مجتمع
خلفي: تدريس الأمازيغية على الهامش في ظل الجائحة
03/11/2020 - 11:02
حليمة عامر
كيف تقيمون تدريس الأمازيغية في الظرفية التي يعيشها المغرب؟
بغض النظر عن الوضعية الحالية التي أصبح يعيشها المغرب جراء جائحة "كوفيد19، يمكن القول إن تدريس اللغة الأمازيغية قد قطع بعض الأشواط المهمة. فمنذ سنة 2003 عمد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بتنسيق مع الوزارة الوصية، إلى تأهيل الموارد البشرية، سواء في إطار التكوين المستمر أو في إطار التكوين الأساس أو من خلال مساهمته في تأطير طلبة الجامعات أو من خلال مساهمته كذلك في تكوين طلبة وأطر المعاهد العليا.
وهكذا، فمنذ سنة 2003، تم تكوين، في إطار التكوين المستمر، حوالي 15000 أستاذ(ة) وحوالي 300 مفتش(ة) وأكثر من 75 مكون(ة)؛ وفي إطار التكوين الأساس، الذي انطلق سنة 2008-2009، تم تكوين العديد من أفواج الأطر التربوية التي تخرجت من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، والتي منها حوالي 964 أستاذ وأستاذة تخرجت بعد إحداث شعبة اللغة الأمازيغية سنة 2012؛ إضافة إلى تكوين وتأطير الطلبة المفتشين بمركز تكوين مفتشي التعليم، منذ استئناف التكوين به سنة 2010.
هل يتم توظيف هذه الأعداد بما يكفي من أجل تعميم تدريس الأمازيغية؟
بالرغم من أن هذه الأرقام لا يتم استثمارها بالشكل الكافي في تعميم تدريس اللغة الأمازيغية على مستوى التعليم الابتدائي، إلا أنها تعطينا مع ذلك بعض المؤشرات لتقييم الوضعية الحالية. وبالموازاة مع ذلك، نشير إلى أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وفر عُدد التكوين الخاصة بمختلف الفئات المشار إليها (أساتذة، مفتشون، مكونون، مدراء...)، وهو ما يعتبرُ عملاً ذا أهمية بالغة في هذا السياق، لكونه يتضمن مجزوءات ومصوغات تحتوي على مضامين خاصة باللغة الأمازيغية وديداكتيكها إضافة إلى الثقافة.
ماذا عن التعليم الجامعي؟
وأما على مستوى التعليم الجامعي، الذي انطلق تعليم الأمازيغية فيه، منذ سنة 2006-2007، فإنه بالإضافة إلى إعداد العُدد الخاصة بمسالك وشعب وماسترات الدراسات الأمازيغية، تم تكوين الآلاف من الطلبة في كل من جامعة ابن زهر بأكادير، وجامعة محمد الخامس بالرباط، وجامعة محمد الأول بوجدة، وجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس وجامعة شعيب الدكالي بتطوان. وحسب التقديرات الإحصائية الجزئية المتوفرة لدينا حالياً، فقد بلغ عدد الطلبة المسجلين، مثلاً، بجامعة ابن زهر بأكادير منذ الموسم الدراسي 2007-2008 إلى نهاية الموسم الدراسي 2016-2017 ما مجموعه 6582 طالب وطالبة على مستوى الإجازة، في حين وصلت أعداد المسجّلين في الماستر منذ الموسم الدراسي 2006-2008 إلى الموسم الدراسي 2016-2018 ما مجموعه 175 طالب وطالبة. أما بالنسبة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، فقد بلغ عدد الطلبة المسجّلين بكل من الدراسات الأمازيغية والماستر منذ الموسم الدراسي 2008-2009 إلى الموسم الدراسي 2019-2020 ما مجموعه 3310 طالب وطالبة. وعلى صعيد كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة الحسن الأول بوجدة، فإن مجموع الطلبة الذين تسجلوا في مسلك الدراسات الأمازيغية، منذ 2008-2009 إلى حدود 2016-2017 قد ناهز 870 طالبا(ة)، وعدد الذين تسجلوا في الماستر وصل إلى حوالي 90 مسجلا. وهي أرقام رغم جزئيتها، كما قلت، فإنها تعطينا فكرة عن المسار الذي تتخذه الدولة في طريق تحضير الموارد التربوية والعلمية المؤهلة لتعميم اللغة الأمازيغية في مختلف مستويات التعليم.
