مجتمع
الألتراس.. عندما يتجاوز الشغب الرياضي حدود الملاعب
19/01/2025 - 14:07
مراد كراخي
ما زال الشغب الرياضي ينغص على عشاق الرياضة، وكرة القدم على الخصوص، فرحتهم، ويؤدي إلى عنف شديد لا تسلم منه حتى القوات الأمنية، فيتم استهداف عناصرها ومعداتها ومركباتها، فضلا عن المواطنين وممتلكاتهم خارج الملاعب.
في آخر حادث من هذا النوع، شهدت مدينة الدار البيضاء، الخميس 16 يناير 2025، تورط محسوبين على فصائل مشجعي أندية كرة القدم في تبادل العنف والرشق بالحجارة وتعريض سلامة الأشخاص للخطر، وهو ما استدعى تدخل دوريات الشرطة.
وقد تسببت هذه الأعمال في إصابة موظف شرطة بجروح، وإلحاق خسائر مادية بسيارة لقوات حفظ النظام، في ما جرى توقيف 9 أشخاص من بين المشتبه فيهم، إذ تم العثور بحوزتهم على سلاح أبيض وشهابين ناريين وكمية من الحجارة.
انتماء وشغب في أي مكان
قال عبد الرحيم بورقية، السوسيولوجي والأستاذ الباحث في علم اجتماع الرياضة، إن الشغب والعنف الرياضي المرتبط بالألتراس يعرف تزايدا بالمغرب، مما يطرح أسئلة حول جذور هذا العنف، وخلفياته وتمثلاته وكيفية التعامل معه، بعد أن أصبح وسيلة من وسائل التعبير عند شريحة واسعة من الشباب واليافعين.
ويرى بورقية، في تصريح لـSNRTnews، أن هذا النوع من الشغب لم يعد يقتصر على الملاعب، لأن مجموعات الألتراس تعيش هذا الانتماء في أي مكان وأي وقت، إذ بات عدد كبير منهم يبحث عن خلق الحدث في محاولة لتصدر عناوين الصحف.
وتابع أن العنف والشغب المحيط بعالم الألتراس يخضع لعلاقات وصراعات الهيمنة والسيطرة التي تتخذ شكلًا رمزيًا في الغالب، ويمكن أن تتطور إلى مواجهات مباشرة في ما بينهم أو مع رجال الأمن.
وفي السياق ذاته، أشار عبد الرحيم غريب، الدكتور المختص في الحكامة والباحث في المجال الرياضي، إلى أن الانتماء إلى الألتراس أصبح يتخذ أشكالا أكثر تطرفا بعد أن أصبح الانتماء إلى فصيل معين يتعدى مقابلات كرة القدم إلى الدفاع عن صورته خارج الملعب.
وأوضح غريب، في حديثه لـSNRTnews، أن هذا الأمر هو ما يفسر انتشار العنف المرتبط بالألتراس خارج الفضاءات الرياضية؛ إذ يصبح الفصيل بمثابة كيان له علم خاص به وأناشيد خاصة ونفوذ في أحياء معينة.
وتابع أن بعض الفصائل تدخل في نزاعات مع فصائل أخرى من خلال إجراء تجمعات في النفوذ الافتراضي لغريمتها، أو سرقة شعاراتها، أو تشويه رسومات الغرافيتي التابعة للمنافس.
وأكد أن تبادل الشتم والإهانات بين الفصائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي يساهم بشكل كبير في تأجيج هذه النزاعات، التي أصبحت مستمرة طوال العام ولا ترتبط بالمباريات ونتائج الفرق.
من يشكل الألتراس؟
حول نوعية الشباب الذين يشكلون الألتراس وكيفية استقطابهم، قال عبد الرحيم غريب إن أغلب المنتمين إلى هذه الفصائل يعيشون في ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، مما يدفعهم للبحث عن مجالات لإثبات أنفسهم والاندماج في جماعات.
وأكد في هذا الخصوص أن بحثا أجراه مع عدد من الطلبة حول عينة تضم 1700 من أعضاء الألتراس، أظهر أن أغلبهم من أسر يقل دخلها المادي عن المتوسط، كما أن المستوى الدراسي لأغلبهم لا يتجاوز التعليم الإعدادي.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن مجموعات الألتراس تُعتبر بيئة حاضنة لهؤلاء الشباب الذين يكون أغلبهم من المراهقين، حيث توفر لهم شعورا بالانتماء والهوية.
وفي هذا الإطار، لفت عبد الرحيم بورقية إلى أن بعض قادة هذه المجموعات يتخذون من هذا الانتماء مصدرا للاسترزاق والاستقواء من خلال تسخير عناصرها لتصفية الحسابات من طرف مسيرين أو منخرطين أو رؤساء فرق.
وتابع أنه ورغم كون الألتراس كفكرة تنأى عن التعامل مع الرئيس والمسيرين والمنخرطين لكي تكون أداة ضغط مستقلة، إلا أن عددا من أفرادها يكونون ضحية توجيه من القائد لخدمة مصالح فئة معينة.
معالجة جذرية
بخصوص الحلول الممكنة لمكافحة هذه الظاهرة، أفاد عبد الرحيم بورقية أنه من أجل الحد من هذه الظاهرة يجب معالجتها من جذورها الاجتماعية بالأساس، مشيرا إلى أن المقاربة الأمنية تبقى ضرورية لكنها وحدها غير كافية.
ودعا صاحب كتاب "الألتراس بالمدينة" إلى ضرورة تكوين اليافعين لكي لا يصبحوا أداة في يد من يعبث بهم، لأن هذه المجموعات مكونة من خليط غير متجانس، فهناك من يتخذها وسيلة للاسترزاق والاستقواء، وهناك من يرى فيها وسيلة للحصول على مكانة اجتماعية.
وأضاف: "إذا تم إعداد الأفراد بشكل جيد منذ الصغر، سيكون من الممكن توجيههم نحو الإبداع والتميز والابتكار، لأن أنشطة الألتراس في العديد من أنحاء العالم تدفع في هذا الاتجاه."
وأشار إلى أن من واجب من يضطلع بوضع السياسات العمومية الانخراط في مشروع شامل لتطوير الفرد وخصوصا اليافع والمراهق فكريا وأخلاقيا واجتماعيا وروحيا وتمكينه من اكتساب المهارات الحياتية والمعارف اللازمة التي تؤهله لأن يكون فاعلا داخل محيطه.
ومن جانبه، أكد عبد الرحيم غريب أن جميع القطاعات المسؤولة عن تأطير الشباب وتوجيهه تخلت عن هذا الدور، مشيرا إلى أن أدوار الأحزاب السياسية في هذا الإطار أصبح شبه منعدم، كما أن "دور الشباب" تعرف عزوفا كبيرا بسبب عدم تقديمها عروضا تستميل هذه الفئة.
وخلص إلى أن الشغب الرياضي، في جوهره، هو انعكاس لحالة من الإقصاء الاجتماعي والفراغ الذي يعاني منه الكثير من الشباب، مبرزا أن الحلول يجب أن تكون شاملة، وتأخذ بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وتوفر للشباب الفرص الحقيقية لإثبات أنفسهم بطرق إيجابية.

مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
مجتمع
مجتمع