مجتمع
ماذا ستغير "كورونا" في المغاربة؟
27/06/2021 - 09:19
وئام فراجصدمة مفاجئة عاشها المجتمع المغربي عند تسجيل أول حالة إصابة بفيروس "كورونا" بالمملكة في شهر مارس 2020. بين ليلة وضحايا تغيرت عادات المجتمع وفُرضت عليه إجراءات احترازية جديدة لم يألفها من قبل. هناك من تقبل هذا التغيير وفئات أخرى رفضته ولم تلتزم به، لكن ما يُجمع عليه أساتذة علم الاجتماع هو أن جائحة "كورونا" كانت فرصة للتأمل الذاتي ولإعادة النظر في السلوكات الفردية والجماعية.
مجتمع رقمي
يرى سعيد بنيس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن المجتمع المغربي يشهد انتقالا من مجتمع كانت تسوده الطمأنينة، إلى مجتمع المخاطر، خاصة المخاطر الصحية التي أزاحت عنها اللثام جائحة "كورونا"، مبرزا أن هذا التحول انعكس بدوره على ما يسمى بالرابط الاجتماعي؛ "أي أن العلاقات الاجتماعية بين الأسر والأفراد عرفت تحولا نوعيا، ويتجلى ذلك أساسا في الانتقال من مجتمع يرتكز على التقارب الجسدي، إلى العيش في نظام التباعد الاجتماعي، الذي بات يميز العلاقات خلال جائحة كورونا."
وتطرق بنيس، في تصريح لـSNRTnews، إلى انتقال المجتمع المغربي من الواقعي إلى الرقمي، "إذ تمت رقمنة عدة خدمات عمومية، واعتماد العمل عن بعد عند بعض المؤسسات من أجل ضمان سيرورة العمل رغم تفشي الجائحة". وأكد أستاذ علم الاجتماع أن "هذه التغييرات الطارئة تستدعي التفكير في النموذج التنموي القادم بالمغرب، والذي يجب أن يتوجه إلى مواطنين رقميين بالأساس"، وفق تعبيره.
وفي إطار الحديث عن التحول الرقمي الذي عرفه المجتمع المغربي، شدد المتحدث ذاته على ضرورة التفكير في "المواطنة" ما بعد كورونا، والتي ترتكز أساسا على "المواطن الرقمي"، مشيرا في هذا الإطار إلى الأرقام التي قدمتها الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، والتي أظهرت أن 99 في المائة من الأسر المغربية يملكون هواتفا ذكية، وهو عدد يفوق المعدل العالمي"، يقول بنيس.
الأفراح والمناسبات
لم تؤثر جائحة "كورونا" فقط على سلوكيات الأفراد، بل فرضت أيضا قيودا جديدة على مجموعة من العادات والتقاليد التي كانت تميز المجتمع المغربي، وتراجع الاحتفال بها في زمن الجائحة، خاصة على مستوى الأعياد والأفراح والجنائز. ويرجح الباحث في علم الاجتماع، استمرار هذا التراجع إلى ما بعد الجائحة.
في هذا الإطار، أشار سعيد بنيس إلى أن إلغاء مظاهر الاحتفال قلل من التكاليف المادية للعرس المغربي على سبيل المثال، وتم تعويضه بالتهاني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما ينطبق ذلك أيضا على التعازي التي لم يعد فيها الحضور الجسدي ضروريا، بل أصبح الناس يكتفون بإعلان خبر الموت على موقع "الفايسبوك" لاستقبال التعازي، وتراجعت بذلك الطقوس المجتمعية لتصبح طقوسا افتراضية، بحسب الباحث في علم الاجتماع.
وفي مقابل هذا التحول الرقمي، يضيف بنيس، أعادت جائحة "كورونا" خلال فترة الحجر الصحي الروابط الأسرية التي افتقدها المجتمع المغربي؛ إذ أصبحت الأسر تجتمع على طاولة الطعام، وتناقش مختلف القضايا التي تهم الشأن الأسري أو الوطني، مبرزا أن "لمة الأسرة" أحد أبرز الدروس التي يجب استخلاصها من "زمن كورونا" والإبقاء عليها بعد انقضاء الوباء.
