مجتمع
الحمام المغربي .. معلمة عريقة قاومت تقلبات الزمن
12/06/2021 - 13:21
مراد كراخي
يعتبر الحمّام من المرافق التي طبعت الثقافة الشعبية المغربية، منذ تاريخ بعيد، ومازالت، إلى اليوم، تحظى بأهمية ومكانة كبيرة في حياة المغاربة، نساء ورجال. وظهر ذلك جليا خلال الأزمة التي فرضتها جائحة "كورونا"، بعد قرار إغلاق الحمامات الشعبية.
يعد الحمام التقليدي من أهم المرافق الاجتماعية في التاريخ المغربي، حيث شكل جزءا من بنيان المدن المغربية العتيقة، بهندسته المعمارية المتميزة، فلا يكاد يخلو حي من الأحياء بالمغرب من حمام عمومي، ووفق آخر الإحصائيات، فإن عدد الحمامات في المملكة يصل إلى 13 ألفا.
وأجمع مؤرخون على أن الحمام التقليدي استطاع الصمود في وجه التحولات والتطورات التي شهدها المجتمع المغربي، على مر الأزمان، وظل محافظا على مكانته المميزة إلى جانب المساجد، والأفران التقليدية، في الموروث الشعبي للمملكة.
تاريخ عريق
كشف حفريات في منطقة أغمات، نواحي مدينة مراكش، عن حمام تقليدي مغربي، يُعد طبقا لعلماء آثار، من أكبر الحمامات المشابهة، وأقدمها في الغرب الإسلامي، تبلغ مساحته 13 مترا مربعا ويتكون من 3 غرف، ويرجع تاريخ بنائه إلى القرن العاشر الميلادي. وتعود آخر فترة لاستعماله، إلى نهاية القرن الرابع عشر الميلادي، مما يدل على تجدر ثقافة الحمام في التراث المغربي القديم.
ووفق مؤرخين، فللحمام المغربي جذور ضاربة في التاريخ، ممتدة لعهد الرومان في شمال إفريقيا، إذ اصطحبوا خلال وجودهم بالمنطقة، في القرنين الأول والثاني للميلاد، أنماط عيشهم وطرائق بنائهم، وكانت الحمامات أحد أبرز معالمها، حيث استطاع هذا الموروث المعماري المميز، الصمود والتكيف مع كل الحضارات التي تعاقبت على المملكة.
وفي هذا الإطار، أفادت الكاتبة والباحثة المغربية، نزهة الإدريسي، في تصريح لـ"SNRTnews"، أن الحمام المغربي، كان ولا يزال من المرافق الأساسية التي ارتبطت بالمجتمع المغربي، بشكله المعماري المتميز، وتكوّنه من عدد من المرافق التي تتيح للمستحم قضاء وقت ممتع، يجمع بين النظافة والاسترخاء والتجميل وحتى الاستشفاء.
وأوردت الإدريسي، في كتاب بعنوان "جوانب من تاريخ الحمام المغربي"، أن الحمام المغربي استطاع التميز على غيره من الحمامات عبر التاريخ، "فقد عرف خصوصية مهمة وتطورا كبيرا جعلته يستمر إلى الآن ويزداد انتشارا في العالم بأسره ويفرض نفسه كأعرق مدرسة في التجميل، وذلك لكونه لم يقتصر على نخبة معينة من المجتمع كما كان الحال عند الإغريق والرومان وقدماء الفراعنة... بل استمتعت به جميع طبقات الشعب، وإن تفاوتت الحمامات على مستوى الفخامة والاتساع حسب الفئة الاجتماعية التي تستفيد منها، وبهذا حقق الحمام المغربي انتشارا شعبيا كبيرا وتمكن من إيجاد حاضنة شعبية ارتبطت به بقوة وربطت به العديد من عاداتها وتقاليدها".
ووفق الإدريسي، فقد لعبت جغرافية المغرب دورا كبيرا في تشييد حمامات طبيعية وصحية بحيث توفرت لها مواد الطاقة لتسخينها بمحاذاة الجبال التي تتوفر على أحجار ومعادن تتدفق من خلالها مياه ساخنة تقاد عبر قنوات ومجاري للحمامات، إضافة للغابات التي توفر الأخشاب والحطب الذي يستعمل لتسخين الماء والحمامات.
وفي هذا الإطار، أورد أبوالعباس أحمد الناصري، في كتابه "الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى"، أن بمدينة فاس المغربية "وُجدت الكثير من الحمامات... وتعود بداية بنائها إلى عهد يحيى بن محمد بن إدريس في النصف الأول من القرن الثالث الهجري الذي أمر ببناء الحمامات والفنادق للتجار، ثم ازدادت عددا في عهد المرابطين وتحديدا في عهد يوسف ابن تاشفين مؤسس دولة المرابطين، إذ بدخوله مدينة فاس، أمر بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين المدينتين عدوة القرويين وعدوة الأندلس وصيرهما مصرا واحدا، حصّنهما وأمر ببناء المساجد في شوارعها وأزقتها، وأي زقاق لم يجد فيه مسجدا عاقب أهله، وأمر ببناء الحمامات والأرحاء، فكان إنشاء الحمامات من أولويات هذا الأمير إذ ارتبطت أيما ارتباط ببيوت العبادة لأن الدولة المرابطية، كانت دولة دينية وبالتالي فالطهارة هي إحدى أهم أسس الدين الإسلامي الذي قامت عليه".
