اقتصاد
هكذا حدد جلالة الملك معالم النموذج التنموي المأمول
25/05/2021 - 20:29
SNRTnewsلم تكن تلك المرة الأولى التي يتحدث فيها جلالة الملك عن النموذج التنموي الجديد. ففي الخطاب الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة عيد العرش في التاسع والعشرين من يوليوز 2019، أكد على الإنجازات التي مثلت نقلة نوعية، على مستوى البنيات التحتية، سواء تعلق الأمر بالطرق السيارة والقطار الفائق السرعة والموانيء أو مجال الطاقات المتجددة وتأهيل المدن والمجال الحضري، كما شدد على الخطوات التي تم قطعها في مسار "ترسيخ الحقوق والحريات وتوطيد الممارسة الديمقراطية السليمة".
منجزات لا تكفي
إلا أن جلالة الملك اعتبر أن البنيات التحتية والإصلاحات المؤسسية، رغم أهميتها، لا تكفي، حيث أكد على أن "ما يؤثر على هذه الحصيلة الإيجابية، هو أن آثار هذا التقدم وهذه المنجزات، لم تشمل، بما يكفي، مع الأسف، جميع فئات المجتمع المغربي".
وشدد على أن "بعض المواطنين قد لا يلمسون مباشرة، تأثيرها في تحسين ظروف عيشهم، وتلبية حاجياتهم اليومية، خاصة في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية، والحد من الفوارق ا لاجتماعية، وتعزيز الطبقة الوسطى".
وتحدث عن الأهمية التي أعطيت لبرامج التنمية البشرية والنهوض بالسياسات الاجتماعية والتجاوب مع الانشغالات الملحة للمغاربة، غير أنه أكد على ضرورة معالجة المعيقات وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل التنموية والاجتماعية، معتبرا أنه "لن يتأتى لنا ذلك، إلا بعد توفر النظرة الشمولية، ووجود الكفاءات المؤهلة، والشروط اللازمة، لإنجاز المشاريع المبرمجة".
وقد اعتبر جلالة الملك أن النموذج التنموي أبان، في السنوات الأخيرة، عن "عدم قدرته على تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين، وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية، ومن التفاوتات المجالية. وهو ما دفعنا للدعوة لمراجعته وتحيينه"، قبل أن يعلن عن قرار إحدات اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي.
لجنة لقول الحقيقة
وأكد جلالة الملك على أنه تمت مراعاة أن "تشمل تركيبتها مختلف التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص، تتوفر فيها معايير الخبرة والتجرد، والقدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته، واستحضار المصلحة الوطنية العليا"، مضيفا أن تلك "اللجنة لن تكون بمثابة حكومة ثانية، أو مؤسسة رسمية موازية؛ وإنما هي هيأة استشارية، ومهمتها محددة في الزمن".
وشدد على أنه سيكون على اللجنة أن "تأخذ بعين الاعتبار التوجهات الكبرى، للإصلاحات التي تم أو سيتم اعتمادها، في عدد من القطاعات، كالتعليم والصحة، والفلاحة والاستثمار والنظام الضريبي؛ وأن تقدم اقتراحات بشأن تجويدها والرفع من نجاعتها".
وأكد علي أنه يجب على اللجنة أن تباشر عملها "بكل تجرد وموضوعية، وأن ترفع لنا الحقيقة، ولو كانت قاسية أو مؤلمة، وأن تتحلى بالشجاعة والابتكار في اقتراح الحلول".
عقد اجتماعي جديد
وأوضح جلالة الملك أن "الأمر لايتعلق بإجراء قطيعة مع الماضي، وإنما نهدف لإضافة لبنة جديدة في مسارنا التنموي، في ظل الاستمرارية"، مشددا على أن الأهم هو "التحلي بالحزم والإقدام، وبروح المسؤولية العالية، في تنفيذ الخلاصات والتوصيات الوجيهة، التي سيتم اعتمادها، ولو كانت صعبة أو مكلفة".
وعاد جلالة الملك في خطاب موجه للأمة بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب في 20 غشت من العام نفسه، لإثارة موضوع اللجنة حيث حدد لها مهمة ثلاثية: "تقويمية واستباقية واستشرافية"، مشددا على "الطابع الوطني لعمل اللجنة، وللتوصيات التي ستخرج بها، وللنموذج التنموي الذي نطمح إليه: نموذج مغربي- مغربي خالص".
وشدد على أن "يشكل النموذج التنموي، في صيغته الجديدة، قاعدة صلبة، لانبثاق عقد اجتماعي جديد، ينخرط فيه الجميع: الدولة ومؤسساتها، والقوى الحية للأمة، من قطاع خاص، وهيئات سياسية ونقابية، ومنظمات جمعوية، وعموم المواطنين"، معتبرا أن النموذج التنموي المأمول يجب أن يكون عماد المرحلة الجديدة، التي وصفها بـ"مرحلة المسؤولية والإقلاع الشامل".
