تكنولوجيا
باسم حرية التعبير...
14/01/2025 - 14:52
جمال الخنوسي
في 20 يناير 1981، دخل الرئيس الأمريكي رونالد ريغان البيت الأبيض بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية. انشغل الناس حينها بمصير العالم، وعبروا عن قلقهم بعد أن أصبح على رأس أعظم دولة في العالم "ممثل فاشل"، وامتلك أزرار السلاح النووي "راعي بقر" يطلق النار أسرع من ظله.
بعد حوالي نصف قرن، يشهد العالم تحولات من نوع آخر: أولًا، اكتشف الناس، قبل أيام، أن السلطات الصينية تدرس إمكانية شراء إيلون ماسك، العبقري أو المعتوه (لا أحد يعرف)، لفرع تيك توك في الولايات المتحدة. خبر لم يحدد بعد مدى مصداقيته.
وثانيًا، ظهر مارك زوكربرغ، رئيس مجموعة ميتا، في السابع من يناير الجاري، على حسابه في فيسبوك، بقميصه القطني البسيط، كعادة أثرياء وادي السيليكون، من أجل الإعلان عن تحول كبير في سياسة "ميتا" المالكة لمنصات تواصل اجتماعي كبرى مثل فيسبوك وإنستغرام وواتساب. وقال زوكربرغ، حينها، إن الانتخابات الأمريكية الأخيرة تمثل "نقطة تحول ثقافي تعطي الأولوية مجددًا لـحرية التعبير". وإن مجموعته ستعيد النظر في قواعدها المتعلقة بالمحتوى الموجود على كل منصاتها و"تبسيطها" و"وضع حد لبعض القيود المتعلقة بالمواضيع، كالهجرة والجنس". بمعنى آخر، الاستغناء عن خدمة تقصّي صحة الأخبار وتعويضها بملاحظات المستخدمين، على غرار ما هو الحال على منصة إكس، التي يمتلكها ماسك.
ولم يكن اختيار منصة إكس اعتباطيًا، بل هي رسالة واضحة من زوكربرغ يعلن فيها اصطفافه في خندق ماسك، والاتجاهات اليمينية المتطرفة التي يدعمها علانية، في مواجهة أفكار اليسار الووك.
إن إعلان زوكربرغ ليس تصريحًا عارضًا لأحد أقوى الرجال في العالم بل هو إعلان تحول يشهده العالم ويدخله في مرحلة جديدة مجهولة العواقب. فالرجل كان معروفًا بميولاته الووك على غرار غوغل وآبل، غير أنه اليوم أبان أن المال جبان، ولن يصمد أمام دونالد ترامب، رئيس أقوى دولة في العالم، وإيلون ماسك "أقوى رجل في العالم".
باسم "حرية التعبير"، برر مارك زوكربرغ التحول الذي أعلن عنه في مجموعة ميتا في وقت كان العالم ينتظر تنظيمًا أفضل لمنصات التواصل الاجتماعي، خاصة في ما يتعلق بالإعلانات السياسية واستغلال البيانات، ومحاربة المعلومات المضللة ودعم الشفافية في الحملات الانتخابية.
باسم حرية التعبير، سيفتح هذا التغيير الجذري في السياسة الأبواب أمام طوفان من المعلومات المضللة والتدخل في الانتخابات والتلاعب بالخوارزميات لتغيير العالم على هوى ماسك وزوكربرغ وغيرهما. ولابد أن نستحضر هنا الدور الذي لعبته منصة فيسبوك في الربيع العربي الذي انقلب لعنةً على المنطقة، وفضيحة Cambridge Analytica، وهي شركة لتحليل البيانات، استغلت المعطيات الشخصية لملايين المستخدمين على فيسبوك دون موافقتهم لتحديد تفضيلات الناخبين واستهدافهم برسائل محددة دفعت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
أضف إلى ذلك أن فيسبوك لعبت دورًا كبيرًا في انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في 2016، من خلال تأثيرها الكبير على الحملات الانتخابية، واستهداف الناخبين من خلال الإعلانات السياسية الموجهة (Targeted Political Ads) التي وفرتها منصة مارك زوكربرغ. لكن المنصة نفسها حذفت حساب ترامب في 2021، بعد هجوم مئات من أنصاره على مبنى الكابيتول، مما أشعل فتيل العداوة بين الرجلين.
وتدل خطوة مالك فيسبوك على ضعفه وانتهازيته بعد أن دارت الرياح باتجاه ترامب وماسك.
باسم حرية التعبير، ستتحول شبكات التواصل الاجتماعي إذن إلى غابة دون حسيب أو رقيب، وسيتم استهداف الأقليات والأفراد. وباسم حرية التعبير، سيفتح الباب واسعًا أمام خطاب الكراهية والتحرش الإلكتروني والمحتوى العنيف والبورنوغرافيا.
إن التحول الكبير والخطر الداهم اليوم لا يتجلى في رجال يمتلكون أزرار القنبلة النووية وأسلحة الدمار الشامل بل في معتوهين يمتلكون إكس وفيسبوك، ولم لا تيك توك وجميع منصات التضبيع.

مقالات ذات صلة
سياسة
سياسة
تكنولوجيا
سياسة