مجتمع
مراجعة مدونة الأسرة .. نقاش عمومي بين المغالطات والمساطر القانونية
26/12/2024 - 16:11
مراد كراخي
يتزايد النقاش بالمغرب حول موضوع ورش مراجعة مدونة الأسرة، وقد أثارت مقترحات التعديلات المقدمة بهذا الخصوص نقاشا واسعا على مستوى الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني، إضافة إلى منصات التواصل الاجتماعي التي يستغلها البعض لتمرير مغالطات كثيرة حول هذا الموضوع.
وقد تم عرض الخطوط العريضة لما تحقق في موضوع مراجعة قانون الأسرة، بتعليمات من جلالة الملك، بعد اكتمال مسار الاستشارات الواسعة التي أشرفت عليها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، وفي أعقاب إبداء المجلس العلمي الأعلى لرأيه الشرعي، بخصوص بعض مقترحات الهيئة المرتبطة بنصوص دينية قطعية.
وتضمنت المقترحات عددا من التعديلات، من بين أبرزها توثيق الخطبة، وتحديد سن الأهلية للزواج بـ18 سنة مع استثناء القاصرين في سن 17 سنة بشروط محددة، تمكين الزوجة من اشتراط عدم التعدد في عقد الزواج، كما شملت المقترحات تسهيل الطلاق الاتفاقي بين الزوجين، إضافة إلى تنظيم حقوق الزوجين في ما يتعلق بالأموال المكتسبة أثناء الزواج، وتوفير حماية قانونية للأموال الخاصة بالأطفال.
وتناولت المقترحات أيضا مسائل الحضانة، بحيث تظل مشتركة بين الزوجين أثناء وبعد الزواج، مع تأكيد حق الأم في الحضانة حتى بعد الطلاق، كما تم اقتراح إدخال آليات قانونية لتسريع تنفيذ أحكام النفقة، وحماية أموال القصر، كما تضمنت حقوق الزوجين في الاحتفاظ ببيت الزوجية في حال وفاة أحدهما، وتفعيل مقترح المجلس العلمي الأعلى فيما يتعلق بإرث البنات، وكذلك فتح باب الوصية والهبة في حال اختلاف الدين بين الزوجين.
مغالطات
في إطار النقاش المستمر حول هذه التعديلات، حذرت فتيحة شتاتو، المحامية بهيئة الرباط وعضو فدرالية رابطة حقوق النساء، من مغالطات يتم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي حول هذا الموضوع.
قالت شتاتو إن النقاش الدائر بخصوص المقترحات الخاصة بمدونة الأسرة بين مختلف المتدخلين تُعد ظاهرة صحّية في طريق صياغتها قانونيا، منبهة في الوقت ذاته إلى وجوب التصدي لعدد من المغالطات، خصوصا على منصات التواصل الاجتماعي.
وأوضحت شتاتو، في تصريح لـSNRTnews، أن ما يجب الوقوف عنده هو أن ما تقدمت به الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة هو "عبارة عن مقترحات قابلة للنقاش والتعديل وليست نصا قانونيا نهائيا"، مشيرة إلى أن صياغة هذه المقترحات جاءت بعد مشاورات طويلة شارك فيها مختلف الأطراف، كما أن المجلس العلمي الأعلى أبدى رأيه الشرعي، في المقترحات المرتبطة بنصوص دينية قطعية.
وتابعت أن بعض النقاشات على منصات التواصل الاجتماعي تتم بناء على مغالطات لا علاقة لها بالمغزى الرئيسي لهذا الإصلاح الذي جاء لتدارك الثغرات التي ظهرت في هذه المدونة الصادرة قبل عشرين سنة، ولمواكبة التطورات التي تعرفها الأسرة المغربية، والاتفاقيات الدولية التي وقّع عليها المغرب، في حدود احترام ثوابت المملكة وتعاليم الدين الإسلامي.
وأكدت أن الكثير من الأصوات تحاول أن تنشر مغالطات من قبيل أن "هذه التعديلات جاءت ضد الرجال" أو أنها "ستساهم في زيادة عزوف الشباب عن الزواج"، مشددة على أن هذه الأحكام بعيد كل البعد عن مقاصد هذا الإصلاح الذي يهدف إلى ضمان استقرار الأسرة المغربية في توافق مع الثوابت الدينية، وفي انسجام تام مع متطلبات العصر، مع الحرص على "عدم تحريم حلال ولا تحليل حرام".
الصياغة القانونية
قالت بثينة قروري، أستاذة القانون بجامعة محمد الخامس بالرباط، ورئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، تعليقا على مقترحات التعديلات التي تقدمت بها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، إننا "أمام أفكار سيتم العمل على تدقيق صياغتها بشكل يتناسب مع توجهات هذا الإصلاح الذي أراد له جلالة الملك أن يكون في صالح الأسرة المغربية".
وأفادت قروري، في تصريح لـSNRTnews، بأن جلالة الملك أطلق هذا المسار الإصلاحي بهدف تحسين النظام القانوني للأسرة المغربية، مضيفة أن التعديلات المقترحة مؤطرة بمضامين الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة، والمتمثلة في ضابط "عدم تحريم حلال ولا تحليل حرام"، ومبادئ العدل والمساواة والتضامن النابعة من الدين الإسلامي، وكذا القيم الكونية المنبثقة من الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة.
وأبرزت أن مضامين هذه المقترحات لايزال أمامها وقت طويل سيتخلله نقاش كبير، حيث سيتم أولا صياغتها على شكل مسودة لمشروع قانون، لتحال بعد ذلك على الأمانة العامة للحكومة التي ستضمن انسجام الصياغة القانونية مع باقي المقتضيات القانونية الأخرى التي لها تقاطع مع مدونة الأسرة.
وأشارت إلى أنه سيتم بعد ذلك عرض مشروع القانون على مجلس الحكومة، وبعد نيله المصادقة سيحيله رئيس الحكومة على مجلس النواب، حيث سيخضع هذا المشروع لنقاش تفصيلي داخل اللجنة المعنية، وبعد المصادقة عليه في جلسة عامة سيتم رفعه إلى مجلس المستشارين ليخضع لنفس الإجراء، قبل المصادقة عليه بشكل نهائي.
وأبرزت المتحدثة ذاتها أن صياغة هذه المقترحات قانونيا تبقى عنصرا أساسيا في هذا الورش، بحيث يجب أن تكون الصياغة دقيقة ولا تترك المجال للاحتمالات، مع ضمان حقوق جميع أطراف العلاقة الأسرية، كما أكد على ذلك جلالة الملك، الذي دعا إلى "الحرص على بلورة كل ما تقدم، في قواعد قانونية واضحة ومفهومة، لتجاوز تضارب القراءات القضائية، وحالات تنازع تأويلها".

مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
مجتمع
مجتمع