سياسة
"كتاب" جديد للعلاقات المغربية - الفرنسية
30/10/2024 - 20:00
جمال الخنوسيألقى الرئيس الفرنسي، أمانويل ماكرون، يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 2024، بالرباط، خطابا تاريخيا أمام مجلسي البرلمان المجتمعين في إطار جلسة مشتركة، بمناسبة زيارة الدولة للمملكة بدعوة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وإذا كانت العلاقات المغربية الفرنسية عادت بهذه القوة غير المسبوقة، فقد عاشت حوالي ثلاث سنوات من الفتور بين بلدين تربطهما أواصر تاريخية واقتصادية وثقافية كبيرة.
ولم يتحدث رئيس الجمهورية الفرنسية عن "صفحة" جديدة في العلاقات بين المغرب وفرنسا، بعد زيارة الدولة للمملكة، بل استعمل في تعبيره كلمة "كتاب" ست مرات وهو أمر بالغ الدلالات، سنقف عنده قليلا:
1 - "في الوقت الذي قررنا فيه، مع صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن نكتب كتاباً جديداً معاً"، لا يشير هذا القول إلى نية التعزيز، بل إلى إعادة تعريف العلاقات بين فرنسا والمغرب.
2 – "من خلال إعادة التأكيد على رابط صداقة فريد من نوعه في هذه الذكرى، أرى في ذلك فرصة وحاجة لكتابة هذا "الكتاب الجديد" لمواجهة تحديات القرن والتغلب عليها". هذا القول يعزز فهمنا لاستخدام كلمة "كتاب" في هذا الخطاب؛ إذ يربطها بفكرة التحديات الكبرى للعصر. فالرئيس الفرنسي هنا يرى أن إعادة تأكيد الصداقة الفريدة بين البلدين ليس فقط مناسبة احتفالية، بل فرصة لبدء كتابة "كتاب جديد" يواجه هذه التحديات.
3 - اليوم، لدى المغرب وفرنسا مهمة إرساء أسس شراكة استثنائية معززة بين بلدينا، وتقديم هذا "الكتاب الجديد" للأجيال المقبلة على مدى الـ25 عاماً القادمة، كتاب واعٍ، مدرك للماضي، لكنه متوجه نحو المستقبل". هنا، "الكتاب" يرمز إلى مرحلة جديدة من التاريخ القادم بين البلدين.
4 – ما أتمناه في كل المجالات التي ذكرتها هو هذا "الكتاب الجديد" لعلاقتنا، مقتبساً كلمات صاحب الجلالة الملك أمس، الذي لم يتردد أيضاً في تحدي المكتسبات والأطر التقليدية لاحتضان أكبر قدر ممكن من الطموحات". هنا إشارة أخرى إلى الشراكة المستقبلية المنشودة بين البلدين.
5 – وبغض النظر عن بلدينا، فإن هذا "الكتاب الجديد" يحمل أيضاً، إمكانية كتابة صفحة جديدة لمستقبل وتنمية القارة الإفريقية". هنا يضيف الرئيس الفرنسي بعدا استراتيجياً وجيوسياسياً أكبر لمفهوم "الكتاب" في خطابه، حيث يوضح أن "الكتاب الجديد" يمتد أثره إلى إفريقيا بأكملها، وليس فقط بين فرنسا والمغرب.
6 – "فلتكن هذه الزيارة الرسمية بمثابة افتتاح لهذا الكتاب الجديد في تاريخنا المشترك الطويل". تختم هذه العبارة بتمني أن تكون هذه المرحلة الدبلوماسية الجديدة نقطة انطلاق لعلاقة أقوى.
إذن، لم يكن استعمال الكتاب اعتباطيا، بل له دلالات عميقة في خطاب كتب بشكل جيد جدا، واستعملت فيه الكلمات والتعابير بدقة متناهية: فـ"الكتاب" الجديد يوحي بأن العلاقة بين البلدين ليست مجرد إرث، بل هي موضوع يتطلب تحديثاً وتطويراً ليتلاءم مع التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية. ويلمح الرئيس إلى إمكانية تحويل هذا التعاون إلى منصة لتحقيق الاستقرار والنمو في إفريقيا، مؤكداً على دور البلدين في تعزيز الأمن والتنمية المستدامة. ما يعكس رؤية استراتيجية لفرنسا والمغرب في قيادة تحالف إقليمي قد يشكل نموذجاً للتنمية والاستقرار. إن كتابة كتاب جديد هنا هي دعوة للتأثير في المسار التنموي والسياسي للقارة.
إن استخدام كلمة "كتاب" تعبير عن نية حقيقية للتعامل المشترك مع تحديات القرن الواحد والعشرين. التحديات هنا ليست ثانوية أو سطحية؛ بل هي قضايا كبرى تتطلب تحالفاً استراتيجياً عميقاً.
كما يختزن "الكتاب" أيضاً دلالة ثقافية؛ ففرنسا والمغرب يشتركان في إرث ثقافي ولغوي عريق يمتد عبر القرون، مع رموز أدبية وتاريخية مشتركة. هذا الكتاب الجديد ليس مجرد مشروع سياسي، بل هو امتداد للثقافة المشتركة والتقاليد والتفاهم المتبادل بين الشعبين.
إن كلمة "كتاب" ليست مجرد استعارة؛ بل هي استدعاء لرمز عميق يحمل دلالات متعددة. إنه يجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويمثل الإرادة السياسية والثقافية والمجتمعية لبناء مستقبل مستدام. فخطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعكس رؤية فرنسا لعلاقة شاملة ومعمقة مع المغرب، قائمة على تصور صاحب الجلالة، التي حددها في خطاباته السابقة، علاقة أساسها التكامل والاحترام المتبادل، تستهدف تعزيز الاستقرار والتنمية الإقليمية، والشراكة المبتكرة والشاملة التي تتجاوز التعاون التقليدي لتشمل أهدافاً طموحة تتماشى مع تحديات المستقبل.
مقالات ذات صلة
سياسة
تكنولوجيا
عالم
سياسة