طقوس وأسرار
يتكون الحمام المغربي التقليدي، من ثلاث قاعات كبيرة متداخلة في ما بينها، تتدرج فيها الحرارة من المتوسطة إلى العالية، وفي كل قاعة صنبورا مياه، أحدهما بارد والآخر ساخن، وفي القاعة الأخيرة، حيث ترتفع الحرارة إلى أقصى درجاتها، يوجد حوض مائي متوسط وهو ما يسمى بـ"البرمة" التي تخزن الماء الساخن، هذا إضافة إلى قاعة خارجية للاستقبال وتغيير الملابس قبل ولوج غرف الاستحمام، وبخصوص السعر، فهو في المتوسط لا يتجاوز 15 درهما.
وقد استفاد الحمام المغربي من التقنيات الحديثة، فيما يخص أساليب التسخين التي تعتمد على الغاز والكهرباء، لكن هذا المعطى ظل في نطاق ضيق، إذ لم يكن له تأثير كبير على الأساليب الطبيعية التي تعتمد أساسا، على الخشب.
ومن ركائز الحمام المغربي "الكسال" أو "الكسالة" أو "الطيابة"، الذين يقومون مقام المدلك، حيث يستعين بهم الزبون، حسب رغبته لمساعدته في جميع مراحل الاستحمام، فيكون هذا الشخص تحت تصرف الزبون من وقت دخوله الحمام حتى الخروج منه، ويبقى الأجر الذي يأخذه من الزبائن هو مورد رزقه الوحيد، لأنه لا يتقاضى راتبا من صاحب الحمام.
وجاء في كتاب "جوانب من تاريخ الحمام المغربي" لنزهة الإدريسي أن الطبيعة الجغرافية للمغرب "أثرت بشكل كبير على الحمام، فتنوع تضاريسه من جبال وسهول ثم مناخه المتنوع من الحار والمعتدل إلى الثلجي، أدى إلى تنوع القشرة الأرضية، وبالتالي ما تعطيه من نباتات وما تحمله في جوفها من معادن وأحجار أغنت الحمام بمواد طبيعية طوعها لأغراض التجميل والنظافة".
ومن أهم مواد التجميل المستعملة في الحمام المغربي: الغسول وهو نوع من الطين يستخرج من جبال الأطلس وهو من المنتوجات التي تعود المغاربة على استعمالها في الحمام لعلاج البشرة وتجميلها، لما يحتويه من مواد طبيعية تكمن في بعض الفيتامينات المغذية للبشرة وفروة الشعر، والصابون البلدي المكون أساسا من زيت الزيتون، ويعتبر من أهم مكونات الحمام المغربي لفوائده في النظافة والعلاج، إضافة إلى الحناء التي تستعمل غالبا من طرف النساء، ولا يكتمل الحمام المغربي، بدون استعمال "الكيس" أو "الليفة"، كما يسميها أهل المشرق، وهي عبارة عن قطعة من القماش الخشن، يتم استعمالها في تقشير وتنظيف البشرة من بقايا الجلد الميت.
الوصول إلى العالمية
مع الإشادة التي يتلقاها الحمام المغربي من قبل خبراء التجميل، الذين أسهبوا في وصف فوائده الكبيرة، في ما يخص تنظيف البشرة بعمق وتطهيرها من الأوساخ والجلد الميت المتراكمة عليها، إضافة إلى مساهمته بتأخير ظهور التجاعيد وعلامات التقدم في السن، وتنشيط الدورة الدموية، وتخفيف توتر العضلات، فقد وصل صيته إلى العالمية.
كما أفردت العديد من المنابر الإعلامية، صفحات وتقارير كثيرة، للتعريف بطقوس الحمام المغربي، وفوائده التجميلية والعلاجية، وتطرقت لأسباب استطاعته الصمود في وجه تقلبات الزمن، والتكيف مع كل العصور.
ساهمت كل هذه العوامل في أن يصبح الحمام المغربي، من المعالم التراثية للمملكة، إذ يصرّ الكثيرون من زوار المغرب، على خوض تجربة الاستمتاع بـ"الحمام المغربي"، الذي ذاع صيته عالميا، مما حذا بمستثمرين، إلى فتح حمامات مغربية في الكثير من الدول.

مقالات ذات صلة
مجتمع
فن و ثقافة
مجتمع