مجتمع
أمن سيبراني .. الأطفال فريسة سهلة على الإنترنت
13/02/2025 - 18:23
وكالة المغرب العربي للأنباء
بلهجة صارمة، تقول سميرة لابنها البالغ حوالي 11 سنة، وهو يتناول وجبته بمطعم للوجبات السريعة وسط مدينة الرباط، "خذ هاتفي واجلس بجانبي". وهو المشهد الذي يبدو عاديا، غير أنه يظهر تفضيل هذه الأم منح طفلها هاتفها الذكي عوض ممارسته لنشاط أكثر متعة في فضاء مجاور مخصص للعب.
وبهذا التصرف، تعتقد الأم الشابة أنها قدمت لابنها بديلا أفضل للترفيه. وتقول بكل ثقة: "من المستحيل أن أتركه بمفرده، أفضل أن أمنحه الهاتف الذكي ليتسلى به بدلا من السماح له باللعب في مكان بعيد عن نظري".
وتعتقد سميرة أنها بذلك تحمي ابنها من المخاطر التي قد تحدق به خارج المنزل، لكن ماذا عن المخاطر المحتملة التي تهدد القاصرين في الفضاء الرقمي؟.
في هذا السياق، تحذر رئيسة الجمعية المغربية للطب النفسي لدى الأطفال والمهن المرتبطة به، نوال الإدريسي الخمليشي، من أن "الأطفال هم فريسة سهلة على الإنترنت، خاصة من قبل المتحرشين الذي يحاولون استدراجهم، مستغلين سهولة التأثير عليهم".
وأوضحت الخمليشي، في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، أن هؤلاء الأشخاص يختبؤون في الغالب وراء أسماء مستعارة أو صور رمزية للتواصل مع القاصرين واستدراجهم من أجل استغلالهم جنسيا. كما يتعلق الأمر بتعريض القاصرين لصور صادمة ومحتوى غير لائق وعنيف، بالإضافة إلى التحريض على ممارسة ألعاب خطيرة.
وأبرزت أن قائمة المخاطر طويلة وتشمل أيضا التنمر الإلكتروني والعنف السيبراني، الذي تتعدد أشكاله ما بين الإهانة والتهديد والشائعات ونشر الصور أو التعليقات المهينة، وصولا إلى الابتزاز عبر كاميرا الويب.
وحذرت الخمليشي من أن "هذه المخاطر، التي غالبا ما يتم التقليل من خطورتها، يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة ودائمة على الصحة النفسية للضحية وسلوكها وعلاقاتها الاجتماعية".
كما أبرزت أن هذه المخاطر يمكن أن تضعف الثقة بالنفس لدى الطفل أو المراهق، وقد تؤدي به إلى القلق أو الاكتئاب أو إيذاء النفس أو حتى محاولة الانتحار.
وبالموازاة مع ذلك، يمكن أن يؤدي التعرض لمحتويات غير لائقة إلى إصابة الطفل بصدمة، وتغيير نظرته للعالم ونموه العاطفي، وأن تنجم عنه صعوبات في التواصل الاجتماعي.
تفاقم حدة المخاطر
تزداد حدة هذه المخاطر المثيرة للقلق مع استمرار ارتفاع نسب الأطفال الذين يستخدمون شبكة الأنترنت. فبحسب بحث أنجزته الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات سنة 2024، ارتفع معدل استخدام الأطفال للأنترنت في المغرب من 63 بالمائة سنة 2020 إلى 66,3 بالمائة سنة 2023، في حين يتجاوز معدل استخدام شبكات التواصل الاجتماعي 94 بالمائة لدى القاصرين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 5 و14 سنة.
ومن بين هؤلاء الأطفال، ملاك، التي تنتمي لهذا الجيل الذي ولج العالم الرقمي في سن مبكر جدا. ففي سن السادسة، تمتلك لوحة الكترونية خاصة بها للاستمتاع بألعاب الفيديو المفضلة لديها. تنتقل بين التطبيقات بسهولة مثيرة للقلق بالنسبة لطفلة في سنها، فالألعاب عبر الإنترنت و"سنات شاب " و " تيك توك" وحتى "يوتيوب" لم تعد تحمل أي أسرار بالنسبة إليها.
تقول والدة الطفلة الصغيرة: "لقد أهديتها جهازا لوحيا في سن الخامسة حتى تتسلى باللعب فيها. في البداية قمت بتنزيل بعض الألعاب لتستمتع بها، ولكن بعد فترة وجيزة، لاحظت أنها قامت بتنزيل تطبيقات أخرى بمفردها ".
وبالنظر لقلقها من طول المدة التي تقضيها ابنتها أمام الشاشات، وبناء على نصيحة طبيب الأطفال الخاص بها، قررت هذه الأم تثبيت أداة للمراقبة بهدف الحد من وقت التصفح ومنع الوصول إلى أي محتوى غير لائق.
والسبب وجيه بالنسبة إليها. فالمخاطر التي يخفيها الأنترنت هي حقيقة يواجهها العديد من القاصرين، كما يتضح من عدد التبليغات التي سجلها المركز المغربي للأبحاث متعددة التقنيات والابتكار (CMRPI) على منصة “Espace Maroc Cyberconfiance”.