هل معاهد التكوين العليا الخاصة بالأطر انخرطت في هذه الدينامية؟
لم تقتصر دينامية تدريس اللغة الأمازيغية فقط على المدارس الابتدائية (رغم قلتها) ولا على كليات الآداب والعلوم الإنسانية (رغم عدم تعميمها) بل تجاوزت إلى تدريسها في بعض المعاهد العليا، لتكوين أطرها؛ وقد انخرط المعهد في هذا الورش، منذ سنة 2011-2012، لتدريسها بكل من المعهد الملكي للإدارة الترابية، حيث كوّن أكثر من 20 فوجاً، بمعدل فوجين كل سنة، ووصلت أعداد المكوّنين خلال هذه المدة إلى ما يناهز 1200 إطار؛ إضافة إلى تدريسه لهذه اللغة لعدة أفواج من طلبة المعهد العالي للإعلام والاتصال وصلت أعدادهم إلى 144 طالبا(ة). وتفعيلاً كذلك لما نص عليه منشور رئيس الحكومة رقم: 05/ 2017 المؤرخ في: 28 يونيو 2017 حول تدريس اللغة الأمازيغية في بعض المؤسسات والمعاهد العليا (المدرسة الوطنية العليا للإدارة، المعهد العالي للقضاء، المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث)، واستجابة للطلبات التي وردت عليه في هذا الإطار، عملت مؤسسة المعهد على تكوين العديد من الأطر والطلبة التابعة لبعض المؤسسات المشار إليها أعلاه ومؤسسات أخرى تربطها بالمعهد اتفاقيات شراكة، وذلك مثل الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
ماهي المشاكل التي طرحت في تدريس الأمازيغية عند اعتماد التعليم عن بعد؟
كما تعلمين فإن الظرفية التي نعيشها ظرفية استثنائية بكل المقاييس. فنحن نمر بوضع غير مسبوق على مستوى منظومتنا التعليمية.
وإذا أضفنا إلى هذا أن الأمازيغية كانت تعيش هذه الوضعية في المدرسة المغربية قبل أن يجتاح "كوفيد-19" العالم، بسبب تأخر إدراجها وضعف تعميم تدريسها الأفقي والعمودي في جميع المسالك والمستويات التعليمية، فإن هذه الظرفية المشار إليها ستصبح أكثر قساوة، بحيث أنها عمقت أكثر من هذه الظرفية الاستثنائية.
هل الموارد البشرية متوفرة من أجل تعميم التعليم؟
من المعلوم أن الأمازيغية، رغم أن إدراجها بالمنظومة التربوية المغربية بدأ منذ سنة 2003، وبالرغم من كل العمليات التي قامت بها الدولة المغربية، في شخص الوزارات المعنية، بتنسيق مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إلا أنها، مع ذلك، لم تتعمم لحد الآن، نظراً لقلة الموارد البشرية المؤهلة من أساتذة ومؤطرين ومكونين، إلخ... غير أن الإكراه الآخر الذي أصبح يواجهه تدريس هذه اللغة، في هذه الظرفية الصعبة، هو ضعف الحيز الزمني المعطى لها في البث على شاشات القنوات التلفزية المغربية. إذ بسبب ضعف التنسيق على صعيد الأكاديميات بهدف إنتاج دروس على غرار دروس المواد الأخرى، فإن الأمازيغية بقيت على الهامش ولم يُعط لها إلا حيز ضعيف جدا. وكأن هذا الحيز يترجم بالفعل وضعها الضعيف في المدرسة العمومية وغيابها التام تقريباً من المدارس الخاصة. وقد دفع هذا الأمر العديد من الأساتذة والفاعلين في مجال تعليم اللغة الأمازيغية إلى إنتاج هذه الدروس وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي، مما مكن من خوض تجربة ثرية يمكن أن يكون لها ما بعدها.
كيف تعاطى المعهد من أجل تدارك ما تتحدثون عنها؟
بالرغم من كل هذه المعيقات التي تعود، كما أشرنا، إلى ضعف تعميم تدريس اللغة الأمازيغية وضعف الاهتمام بوضعية تعميمها، على الأقل، من خلال الوسائل الإعلامية ووسائط التواصل الاجتماعي، فإن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أنتج العديد من الموارد البيداغوجية الرقمية، والتي منها: إصداره لأقراص مدمجة ومعاجم إلكترونية مصورة وتطبيقات وحوامل تربوية في صيغتها الإلكترونية وموارد رقمية خاصة ببرنامج تعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصال (جيني).
وقد عمل بعض الأساتذة والجمعيات التربوية المتخصصة في مجال تدريس اللغة الأمازيغية لمواكبة قرارات وزارة التربية الوطنية في مجال التعليم عن بُعد ولتجاوز الوضعية الحالية على تقديم منتوج للتدريس يمكن اعتباره الأول من نوعه. ونظراً لأهميته، فإن المعهد عمد إلى تكريم بعض هؤلاء المنتجين المبدعين في مجال التدريس عن بُعد بمناسبة اليوم العالمي للمدرس يوم 05 أكتوبر 2020. حيث كرم أربعة أساتذة مبدعين إلى جانب أساتذة جامعيين ومكونين بمراكز التربية والتكوين ومفتشين وأساتذة التعليم الابتدائي. وسيعمل كذلك (أي المعهد) على تقييم هذا التجربة وتطويرها من خلال تنظيم أوراش تكوينية في المجال.
