لها ساكنة أصيلة، خصوصا وأنه قبل أسبوعين أقدمت فتاة في عقدها الثالث على وضع حد لحياتها هي الأخرى، بعدما عانت من أمراض نفسية، تناولت جراءها مجموعة من الأدوية المهدئة.
رجح محمد البرودي، أخصائي في العلاج النفسي وطب الإدمان بسلا، الأسباب الناجمة عن ارتفاع حالات الانتحار خلال فترة الحجر الصحي وبعده، في الهشاشة النفسية، والمشاكل الاجتماعية، التي ترتبط غالبا بحالات الهجر، والخصام، والطلاق، والمشاحنات داخل الأسرة، وسوء في التنشئة الاجتماعية، وأزمات اقتصادية عانى منها العديد من المغاربة خلال هذه الفترة.
ارتفاعات مهولة
وكانت المنظمة العالمية للصحة قد قدمت تقريرا سنة 2013 حول نسب ومعدلات الانتحار، في جميع دول العالم، ومنها المغرب، حيت سجلت آنئذ ارتفاع نسبة الانتحار بـ90 في المائة، بين سنتي 2000 و2013، مما أوصل العدد إلى 1228 حالة انتحار، وهي فقط الحالات التي تم إحصاؤها، بمعنى أن هناك حالات لم يتم التصريح بها.
وأشار البرودي إلى أنه يجب على العائلات أن تكون حذرة، خصوصا مع الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية، تؤدي بهم إلى تدنيات على المستوى الدراسي، وتغيرات على المستوى السلوكي ينتج عنها انطواء وقلة تواصل مع الأسرة، الشيء الذي يمكنه أن يمهد الطريق للتفكير في الانتحار.
وأوصى الأخصائي في العلاج النفسي بضرورة تحسيس الأسر والأطفال، وتوعيتهم بمعنى وخطورة الانتحار وبالمشاكل التي يمكنها أن تؤدي إليه، مع التشجيع على مجموعة من الأنشطة والممارسات، التي من خلالها يمكن تجنب الوقوع في فعل الانتحار، وخصوصا بالنسبة إلى المراهقين.
وأكد البرودي على ضرورة ملء الهوة بين المراهقين وأولياء أمورهم، لتسهيل التواصل والحوار البناء بينهم، وأنه إن ظهرت بعض الاضطرابات، كالتي سبق ذكرها، على شخص ما داخل الأسرة، فعليهم إحالته على أطباء متخصصين، لتشخيص الحالة ومحاولة التعامل معهم بالطريقة الصحيحة.
نظرة سوداوية
من جهة أخرى، يرى محسن بن زاكور، باحث في علم النفس الاجتماعي، أن هناك سببين رئيسيين؛ وهما الاضطرابات النفسية والاجتماعية، ولكن كلاهما يلتقي في بعض التداخل بين ما هو نفسي واجتماعي، بمعنى أن التربية التي تلقاها الفرد داخل المجتمع، سواء كانت في مدرسة أو أسرة أو محيط آخر، تمثل العنصر الأساسي الذي يترتب عنه المرض النفسي والمشاكل الاجتماعية المنهكة.
ويضيف بن زاكور أن "الاختلالات النفسية والاجتماعية، وما نسميه 'العزلة الاجتماعية' قد تفضي، في غالب الأحيان، إلى الأفكار السوداوية، الناجمة عن مجموعة من المسؤوليات الكبرى، التي تجعل الانسان يتورط فيما يعرف بـ'العلاقات المادية القاسية' مثل الاستدانة، القروض من طرف الأصدقاء، المشتريات التي تفوق طاقة دخل الفرد، الأمر الذي يخلق ضائقة مالية خطيرة، تؤدي إلى النظرة المتشائمة التي تفضي إلى الانتحار".
ويردف المتحدث نفسه أن "كل علماء النفس متفقون أنه ليس هناك تفسير واحد وأوحد للإقبال على عملية الانتحار، وبالتالي لا تخضع للقانون العلمي الطبي، لأنها مسألة فردية وشخصية، تختلف أسبابها وصورها من شخص لآخر".
ويوضح الباحث أنه من اللازم إدراك الأعراض، وهي العلامات السلوكية التي قد تساعد الذين يعيشون بجوار المقبل على الانتحار، ويجعلهم يفهمون نسبة المرور للفعل، وأبرزها: الحزن الشديد الذي يظهر على الشخص بشكل مفاجئ، والغضب، والمزاجية، والتقوقع على النفس، وعدم الاقبال على الحياة، وأخطر هذه العلامات هو أن الشخص يصبح مؤمنا بأن المستقبل لا خير ولا أمل فيه، بمعنى أنه يصل إلى أقصى الدرجات من اليأس، كما أنه يفكر في فكرة الموت ويرددها، ناهيك عن الأرق ومشاكل في النوم، مما يظهر اصفرارا في وجهه، وسوادا تحت عينيه".
ويوصي بن زاكور بعرض الشخص الذي تظهر عليه العلامات السالف ذكرها على طبيب نفسي مختص، مما قد يساعده على تجاوز التفكير في فعل الانتحار، كما يجب تكثيف الأنشطة التي تجعله يتشبث بالحياة، والتي يجد أثناء ممارسته لها متعة، وأن يعيد النظر في أسلوب حياته قبل أن يتفاقم الوضع.
ويختم المتحدث ذات تصريحه بالقول إنه يجب إيجاد حل سريع للظروف الاجتماعية القاهرة، والتي من خلالها يمكن للحكومة المغربية أن تعيد النظر في القروض المنزلية، التي تثقل كاهل بعض الأسر، مما يدعو إلى وضع صندوق خاص لمساعدة الأسر التي تعجز عن أداء أقساط القروض المنزلية، مع إعادة النظر في العلاقات الأسرية، عن طريق توفير الآليات الجوهرية من إرشادات أسرية، مما له من دور أساسي في توطيد العلاقات في كل الاتجاهات الممكنة؛ أي بين الأزواج، والأبناء، والعائلات بصفة عامة...
الحق في الحياة
وفي نفس السياق أشار محمد بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الانسان، أنه مع غياب إحصاءات دقيقة حول الجهات التي تعرف ارتفاعا في نسب الانتحار داخل المغرب، ومن خلال التتبع الميداني، أكد أن جهة طنجة تطوان الحسيمة، تقع في مقدمة هذه الجهات، التي تعرف الانتحار بشكل كبير، خصوصا في الأشهر الأخيرة من سنة 2020، إذ لا تقل في 3 سنوات عما بين 50 و70 حالة انتحار مصرح بها.
ودعا رئيس مرصد الشمال لحقوق الانسان إلى حلول عملية، في ظل غياب أي دراسة معمقة، تنجزها الجهات الوصية، لفهم عمق الظاهرة، بحكم أن المسألة معقدة يرتبط فيها النفسي بالاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي.
ودعا بن عيسى إلى التدخل السريع للجهات المعنية والحكومية، لأن "الأمر يرتبط بالصحة النفسية للمواطن المغربي، خصوصا وأننا أمام مئات الحالات سنويا تقبل على فعل الانتحار، مما يدق ناقوس الخطر، ويحتم التدخل لضمان حق من حقوق الإنسان، ألا وهو الحق في الحياة"، على حد تعبيره.
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
مجتمع