وأظهر التقرير الذي أنجزه هذا المركز ارتفاع التبليغات عن المحتويات غير الملائمة للعنف والتحرش السيبراني على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتقلت من 64 تبليغا سنة 2021 إلى 548 سنة 2022. وقد تضاعف هذا الرقم سنة 2023 مع تلقي المركز 1227 تبليغا. ويرتبط معظمها بمحتويات التحرش الإلكتروني المنشورة بشكل رئيسي على "فيسبوك" و "انستغرام".
وتظل هذه الأرقام، حسب رئيس المركز المغربي للأبحاث متعددة التقنيات والابتكار، يوسف بن الطالب، ضئيلة مقارنة بالعدد الحقيقي للقاصرين الذين يعانون في صمت من التجاوزات المرتكبة في حقهم بالعالم الرقمي دون أن يتمكنوا من الإبلاغ عنها خوفا من الشعور بالذنب أو بسبب عدم معرفة البوابة.
وحذر السيد بن الطالب من أن هذه المخاطر ستتزايد وتصبح أكثر تعقيدا بحيث يصعب محاصرتها، خاصة مع ظهور الذكاء الاصطناعي واتساع إمكانية الولوج إلى أدواته.
وأضاف أن وضعية من هذا القبيل من شأنها أن تسهل الأعمال المؤذية والإجرامية وتجعلها أكثر تعقيدا، في الوقت الذي اتسع فيه انتشار النشاط الرقمي بعمق بين فئات القاصرين.
أدوات الرقابة الأبوية
تقر حنان، وهي أم لطفلين أحدهما بالمستوى الثانوي في ال 16 سنة من عمره، والثاني لا يتجاوز سنه 14 عاما، بأن الوضع أضحى أكثر تعقيدا، خاصة أمام محدودية معرفتها بالتقنيات الرقمية، وبأدوات الرقابة الأبوية في هذا الشأن، لكنها تحاول رغم ذلك وبقدر المستطاع السيطرة على الوضع.
تقول هذه الأم بنبرة حزينة "أحاول الحد من وقت اتصالهم بالأنترنت ، والقيام بمراقبة مباشرة للشاشة، لكنني لا أستطيع التحكم في كل شيء"، لا سيما في ظل انشغالاتها كأم تواجه تحدي التوفيق بين مسؤولياتها الأسرية والتزاماتها كسيدة عاملة.
وتابعت بحسرة "يستخدم أطفالي هواتفهم الذكية طوال اليوم، حيث يقضون أمام شاشاتها حوالي تسع ساعات يوميا، ولا أعرف ما الذي يشاهدونه عندما يكونون خارج المنزل"، لأنهم ببساطة يحذفون ذاكرة المشاهدات على هواتفهم من فيديوهات وغيرها، وكذا بعض التطبيقات.
ما عبرت عنه السيدة حنان ليس بحالة معزولة، إذ يشعر العديد من الآباء بالعجز أمام التطور التكنولوجي المتسارع، وبأنهم أضحوا غير مؤهلين بما يكفي لضبط ولوج أطفالهم إلى الإنترنت وحمايتهم من مخاطر محتوياته.
وفي هذا السياق، كشف بحث حول الأمن السيبراني للأطفال في المغرب، نشرته شركة الأمن السيبراني الدولية "كاسبيرسكي" في عام 2022، أن الآباء المغاربة يواجهون صعوبة في استخدام أدوات الرقابة الأبوية على الأنترنت، وأن 88 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع لم يستخدموا برامج الرقابة الأبوية، فيما أقر 78 في المائة منهم بأنهم لا يملكون معلومات كافية حول كيفية حماية أطفالهم من مخاطر الأنترنت.
ويبرز الاستطلاع، من جهة أخرى، أن 9 من أصل 10 من الآباء يشعرون أنهم متجاوزون رقميا إزاء أطفالهم ، و46 في المائة منهم لا يعرفون كيفية التصرف إذا وقع طفلهم ضحية التحرش الإلكتروني.
وأمام هذا الواقع، أعربت رئيسة الجمعية المغربية للطب النفسي لدى الأطفال والمهن المرتبطة به، عن أسفها بشأن "النقص" الحاصل لدى الآباء في التكوين في مجال التكنولوجيا الرقمية، إلى جانب العجز الواضح في تثقيف الأسر حول الاستخدام الآمن والمسؤول للبيئة الرقمية.
وأشارت الخمليشي إلى أن "هذا النقص في التكوين هو الذي يمنع الآباء أو أولياء الأمور في بعض الأحيان، رغم إدراكهم لمخاطر الأنترنت، من التصرف بشكل مناسب والتواصل بشكل فعال مع أطفالهم حول هذا الموضوع".
وبسبب المتعة التي توفرها الأجهزة المتصلة بالأنترنت للآباء والأبناء على حد سواء، يصعب أحيانا مباشرة سلوكيات أبوية أكثر مسؤولية في مواجهة المخاطر الخفية لولوج غير متحكم فيه للعالم الافتراضي.

مقالات ذات صلة
مجتمع
تكنولوجيا
تكنولوجيا
تكنولوجيا