ويتوقع بنيس أن يعيد اجتماع الأسر، تشكيل العلاقات بين الأفراد وانتقالها إلى علاقات واقعية، بعدما طغى عليها الطابع الافتراضي خلال السنوات الأخيرة، بسبب تنامي استعمال وسائل التواصل الحديثة.
ما بعد "كورونا"
يأمل الباحث في علم الاجتماع أن تكون جائحة "كورونا" فرصة لإعادة النظر في طريقة تعامل أفراد الأسر المغربية مع بعضهم البعض، خاصة الآباء مع أبنائهم، إذ يمكن، بحسبه، أن تتعزز قيم المراقبة ما بعد "كورونا"، بعدما اقترب الآباء من اهتمامات أبنائهم، مبرزا أن المرحلة القادمة من شأنها أن تعيد ما أسماه بـ"علاقة المصاحبة والمعايشة" بين الآباء والأبناء. وشدد المتحدث ذاته على ضرورة الحفاظ على هذا الترابط الأسري، واسترجاع الأسرة لدورها كمحض للتنشئة.
من جهة أخرى، يرى المتحدث ذاته أن من بين مميزات جائحة "كورونا"، التغيير الحاصل في سلوك بعض الأفراد، خاصة على مستوى الجريمة، وأوضح بنيس في هذا الصدد، أن معدل الجرائم المرتكبة خلال هذه الفترة انخفض مقارنة بالسنوات السابقة بسبب انتشار الأمن، وارتفاع منسوب الثقة في مؤسسات الدولة الساهرة على ضمان الأمن بالبلاد.
وشدد المتحدث نفسه على ضرورة الحفاظ على هذه الثقة، لتعميق المواطنة، "عبر الارتكاز على السياسات الحياتية التي تضع الحفاظ على حياة الإنسان وحمايته على رأس أولويات السياسات العمومية".
دروس "كورونا" لم يستفد منها كل أفراد المجتمع المغربي، فحسب الباحث في علم الاجتماع ظهرت، في المقابل، بعض السلوكات الاجتماعية المتمركزة أساسا في ما سماه "عدم الانضباط المواطناتي"، مشيرا إلى وجود عدة أشخاص لم يلتزموا بالتدابير الاحترازية، "بل تعدوا ذلك إلى التشكيك في وجود الفيروس". وأوضح بنيس أن هذه الشريحة لم تعرف تحولا في حياتها اليومية، ومن تم لم تؤثر الجائحة على علاقاتها الاجتماعية.
عادات جديدة
من جهته، يرى علي الشعباني، أستاذ باحث في علم الاجتماع، أن جائحة كورونا لا يمكن أن تمر دون ترك أثر في نفوس المغاربة وعلاقاتهم الاجتماعية، وأبرز الشعباني، في تصريح لـSNRTnews، أن المجتمع المغربي اكتسب العديد من العادات الجديدة التي لم يكن يوليها أي اهتمام من قبل، وعلى رأس هذه العادات؛ الالتزام بالتباعد الجسدي، بعدما كان مشهد التزاحم يطغى على المتاجر وطوابير الإدارات والمؤسسات بمختلف مهامها.
وأوضح المتحدث ذاته أن هذا الإجراء علم الأفراد احترام الصف وكيفية ترك مسافة بينهم وبين الآخرين تجنبا لأي عدوى، "كما جعلت الجائحة الإنسان مهتما بنظافته اليومية، عبر الالتزام بغسل اليدين وتعقيمها بشكل منتظم،" وستمكن هذه العادة، بحسب الشعباني، من تجنب أمراض وأوبئة أخرى يمكن أن تظهر في المستقبل.
ومن بين إيجابيات الجائحة أيضا، يضيف المتحدث ذاته، تبني المملكة أسلوبا جديدا في العمل، مبرزا أن العديد من الناس أصبحوا الآن يؤدون عملهم عن بعد دون الحاجة إلى التنقل، وذهب إلى أن تبني هذا الأسلوب الجديد على المجتمع المغربي، من شأنه التقليل من ازدحام المرور، ومن تم التخفيف من حوادث السير، وانتشار الأمراض والأوبئة.
