مجتمع
نساء الطحالب .. حوريات مدينة الجديدة
30/09/2022 - 16:07
حليمة عامر | محسن لكاطععمل شاق للغاية..
"لا أجد فرصة للعمل إلا خلال فصل الصيف، وكل ما أكسبه في هذه الفترة، أسد به الحاجة طيلة السنة، بما في ذلك مصاريف الماء والكهرباء والمرض". هكذا تتحدث لكبيرة الزروالي، لـSNRTnews، عن معاناتها من ضعف العائد المادي، بسبب طبيعة ظروف مهنتها.
لكبيرة الزروالي سيدة دكالية، تتحدر من إقليم الجديدة. تبلغ من العمر 57 سنة. أمضت أزيد من 30 سنة في جمع الطحالب البحرية. تقول إنها "لا تجد عملا، سوى في فصل الصيف. وكل ما تجنيه خلال هذه الأشهر القليلة، تسد به الحاجة طيلة أشهر السنة".
متاعب هذه المهنة، التي خبرتها الزروالي لسنوات، جعلتها تتحكم في نمط عيشها، رغم العمل الشاق. فمع غبش الصباح، وقبل بزوغ الشمس، تكون هي أول المستيقظين في المنزل لإنجاز المهمة الأولى؛ إعداد وجبة الإفطار، ثم التوجه صوب الساحل الأطلسي للجديدة، قبل أن يبلغ وقت ارتفاع منسوب المياه مدى معينا. إذ تقول إنها "على دراية كبيرة بتقلبات مزاج البحر"، فخبرة السنين علمتها متى يكون المد والجزر، ومتى تنتهي مدة استخراج الطحالب، الأمر الذي يتطلب جهدا وصبرا كبيرين.
محاولة عيش..
الصيف بإقليم الجديدة موسم يحضر له أهلها جيدا، طيلة العام. ففي الوقت الذي يقوم أصحاب البيوت والشقق بتأجير بيوتهم لزوار المنطقة، تخرج نساء الطحالب إلى البحر، صيف كل سنة، لجمع كميات مهمة من هذه الأعشاب، لتجميعها وتجفيفها تحت الشمس، إلى أن يحن وقت بيعها للشركات أو التعاونيات التي ستستغلها لأغراض تجارية أو علمية. ولكبيرة واحدة من هؤلاء النسوة.
وينطلق موسم جني الطحالب البحرية؛ بنوعيها الجاف والرطب، مرة كل عام، بداية من فاتح يوليوز، ويستمر إلى غاية شهر شتنبر. فخلال هذه الفترة، يكون مهنيو الطحالب قد انتهوا من عملية الجني، كاحترام لموسم الراحة البيولوجية والمعايير الأساسية، التي كانت قد سطرتها المندوبية الإقليمية للصيد البحري بالجديدة، للحفاض على الثروة البحرية من الاستنزاف.
وفي المقابل، تبدأ هؤلاء النساء في تجفيف ما كن قد جمعنه، وتقليبه من فترة لأخرى، وتصفيته من الشوائب، إلى أن يحين موعد وزنه، وبيعه للشركات التي ستستغله.
قطاع مشغل..
ويشغل قطاع الطحالب البحرية، بحسب مندوبية الصيد البحري للجديدة، ما يفوق 1092 قارب تعمل في مجال صيد هذه النباتات البحرية، إضافة إلى 60 تعاونية مصرح بها، و1638 شخصا من جامعي الطحالب على الأرجل، غالبيتهم نساء منتميات إلى 24 تعاونيات.
وتعد الباحثات عن الطحالب على الأرجل الحلقة الأضعف في سلسلة هذا النشاط التجاري، إذ يكسب المشترون منهن الملايين بعد تصدير هذه الأعشاب إلى الخارج، فيما تكسب هؤلاء النساء، اللاتي يتحملن أثقل الأعباء، النسبة الأقل من هذه الأرباح.