الحد من الفوارق
وذهب جلالة الملك إلى أن الغاية من تجديد النموذج التنموي، ومن المشاريع والبرامج التي تم إطلاقها، "هو تقدم المغرب، وتحسين ظروف عيش المواطنين، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية"، في الوقت نفسه الذي لاحظ أن "الفئات التي تعاني أكثر، من صعوبة ظروف العيش، تتواجد على الخصوص، في المجال القروي، وبضواحي المدن"، مشددا على "الفئات التي تحتاج إلى المزيد من الدعم والاهتمام بأوضاعها، والعمل المتواصل للاستجابة لحاجياتها الملحة".
وذكر بالدعوات التي سبق أن تم إطلاقها لـ"النهوض بالعالم، عبر خلق الأنشطة المدرة للدخل والشغل، وتسريع وتيرة الولوج للخدمات الاجتماعية الأساسية ودعم التمدرس ومحاربة الفقر والهشاشة"، مشيرا إلى البرنامج الوطني الطموح، للحد من الفوارق بالعالم القروي، الذي رصد له ما يقرب من خمسين مليار درهم، في الفترة ما بين 2016 و2022.
وشدد علي ضرورة الحرص على الاستفادة من تعميم التعليم، والفرص التي يتيحها التكوين المهني، والبرامج الاجتماعية المهنية، في الوقت نفسه، يشدد على ضرورة استثمار كافة الإمكانات التي يوفرها العالم القروي، حيث أشار إلي الأراضي الفلاحية السلالية، التي دعا لتعبئتها بهدف إنجاز مشاريع استثمارية في المجال الفلاحي.
جهود الدولة لا تكفي
غير أن جلالة الملك أكد على أن "جهود الدولة وحدها، لا تكفي لضمان النجاح، لهذه العملية الكبرى"، داعيا إلى دعمها بـ"مبادرات ومشاريع القطاع الخاص، لإعطاء دينامية قوية للاستثمار الفلاحي، وفي المهن والخدمات المرتبطة به، وخاصة في العالم القروي"، مشددا على ضرورة التنسيق الكامل، بين القطاعات المعنية.
وحث على "استغلال الفرص والإمكانات التي تتيحها القطاعات الأخرى، غير الفلاحية، كالسياحة القروية، والتجارة، والصناعات المحلية وغيرها، وذلك من أجل الدفع قدما بتنمية وتشجيع المبادرة الخاصة، والتشغيل الذاتي"، معيدا التأكيد "على أهمية التكوين المهني، في تأهيل الشباب، وخاصة في القرى، وضواحي المدن، للاندماج المنتج في سوق الشغل، والمساهمة في تنمية البلاد".
وشدد على دور التكوين المهني والعمل اليدوي في إدماج الشباب، حيث أشار إلي حرف الصناعة التقليدية، وما توفره لأصحابها، من دخل وعيش كريم، مرورا بالصناعات الغذائية، والمهن المرتبطة بالفلاحة، التي يتعين تركيزها بمناطق الإنتاج، حسب مؤهلات كل جهة،. ووصولا إلى توفير كفاءات وطنية، في السياحة والخدمات، والمهن الجديدة للمغرب، كصناعة السيارات والطائرات، وفي مجال التكنولوجيات الحديثة.
من أجل نمو منتج للرخاء الاجتماعي
ودعا جلالة الملك إلى صيانة مقومات الطبقة الوسطى، وتوفير الظروف الملائمة لتقويتها وتوسيع قاعدتها وفتح آفاق الترقي أمامها وإليها، مؤكدا أن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بـ"تحقيق مستويات عليا من النمو، وخلق المزيد من الثروات، وتحقيق العدالة في توزيع ثمارها".
وأكد على أن النمو الاقتصادي الذي حقق في العقدين الأخيرين يبعث على التفاؤل، معتبرا أنه "بغض النظر عن النقاش حول مستويات وأرقام النمو، فإن الأهم هو العمل على تجاوز المعيقات، التي تحول دون تحقيق نمو اقتصادي عال ومستدام، ومنتج للرخاء الاجتماعي".
ويرى جلالة الملك أن "التطبيق الجيد والكامل، للجهوية المتقدمة، ولميثاق اللاتمركز الإداري، من أنجع الآليات، التي ستمكن من الرفع من الاستثمار الترابي المنتج، ومن الدفع بالعدالة المجالية"، داعيا الحكومة إلي "تصحيح الاختلالات الإدارية، وإيجاد الكفاءات المؤهلة، على المستوى الجهوي والمحلي، لرفع تحديات المرحلة الجديدة".
مقالات ذات صلة
اقتصاد
سياسة
اقتصاد