ويبقى مع ذلك أن درس اللغة الأمازيغية، على غرار الدروس الأخرى، عانى من إكراهات كوفيد 19 كما عانى من إكراهات أخرى لها علاقة بوضعية التلاميذ الذين لا يتوفر أغلبهم على الأجهزة الإلكترونية القمينة بمتابعتهم الدروس عن بعد. ففي المناطق القروية، مثلاً، قليل منهم من يمتلك اللوحات الإلكترونية لمتابعة هذه الدروس، التي لم تؤخذ، للأسف ولحد الآن، بعين الاعتبار.
هل المتدخلون قطاع التربية والتعليم يستحضرون بما يكفي الطابع الدستوري للغة الأمازيغية؟
من المشاكل التي لازالت تعاني منها هذه الدروس، هو استمرار السلوكات السابقة لبعض المسؤولين على قطاع التربية والتعليم. ذلك لأن العديد منهم لم يفهم، لحد الآن، أن اللغة الأمازيغية معترف بها من طرف أعلى سلطة في البلاد، منذ سنة 2001، وأنها أصبحت لغة دستورية منذ 2011، وأن الدولة تعمل على تعميمها الأفقي والعمودي استناداً إلى القانون التنظيمي رقم 16-26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وإلى القانون الإطار رقم 17. 51 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي اللذين صدرا سنة 2019. بسبب ذلك نلاحظ أن بعض مدراء المؤسسات التعليمية وبعض المديريات عندما يكون لديها خصاص في تدريس المواد الأخرى تطلب من أساتذة اللغة الأمازيغية ترك دروسهم الأصلية (أي الأمازيغية) والتفرغ لدروس اللغتين العربية والفرنسية. كما أن بعض المدراء الآخرين يفرضون على هؤلاء الأساتذة عندما ينتقلون من مدرسة إلى أخرى أن يدرسوا مواد أخرى تحت نفس الذريعة أو أن بعضهم يرفض أن يستقبل أساتذة عينوا لتدريس هذه اللغة بذريعة أنه غير محتاج لتدريسها. وهو أمر يجب على وزارة التربية الوطنية أن تنبه إليه وتضع له حداً.
هل تعميم الأمازيغية واقعيا يعكس الجهود التي بذلت من أجل ذلك؟
بشكل عام، يمكن القول إن هناك إنجازات مهمة قام بها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في إطار الشراكة التي تربطه بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي. هذه الإنجازات نجدها على أكثر من مستوى منها: تكوين مختلف فئات الأطر التربوية، تأطير الطلبة في الجامعات، تأليف الكتب المدرسية، إعداد الموارد الرقمية، إنجاز العديد من الحوامل البيداغوجية المختلفة من معاجم مدرسية وقصص وحكايات مصورة وأناشيد إضافة إلى عدد مهم من الدلائل المدرسية والعُدد الخاصة بمجزوءات اللغة والديداكتيك والثقافة ومصوغات خاصة بالتعليم العالي وكتب لتدريس اللغة الأمازيغية للكبار وبالمعاهد العليا، ثم القيام بدراسات تشخيصية وترصيدية في هذا المجال.
إلا أنه على مستوى تعميم تدريس اللغة الأمازيغية عموديا وأفقياً لا زلنا نراوح مكاننا. فعدد التلاميذ الذين يستفيدون من هذه الدروس لا يتجاوزون 400 ألف من ضمن حوالي أربعة ملايين في التعليم الابتدائي.
أما في الإعدادي والثانوي فلا شيء لحد الآن، وهذا بالرغم من كون المعهد قد أنجز كتاباً مدرسياً لهذا الغرض وأنجز دليلاً لتكوين أساتذة التعليم الإعدادي. أضف إلى كل هذا أن عدداً كبيراً من الأساتذة والمفتشين والمكونين بالتعليم الابتدائي قد تقاعدوا ولم تتم عملية تعويضهم مما يؤثر بشكل سلبي على مسارات الأساتذة.
وإذا كانت بعض الجامعات قد بدأت بفتح شعب وماسترات خاصة بالأمازيغية، فإن العديد منها كذلك لم تباشر عملية فتحها لحد الآن، وهذا بالرغم الخصاص المهول في مجال الموارد البشرية الخاصة بالتعليم وبقطاعات أخرى كثيرة. نفس الشيء ينطبق على العديد من المعاهد العليا التي لم تباشر لحد الآن تدريس هذه اللغة بالرغم من منشور السيد رئيس الحكومة المشار إليه آنفاً.
وعندما جاءت جائحة كورونا واعتمدت الوزارة التعليمين: البُعدي والحضوري فإنها لم تأخذ بعين الاعتبار تعليم اللغة الأمازيغية بالشكل الكافي الذي يجعل كل التلاميذ يتابعون هذه الدروس على الشاشة، كما أن الوقت المخصص للبث لم يكن ملائماً كذلك.
إن المفروض علينا اليوم جميعاً، كمغاربة وكمسؤولين نحترم قوانينا هو أن ننزل الدستور والقوانين التنظيمية التي تعطي للأمازيغية مكانتها الدستورية.
مقالات ذات صلة
نمط الحياة
مجتمع