الزروالي، وهي تتحدث في السياق، أوضحت أنها تبيع الطحالب ذات اللون الأحمر بـ3,50 درهم للكيلوغرام الواحد، فيما تبيع الطحالب الخضراء، التي تكون فوق سطح البحر، بـ4 دراهم للكيلوغرام الواحد، عكس أصحاب القوارب، الذين يبيعون الكيلوغرام الواحد من هذا النوع بـ6 دراهم.
ورغم أن هذه التجارة غير مربحة، إلا أنها تسد رمق العيش لهؤلاء النساء، لاسيما أن إقليم الجديدة على إنتاج الطحالب بكثرة، لتحريك عجلة الاقتصاد، إذ يتم، بحسب المندوبية الإقليمية للصيد البحري بالجديدة، تثمين 80 في المائة من هذا الانتاج؛ بتحويله عن طريق الصناعة الوطنية، للحصول على قيمة مضافة، فيما يتم توجيه الـ 20 في المائة المتبقية نحو التصدير في وضعيته الخامة.
ومعلوم بأن هذا القطاع عرف خلال سنتي 2013 و2014 مفرغات بحجم 7000 طن، بينما تم، خلال هذا العام، تسجيل زيادة في حجم المفرغات بقيمة 22450 طن، بزيادة بسبة 300 في المائة.
وفي السياق، أوضح عبد الواحد البقال، المندوب الإقليمي للصيد البحري بالجديدة، أنه جرى، خلال هذا العام، تخصيص 5 في المائة من الإنتاج لفائدة النساء اللاتي يجمعن الطحالب على الأرجل، بقيمة 1120 طن.
وخلف هذا الإنتاج المهم، نساء يعملن بجد. إذ يتمظهر ذلك بخطواتهن التي بدت مثقلة من تعب الغطس وثقل للحمولة، قد يصل وزنها إلى 50 كيلوغراما.
واقع مشترك..
لا يختلف حال لكبيرة الزروالي، في شيء، عن باقي قريناتها اللاتي اخترن امتهان الغطس وجمع الطحالب البحرية. فمن أجل دراهم معدودات، تخاطر هؤلاء النسوة بحياتهن، عبر الغطس تحت مياه البحر، لجمع الطحالب الحمراء، حتى تنزاح عن أيديهن رقة الأنوثة، وتحل محلها خشونة الصناديد.
محنة مثيلة تعيشها الزوهرة ربوح، التي امتهنت هذه الحرفة لمدة 47 سنة، وأعالت بها عائلتها وأطفالها، حتى صار لهم بيوت وأسر. وتروي بدورها أنها بعد أن "تصلي صلاة الفجر، تنزل رفقة جاراتها، لجمع ما تيسر من هذه الطحالب"، مشيرة إلى أنها يمكن أن تجمع يوميا من كيس إلى اثنين، حسب قدرتها على تحمل مشقات البحر. فهي لا تتوفر على معدات التنفس تحت الماء، مما يضطرها إلى النزول بسرعة تحت سطح الماء لجمع الأعشاب البحرية، مسكتة نفسها لدقائق، إلى أن تجمع ما جاد به البحر.
ولكي تتمكن الزوهرة من جمع أكبر كمية، ينبغي عليها أن تتحلى بالهدوء والصبر الكافيين لكي تحافظ على أعصابها طيلة اليوم. ففي كل لحظة كانت تنزل بسرعة، وبشكل عمودي، لسطح البحر، لالتقاط الأعشاب، وإضافتها إلى الكيس الذي كانت تلصقه ببدلتها.
هذه الظروف كانت كافية لكي تكون مدرسة كبيرة تتعلم فيها خصلة الصبر. وتقول إن كل واحدة تجمع خلال اليوم ما استطاعت إليه سبيلا، إذ يمكن، في بعض الأحيان، أن تصل هذه الكمية لـ700 كيلوغرام أو لـ800 كيلوغرام في اليوم.
رغم ذلك، تصر هؤلاء النسوة على الاستمرار في هذه المهنة، فهي الخيار الوحيد.
مقالات ذات صلة
اقتصاد
عالم
سياسة
مجتمع