"التعليم عن بعد من بين الإجراءات الهامة التي اتخذتها الحكومة، والتي يمكن تطويرها مستقبلا من أجل مساعدة التلاميذ على متابعة دروسهم في حال استعصى عليهم الحضور"، يقول الشعباني، داعيا إلى تطوير هذه الآلية للتمكن من تعميمها على كافة الشرائح الاجتماعية.
كما برزت، وفق المتحدث نفسه، مبادرات اجتماعية رسخت قيم التضامن والتعاون لدى المغاربة، سواء المتعلقة بالمساعدات المادية التي قدمتها الدولة للأسر المتضررة من جائحة "كورونا"، أو المساعدات التي تكفلت بها هيئات المجتمع المدني. وشدد أستاذ علم الاجتماع على أهمية ترسيخ هذه القيم لتحقيق تكافل اجتماعي.
انتعاش قطاع الخدمات، من بين الإيجابيات التي رافقت انتشار وباء "كورونا"، يقول الشعباني، موضحا أن فترة الحجر الصحي مكنت من انتعاش المشاريع المتعلقة بإيصال الطعام إلى المنازل، واقتناء الأغراض الشخصية عبر الانترنيت، وظهرت بفضلها شركات صغرى تؤمن حاجيات الأفراد دون الحاجة إلى التنقل. ويتوقع المتحدث ذاته أن تستمر هذه الشركات في أداء مهامها بعد انتهاء "زمن كورونا"، وأن تتطور لتشمل مشاريع أخرى.
مغرب واعد
أكد المعالج النفسي مصطفى ماسيد أن وباء "كوفيد 19" أثر بشكل كبير على الصحة النفسية والعقلية لسكان العالم، مسجلا معاناة العديد من الأشخاص من الاكتئاب والخوف وعدم اليقين بسبب الظروف الاجتماعية والصحية والاقتصادية التي رافقت الجائحة.
كما أشار ماسيد، في تصريح لـSNRTnews، إلى تفاقم الصراعات العائلية خلال فترة الحجر الصحي، والذي وصل إلى حد العنف والعدوانية عند بعض الأسر التي لازمت منازلها. وأثرت الجائحة بشكل كبير، وفق المتحدث ذاته، على نفسية الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة وكبار السن، بسبب الخوف من احتمال الإصابة بالفيروس وخطر الموت.
ويحذر المعالج النفسي من الآثار السلبية التي يمكن أن تتركها جائحة "كورونا" على نفسية الأشخاص بعد انقضاء الفيروس، مبرزا أن التوتر والإجهاد النفسي الذي تسببت فيه الجائحة، يمكن أن يؤدي إلى ما يسمى بـ"متلازمة ما بعد الصدمة"، وتُعرف هذه المتلازمة بـ"اضطراب القلق المرهق الذي يحدث بعد التعرض لحدث صادم أو مشاهدته، وقد يؤثر سلبا على الحياة المهنية والشخصية للأفراد".
وعلى المستوى الداخلي، تطرق ماسيد، ضمن تصريحه، إلى ما سماه "النهضة" التي عرفها المغرب في ظل الجائحة، مبرزا أن المغاربة استعادوا الثقة في مؤسساتهم التي أظهرت كفاءتها في مواجهة الجائحة، وتجندت لخدمة الشعب. كما أعادت "كورونا"، بحسب المعالج النفسي، ثقة العديد من المواطنين في العاملين بقطاع الصحة "الذين يخاطرون بحياتهم من أجل إنقاذ أرواح المصابين بالوباء".
وأكد ماسيد أن الجائحة أعادت في الوقت نفسه ثقة المواطنين في الأمن، بفضل المجهودات التي بدلتها الدولة للتصدي للوباء، داعيا إلى الحفاظ على هذا المكتسب،" بالإضافة إلى باقي الدروس المتعلقة بترسيخ قيم التضامن والمساعدة والإحسان لدى المواطنين، وترسيخ قيم الوطنية والمواطنة بين المغاربة، والتي ظهرت منذ الأشهر الأولى للجائحة." وتدل كل هذه القيم والدروس المكتسبة، وفق المتحدث ذاته، على إمكانية تقوية الروابط بين المغاربة من جديد لبناء مغرب أفضل بمستقبل واعد.
مقالات ذات صلة
مجتمع
نمط الحياة
اقتصاد