مجتمع
مراجعة مدونة الأسرة تصطدم بالتغيرات التي شهدتها تركيبة الأسر
27/12/2024 - 15:02
يونس أباعلي
تأتي مقترحات مراجعة مدونة الأسرة في فترة تعرف فيها الأسرة المغربية تغيرات عديدة في حجمها وتركيبتها، لذلك يؤكد خبراء وفاعلون حقوقيون على ضرورة أن تأخذ الإصلاحات المرتقبة التي ستشهدها المدونة هذه التغيرات بعين الاعتبار.
ويفرض الإصلاح المرتقب فتح نقاش جاد حول قضايا الأسرة المغربية، ليس فقط في الجانب القانوني والتشريعي بل أيضا في الجوانب المرتبطة بها، إذ توجد المدونة ويوجد أيضا ما يحيط بها، كما تقول جميلة المصلي، وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة السابقة.
مؤشرات التغير
وقالت المصلي إن هذه التحولات التي تعرفها الأسرة كشف عنها الإحصاء العام للسكان والسكنى الأخير، إذ أشارت إلى أنه في ظرف 10 سنوات فقدت البلاد معدل "تعويض الأجيال"، وهو تحول خطير في نظرها، إذ انخفض معدل الأطفال الأقل من 15 سنة، وتسارع معدل الشيخوخة، قائلة "موضوع المسنين يسائلنا في منظومة القيم لأننا نحتاج إلى تضامن الأجيال الذي يتيح الاندماج الأسري".
ونوهت المصلي، في تصريح لـSNRTnews، بمنهجية تدبير هذه القضايا التي لها علاقة بالمواطن، مضيفة: "لابد من سياسات عمومية مواكبة، وآليات تشريعية أخرى مواكبة، لتتحول الأسرة إلى وحدة أساسية داخل المجتمع".
وفي نظرها، الوقت مناسبٌ لمناقشة "البيئة الداعمة للمدونة"، ويجب أن تكون هناك "سياسة أسرية مندمجة".
وقالت "هناك قيم تحملها الأجيال، وأي ضعفٍ في منظومة القيم، مع الإشكالات الاقتصادية المطروحة، سيؤدي إلى ضعف الترابط داخل البنية الاجتماعية".
وترى الوزيرة السابقة أن التوجه نحو المستقبل يقتضي تدعيم الأسرة والقيم وتدعيم التماسك الأسري، مضيفة أن تجربتها في مسار التنمية الاجتماعية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، أكدت لها أن غياب وتفكك الأسرة له كلفة على الدولة، أي أن وجود الأسرة يساهم في الناتج الحضري ويخفف الأعباء الناتجة عن التفكك.
المصلي لفتت إلى ظاهرة انخفاض نسبة الزواج وارتفاع العنوسة، وبالتالي، بحسبها، يتوجب تيسير الزواج، في وقت ترتفع نسبة الطلاق، قائلة "يجب تدارك الأمر في الإصلاحات المرتقبة، ومؤسسة الصلح والوساطة الأسرية عامل مهم لأن المغرب راكم تجربة يجب استثمارها عبر اللجوء إلى الوسائل الودية في حل النزاعات، والنموذج المغربي متفرد ينعكس ذلك من خلال غياب المشاكل التي تعرفها مجتمعات أخرى، بفضل ثوابته وقيمه".
الأسرة.. الهدف
من جانبها، تؤكد المحامية والبرلمانية زينة شاهيم أن أهم شيء في ما يُرتقب إصلاحه هو الأسرة، وأن المقترحات لا تميل إلى طرف دون الآخر، بل تصب في اتجاه حماية الأسرة ومعالجة كل المشاكل التي ظهرت في السنين الأخيرة.
وأبرزت، ضمن تصريحها لـSNRTnews، أن "دور المدونة هو توضيح الأدوار، وقد أكد جلالة الملك على ضرورة وضع نص تشريعي واضح، كي لا نفتح المجال أمام التأويلات وسوء الفهم وعدم استيعاب فكرة النص التطبيقي".
في هذا الصدد، أوردت مثال توضيح الاستثناء في ما يتعلق بزواج القاصر، حيث تم تحديد سن 17 سنة، بما لا يجعل سلطة التقدير مفتوحة بشكل أكبر كما كان من قبل، فضلا عن باقي الإصلاحات التي تتوخى تجاوز إشكالات أخرى لضمان عدم تفكك الأسرة.
كما أشارت إلى أن قيمة العمل المنزلي للمرأة تحدثت عنها مساطر المدونة، من خلال الكد والسعاية، لكن لم تكن هناك نصوص قانونية واضحة، أما الآن سيتم التأكيد على المساهمة المنزلية، لمنحها حقوقها في حالة الطلاق. كما اعتبرت شاهيم أن إسقاط الحضانة قطع مع حيف سابق.
وقالت "لا يمكن السماح بأن تتضمن الإصلاحات أي ضرر لأي كان، لأن الهدف هو تثمين دور الأسرة المغربية، لضمان عدم تفكك المجتمع، والإصلاحات لن تمس بحقوق الرجل حيث أتت بروح التشاور حتى ما بعد الطلاق".
مرحلة مقبلة حاسمة
تؤكد كل من المصلي وشاهيم على أهمية ما سيأتي به النص القانوني النهائي الذي سيحدد الشكل الذي ستُطبق به هذه الإصلاحات التي ينتظرها المغاربة. إذ أبرزت المصلي أن النص يأتي في وقت فيه تغيرات اجتماعية.
وبحسبها، "يتوجب الأمر مزيدا من التوعية والتعريف بالمضامين، بما يضمن طمأنة المغاربة"، مؤكدة على مسؤولية الحكومة في هذه المرحلة لتتحمل مسؤوليتها في ترجمة ما تم التنصيص عليه من إرادة ملكية في استقرار الأسرة".
وتابعت بالقول "نريد أسرة مطمئنة تساهم في الإنتاج، فقد أظهرت دراسات أن المؤسسة التي يثق فيها المغرب بشكل كبير هي الأسرة، وهو مكتسب لا ينبغي التلاعب به. وقد رأينا في جائحة كورونا كيف عاد الجميع إلى الأسرة". وأضافت أن هذا التخوف يؤكد أن "المغاربة أمام موضوع يهمهم، وبالتالي، المسار التشريعي مدعو إلى اعتماد الأمانة الكبيرة في نقل ما جاء في هذه الأهداف".
من جهتها، شددت البرلمانية شاهيم على أن المقترحات لا تمس جوهر مدونة 2004، إذ أكدت أنها كانت واردة فيها لكن لم تكن موضوع النص النهائي، مضيفة "مثلا مؤسسة الوساطة في الأسرة يجب أن تصبح هيئة لتفادي الطلاق. ولا يمكن أن نقول إن المدونة تشجع على الطلاق، بل تُقننه، لأن الطلاق ليس بالضرورة هو سبب التفكك الأسري، إذ قد نجد بيتا فيه زوجان ولكن الأسرة مفككة، والعكس صحيح".
وأضافت "الأسرة كانت دائما في قلب المجتمع المغربي. عندما جرى تعديل القانون في 2004 تم إدخال العديد من الأمور لصالح تماسك الأسرة، لكن لسوء الحظ لم يتم احترام العديد من التدابير في الواقع"، وكمثال لذلك قالت إنه لم يتم تفعيل إمكانية إنشاء مجلس للأسرة في إطار إجراءات الطلاق، والذي كان من شأنه أن يوفر للزوجين مساعدة مستشار".

مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
مجتمع
مجتمع